الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف الحقوقي المغيب عن تقييم واقع التجربة الديمقراطية الفلسطينية

عماد صلاح الدين

2008 / 3 / 28
حقوق الانسان


حين أتحدث عن الموقف الحقوقي المغيب عن تقييم واقع التجربة الديمقراطية الفلسطينية التي بدأت بانتخابات يناير كانون الثاني 2006 ، فاني اقصد بذلك ذلك الموقف الغائب والمغّيب بشكل عام من قبل مؤسسات حقوق الإنسان المنتشرة تحديدا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، ومعها عديد من تجمعات جمعيات وهيئات القانون والمحاماة الرسمية وغير الرسمية بشأن إعطاء الموقف الجوهر من حقيقة ما صاحب هذه التجربة الديمقراطية ، التي شهد العالم كله بنزاهتها وشفافيتها، من ظروف وملابسات وإرهاصات جاءت بسبب معطيات محلية وإقليمية ودولية.

والتجربة الديمقراطية الانتخابية في الأراضي المحتلة والتي فازت فيها حماس بالأغلبية البرلمانية التي أهلتها لتشكيل حكومة شرعية بامتياز، ووفقا لما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنتي 2003 و 2005 ، تعرضت لعدم الاعتراف والمقاطعة المحلية والإقليمية والدولية منذ أول يوم فازت فيها بنتيجة الانتخابات ، وشكلت بعدها الحكومة الفلسطينية العاشرة، والسبب أن نتيجة الانتخابات كانت مغايرة لآمال وتوقعات الأطراف المحلية والإقليمية نفسها المرتبطة بالنظام الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد نتائج انتخابات كاسحة أو متفوقة للطرف الذي يستجيب للشروط الأمريكية و"الإسرائيلية" : بالاعتراف مجددا بشرعية الاحتلال الذي لا توجد له حدود أصلا ولا حتى دستور، وبتجريم حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في وجه العدوان "الإسرائيلي" المتنوع والمتكرر، وبالاعتراف باتفاقات سابقة شرعنت الاحتلال ومكنته، وجزأت الشعب وفتتته ، وبررت قتله وملاحقته وتجويعه .

ووقع الحصار المطبق على الفلسطينيين من كل صوب وحدب، وفي كل مجال حياتي : في السياسة والمال والاقتصاد وغيرها من الحقوق المكفولة أصلا لشعب واقع تحت الاحتلال بموجب القانون الدولي . وكان ولازال حصارا ربما ندر مثيله عبر التاريخين المعاصر والقديم ، ولكن مؤسسات حقوق الإنسان وكثيرا من الجهات القانونية والحقوقية رسمية أو غير رسمية في معظمها لم تبد الموقف الحق والجريء مما يجري ، ولم تقل ما يقوله القانون الدولي والمواثيق الحقوقية الأممية ، أن شعبا تحت الاحتلال غير مطلوب منه القبول باشتراطات الاحتلال ، بل إن الاحتلال مطلوب منه أولا أن يعترف بحقوق الشعب الذي يحتله ويضطهده ، وان الفلسطينيين سبق لقيادتهم المفاوضة مع "إسرائيل" أن قدمت التنازلات وقبلت بالشروط الظالمة ، ولكن شيئا لم يتحقق للفلسطينيين على صعيد الحقوق وتقرير المصير ، بل ساءت أمورهم أكثر وأكثر . وعلى هذا فان الحصار ظالم وان المحاصرين ظالمون ، وان الحكومة الفلسطينية شرعية وقانونية وجاءت بقرار الفلسطينيين أنفسهم ، ولابد من رفع الحصار فوريا ، وتمكين حكومة الشعب من القيام بدورها ، لكن ومن أسف كبير لم يصدر هكذا موقف قانوني وحقوقي من مؤسسات حقوق الإنسان ومن جهات أخرى ، على رأسها الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان .

