الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات بندقية مشلولة

طارق قديس

2008 / 3 / 30
الادب والفن


البندقية معلقة على الحائط في المنزلْ
مشلولةً لا تتحركْ
بعيدةً عن متناولِ الأبطالْ
وكأنها لعبةٌ خشبيهْ
يلهو بها الأطفالْ
لا تغادرُ غرفة الجلوسْ
أليفةً ..
خاليةً من الرصاصْ
من الذخيرة الحيّهْ
كمن ينتظر ساعة الخلاصْ
بارودها غير قابلٍ للاشتعالْ
وزنادها من منصبهِ استقالْ
تُحَدِّثُ الحائط عن ماضيها المجيدْ
وعن بطولاتها في زمنِ النكبهْ
عن لياليها الطويلة في الخنادقْ
عن شقيقاتها من البنادقْ
عن صولاتها في (معركة الشجرهْ)
وكيف كانت تحبل كل ثانية ثمرهْ ..
رصاصةً تبحث عن أرواحِ الجنودْ
خلف المتاريس والحواجزْ
وعلى مشارفْ الحدودْ
وكيف كان في كل ساعهْ ..
يترصدها شبحُ الشهادهْ
................................
البندقية معلقةٌ على الجدارْ
لقد أمستْ مجرد تذكارْ
مجرد قطعةٍ باليةٍ ..
يأكلها الصدأُ ..
ويكسوها الغبارْ
لم تعدْ تدخلُ في حوارٍ مع زرقةِ السماءْ
كما كانت في كل مساءْ
عن مفهوم الحريهْ
عن معنى الوطنيهْ
في قواميس الحركات الثوريهْ
عن حق المقاومهْ
في حمل السلاحْ
عن أسماء الشهداءِ في سبيل الكفاحْ
لم تعدْ تذكرُ ..
من يومياتها في القرن العشرينْ
غير القليل القليلْ
من ذكريات الزمن الجميلْ
فها هي البندقيهْ
قد وصلتْ إلى فصل الخريفْ
معلقةً في الهواءْ
كلوحةٍ زيتيةٍ ..
أصدقاؤها الجدران الأربعهْ
ومصباحُ الكهرباءْ
تحاولُ أن تتجاوز الخطوطَ الحمراءْ
تحاولُ قتلَ المللْ
والخروجَ على داء الشللْ
فلا تجد غير الجدارنْْ
وصمتَ المكانْ
وبقيةً باقيةً من أحلى الذكرياتْ
فتعيدُ استذكارها ..
كي تنعش الدورة الدمويهْ
ولا تموتَ على الجدارِ مهملةً ..
بالسكتةِ القلبيهْ
................................
البندقية معلقةً ..
إلى جانب البراويز والصورْ
تحاولُ الهروبَ من ضرباتِ القدرْ
تشاهد في التلفاز نشرة الأخبارْ
بعد أن كانت هي من يصنعُ الأخبارْ
فيأخذها شعورٌ بالدُوارْ
ورعشةٌ من الألمْ
فهنالك اجتماعٌ طارئٌ لهيئة الأممْ !
عن حق الشعوب في تقرير المصيرْ
عن مشكلةٍ في كشميرْ
وحديثٌ..
عن مرضِ انفلونزا الطيورْ
وعن مجاعةٍ لا تُطاقْ
عن إحياءٍ لــ (خارطة الطريقْ)
وعن تقسيم العراقْ
عن أزمةٍ نوويهْ
أزمةٍ مجهولة الهويهْ
عن ملاحقة القاعدهْ
في أرض الأفغانْ
فينتابها شعورٌ بالضيقْ
وتعود إلى يومياتها القديمهْ
ترفع صلاتها إلى الأعالي ..
كي تخرجَ من هذا القفصْ
وتفلتَ منه كما تفلت العصافيرْ
فقد ملَّتْ من صمت القضبانْ
ومن التخفِّي ..
تحتَ ثياب الرهبانْ
ملتْ من كتابة يومياتها ..
بالحبر السريِّ على الورقْ
وهي التي لم تعشقْ ..
غير أصوات المدافعْ
وساعاتِ الأرقْ
فغدا بعد هذا ..
كلُّ شيءٍ هراءْ
حتى ضوء الشمسِ ..
لا معنى لهُ ..
والألوانُ أمستْ ..
كلها سواءْ
................................
ها هي البندقيهْ
تكتب مذكراتها بريشة الصمتْ
وعلى الفوهة السوداءِ كاتمُ صوتْ
تكتب مذكراتها بلغة (الخُرسانْ)
ترسمها مخترقة جدار الزمانْ
ألوانها من دماء الشهداءْ
ومن أشلاء المناضلينْ
ترسمها ..
فنَّا تشكيلياً ..
مع أنها ..
ليستْ من أهلْ التشكيلْ
أو تلميذةً في مدرسة التأويلْ
ترسمها صامتةً ..
كي تحفظها عن عيون الزائرينْ
تاريخاً وردياً ..
قد سقطَ من أقلامِ المؤرخينْ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات