الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر, الحرية و-المعادلة- المحلولة

هدى ابو مخ

2003 / 12 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في مصر, المعادلة محلولة, فالمحجبة هي "الفاضلة" والسافرة هي "الساقطة".
لا انكر خيبتي الناتجة عن زيارتي لاول بلد عربي... عشت اياما منهكة الفكر, مشوشة في علاقتي مع جسدي, فهذه اول مرة اتجرع فيها كل هذا الكم من الفكر الذكوري, العنصري المعادي للمراة والمستبطن على يد الذكور المصريين – دون التطرق حاليا الى الاناث المصريات- بتلك الصورة الجلية. وارجو الا يفهم قصدي بصورة خاطئة, ففي مصر هنالك ايضا الاناس العظماء في طيبتهم ورقي فكرهم, لكن للاسف فان ما يترك الاثر في النفس هو الالم الناتج عن الشعور بالمهانة. وبقولي فكر عنصري معاد للمراة فانني اقصد كل تلك الدوافع التي قادت ذكورا مختلفين الى التصرف تجاهي وتجاه اخريات كن معي – من غير المحجبات- بكل تلك العدائية ذات الدلائل الجنسية.
منذ وطات اقدامنا ارض القاهرة حذرنا المرشد السياحي المصري من السير منفردين, حتى ان كان ذلك نهارا, فالشباب حين يرون فتاتا تلبس عالموضه – عالموضه تعني من لا تضع منديلا على راسها- فانه طبيعي لديهم ان يعبروا عن رايهم بالتصفير او التعليق اعجابا لها. ولكي يطمئننا اردف: الشباب هنا تعبر عن اعجابها من بعيد, لكنهم لا يتجرؤون على التعرض لاي فتاه, فمن ناحية فان اخلاقهم تمنعهم من ذلك, ومن ناحية اخرى فان القانون المصري يعاقب بشدة من يجرؤ على التعرض للسائحات. مما تبين لاحقا, فان ما ذكره لم يكن شديد الدقة, ف"اخلاق" الشباب لم تكن رادعة بالصورة التي وصفها. لدرجة ان احد الشباب الذين رافقونا علق: "الله يعين بنات مصر عهالشباب".
سيتهمني الكثيرون اني اجر الحديث عمدا الى الحجاب. لكني اظن ان اي انثى لا ترتدي الحجاب ستفهم كيف ان الحجاب هو رقم مهم في معادلة التواجد في مصر. لا يعني الامر انني اربط الحجاب بالانحلال الاخلاقي, لكني اعني بان الوضع الذي يصير فيه الحجاب –وهو رداء خارجي- رمزا للفضيلة وما عداه هو نقيض الفضيلة, وضعا كهذا هو الذي انتقده, حيث ان اي راي اخر يقابل فورا بالعدوانية وبالرفض حتى قبل اي نقاش. في وضع كهذا طبيعي ان تعمل جاهدا للحفاظ على فعل البقاء الانساني, ولكل فرد طريقته في ادارة هذا الصراع, فالبعض يواجهه بالاستسلام له, والبعض بمقاومته.
لفت نظري الاعداد الكثيرة للمحجبات, ولربما من فهم فردي, شعرتهن كمن يجتهدن للهرب من اعين الشباب, بعيدا جدا... الى انفسهن. فكرت بانه حتما فان لانصياع الفتيات للواقع واستبطانه عن طريق البحث عن "الفضيلة" ودرء الشباب عنهن, لهذا الانصياع الباع الكبير في تمادي الشباب وعنجهيتهم. كنت حين وصلت الى هذه المرحلة من التفكير قد انطويت على نفسي في حجرتي في الفندق لا اطيق مغادرته حتى الى المركز التجاري المقابل له. كنت قد قررت التنازل عن هوايتي المفضلة, اي التنزه وحيدة –نهارا. انتابني احباط عنيف هز كياني: احباط نسوي- قومي. فكيف لهذا الشباب ان يكون يوما شعبا حرا وراقيا ما دامت تستعبده الاكاذيب, وتسيره العنصرية وسطحية التفكير (الفضيلة مقابل البغاء, وكانما الصورة بهذه السطحية)؟ وكيف لهذا الجيل ان يرقى ويتحرر من الاستعمار والذل  ما دام هو نفسه يمارس الاستعمار والاذلال لغيره (نعم, لا تبتسموا بسخرية, فحتى ابتسامة كهذه هي ما يطلقه صهيوني متطرف حين يستمع الى فلسطيني يتذمر من الظلم والاجحاف الذي يعانيه).
فكرت طويلا, فحتى وان حدث وصرنا شعوبا مستقلة, فاي الشعوب سنكونها؟ وما العلاقات التي ستحكمنا؟ وما موقعي كامراة في هذه العلاقات؟ وهل ساقرر شيئا فيها ام اعيش رهابا ابديا لمجرد كوني بهذا الجسد؟
لم يطل امد حيرتي. فان كنا لا نزال شعبا لم يتخذ بعد هيئته النهائية – لاجيال عديدة قادمة على الاقل- فعلي ان اقرر الان بان اكون رقما في هذه العلاقات, وليس مجرد نتيجة. تنازلي الان عن هواية مفضلة, وانطوائي في حجرة فندق سيعني تنازلي عن ابسط حقوقي, وسيعني اكثر ما يعني عدم اختلافي عن اي من اولئك الفتيات اللواتي استبطن نظاما ومعاييرا اجتماعية فاسدة ومجحفة في ان واحد.
في ذات اللحظة بدلت ملابسي وخرجت لامارس هوايتي المفضلة: التنزه وحيدة.

رائعة انت يا مصر حين نكون فيك نسائم طليقة, تلفظها الحرية...

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داعمو غزة يغيرون ا?سماء شوارع في فرنسا برموز فلسطينية


.. رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب




.. مراسل الجزيرة هشام زقوت يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع


.. القسام تستهدف ثكنة للاحتلال في محور نتساريم




.. واشنطن تطالب قطر بطرد قيادة حماس حال رفضها وقف إطلاق النار