ومع الحصار كانت هناك خطوات أخرى مرافقة ومتلاحقة لإسقاط خيار الفلسطينيين ، وكما العادة بالتحالف مع أطراف عديدة فلسطينية رسمية و"إسرائيلية" وعربية إقليمية تقودها الولايات المتحدة وأطراف أوروبية أخرى . وكان من بين هذه الخطوات سحب صلاحيات الحكومة المالية والإعلامية والأمنية وإشاعة الفوضى و"الفلتان" الأمني المنظم من اجل إفشال الحكومة الفلسطينية الشرعية . وجرى سفك دماء فلسطينية كثيرة بسبب مشروع الفوضى هذه ، وحين لم تؤت هذه الخطوات ومعها الحصار المطبق على الفلسطينيين أكلها ، انتقل مشروع إجهاض تجربة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وتحديدا بعد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلى مستوى خطير يقوم على ضرورة الشروع بحرب أهلية دموية تؤدي في النهاية إلى إزالة نتائج الانتخابات التشريعية وحتى القروية والبلدية لتعلن حالة الطوارئ ، وصولا إلى حالة إجراء انتخابات مبكرة على أمل العودة إلى مواقع الحكم والنفوذ من جديد ولو على أشلاء الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيبا وشبابا.ولم يعد خافيا على احد أن هذا المشروع قد فَضح أمره من خلال شهادة العديد من الوثائق والتقارير والأشخاص الذين قالوا إن إدارة بوش أرادت خوض حرب قذرة من اجل تقديم انتصار لجماعة دكتاتورية وفاسدة ، وان الذي جرى في غزة بتاريخ 14 حزيران 2007 لم يكن انقلابا من حماس وإنما الآخرون هم الذين أرادوا الانقلاب على حماس والحكومة الشرعية المنتخبة ، هذا ما جاء -على الأقل - في تقرير مجلة (فانتي فيير الأمريكية) في أوائل آذار الجاري .

لكن مؤسسات حقوق الإنسان- أيضا - لم تقم بإنصاف التجربة الفلسطينية التي قادتها حماس ، من خلال القول والإعلان الحقوقي والقانوني الجريء بان القانون وتحديدا القانون الأساسي الفلسطيني المؤقت وطبيعة دور الحكومات بشكل عام يلزم الحكومة الفلسطينية بالقيام بواجباتها في حفظ الأمن والنظام ، وان عليها أن تقمع وتمنع تمردا على إرادة الناس من قبل بعض الأجهزة الأمنية المعروفة و التي أجندتها أجنبية صرفة وليس وطنية بما يتماشى مع حقوق الفلسطيني الإنسانية والسياسية والحقوقية. .

تم الانقلاب في الضفة الغربية على القانون الأساسي من خلال مراسيم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بعد أن قامت حكومة الوحدة الوطنية بواجبها في التصدي لتمرد بعض الأجهزة الأمنية وبموجب القانون؛ حيث تم انتهاك القانون الأساسي بشكل واضح جدا ، حتى إن بعض العارفين بالقانون وصف الأمر بالمجزرة الدستورية والقانونية ، لكن مؤسسات حقوق الإنسان لم تكن - في هذه المرة أيضا -صريحة في التصدي وإدانة هذه المجزرة بحق القانون الأساسي الذي هو بمثابة الدستور الناظم والمبين لحقوق الفلسطينيين وواجباتهم .
وأمام صورة ما سبق فانه يتضح جليا من هي الجهة التي تعطل الحوار الفلسطيني الداخلي ، الذي هو حاجة شعبية فلسطينية من اجل الحفاظ على حقوق الفلسطيني المكفولة بالشرعية الدولية وكذا من اجل رفع الحصار وفتح المعابر المغلقة، وكل الأخيرة تعتبر داخلة في صلب اختصاص واهتمام مؤسسات حقوق الإنسان ، فلماذا لا تقول الكلمة الفصل بشأن من يعمل على استمرار معاناة الفلسطينيين وحصارهم وتجويعهم ؟، لقد بات واضحا ومعروفا لدى أي مراقب بسيط حقيقة الذي يجري في الأراضي المحتلة، وما جرى مؤخرا بشأن إعلان صنعاء للمصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس أنصع دليل على من يهمه ممن لا يهمه أمر الفلسطينيين كشعب يريد حقوقه والتحرر من ربقة الاحتلال !.
هناك الكثير الكثير من الجرائم والانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت من أطراف عديدة بحق تجربة ديمقراطية لشعب يعاني من الاحتلال ، لكن الموقف القانوني والحقوقي من قبل جهات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية تم تغييبه لاعتبارات ظاهرها الابتعاد عن السياسة وعدم التدخل في صراعات داخلية، لكن حقيقتها كانت غير ذلك - ومن أسف- كما يعرف كثيرون .

ليس من مهمات مؤسسات حقوق الإنسان أن توثق فقط كم يُقتل ويُجرح ويُعتقل ويُهدم بيته وتُصادر أرضه من الفلسطينيين على يد الاحتلال "الإسرائيلي" ، أو أن توثق وتكشف ضحايا الفلسطينيين بسبب النزاع الداخلي ، بل إن المطلوب منها -وفي الأساس- أن تعلن وتوضح الموقف القانوني والحقوقي من طبيعة أحداث وصراعات حين يتعلق الأمر بحقوق الناس الجمعية إنسانيا وسياسيا وقانونيا .

باحث في مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا