الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواطنون عراقيون...لا شيعة ولا أكرادا!

باتر محمد علي وردم

2003 / 12 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من المفهوم أن ترتفع نسبة القلق لدى العديد من المثقفين والزملاء الكتاب الأردنيين والعرب نتيجة مظاهر الفتنة الطائفية التي ظهرت إلى الساحة العراقية بشكل كبير منذ أيام، وتحديدا في المناطق ذات الغالبية الشيعية والكردية. ولكن من الخطير أيضا أن يتم التعامل مع هذه المشكلة من منظور طائفي أيضا، والتركيز على التباينات العرقية والطائفية في تحليل الوضع الراهن، فالعديد من الإعلاميين والمثقفين العرب من شتى الاتجاهات والمذاهب الفكرية والسياسية كانوا جاهزين لتوزيع تهم الخيانة والعمالة على الشيعة والأكراد بسبب اشتراكهم في المشروع الأميركي للإطاحة بالنظام العراقي السابق والسطو على موارد العراق دون أن يفهموا الخلفية التاريخية لجرائم حزب البعث في العراق.
مثل هذا التعامل هو نفسه الذي يثير الحساسيات والمشاكل لدى الشيعة والأكراد، والذين يملكون الكثير من العتب والغضب على المثقفين والإعلاميين والسياسيين العرب الذين صمتوا صمتا سيئا ومتواطئا على عقود طويلة من الإضطهاد الذي تعرض له الشيعة والأكراد تحت حكم "الرئيس الشرعي" للعراق وبطانة حزب البعث.
لم أشهد الكثير من تاريخ العراق الحديث، وأعرف أن الأساتذة الذين عاصروا تغيرات الحكم في العراق في الستينات والسبعينات هم أدرى مني بخصائص التركيبة السياسية العراقية، ولكن ما أعرفه أن "الفتنة الطائفية" في العراق، وتقسيم العراقيين إلى شيعة وأكراد وسنة وتركمان لم يكن موجودا في الحكم الملكي ولا في بدايات الثورة القاسمية، ولكن مع بدء عهد حزب البعث الميمون في العراق بدأت الفتنة الطائفية وبدأ كل هذا الانتهاك لحقوق المواطنين العراقيين من الشيعة والأكراد على وجه التحديد.
أفهم تماما الغضب من التصفيات البشعة التي تحدث لمسؤولين سابقين في حزب البعث وخاصة من السنة، ولكن لا أفهم أن يتم وصف قوات بدر وقوات حزب الدعوة بأنها أتت من الخارج مع القوات الأميركية وأنها مجموعة من العملاء والخونة! يعرف الجميع طبعا بأن قوات بدر وحزب الدعوة لم تغادر العراق رغبة في القيام بالاستجمام والسياحة بل لأن "الرئيس الشرعي للعراق" كان قد أصدر قرارا بإعدام كل من ينتمي لحزب الدعوة وبأثر رجعي، كما أن التصفيات الجسدية للقيادات الشيعية الدينية كانت على قدم و"رجل"، وخاصة بالنسبة لعائلة "الصدر" والحكيم، ويكفي أن نعرف بأن 63 قياديا شيعيا من عائلة الحكيم قد قتلوا من قبل النظام السابق، وربما هذا قد يفسر للسادة المثقفين العرب لماذا يحس السيد عبد العزيز الحكيم بالغضب على الرئيس صدام!
وما أعرفه ايضا بأنه لم يمر على العالم العربي مذبحة بشعة بقدر ما حدث في حملة الأنفال ضد الأكراد عام 1988 وكانت نتيجتها مقتل 40 ألف مدني كردي بالسلاح الكيماوي، ولم نسمع السادة المثقفين والإعلاميين العرب ينتقدون هذه المذبحة أو يتعاطفون مع الشعب الكردي، وهو شعب عراقي وليس مستوردا إلى هذه المنطقة وتم قتله وتهجيره من أرضه تماما كالشعب الفلسطيني والشيشاني والأرمني، ولهذا فإن هناك تقصيرا عربيا كبيرا في مجال تفهم معاناة الأكراد في العراق.
كل هذا طبعا لا يبرر النزعات الانفصالية، ولا يبرر التعاون مع الاحتلال ولا يبرر قطعا تسليم أموال العراق لدول أخرى بحجة أضرار الحرب، ولكن علاج هذه المشكلة الطائفية لا يكمن في مواصلة هذا الهجوم المحموم على الشيعة والأكراد فهذا سوف يزيد القيادات المتطرفة في الجانبين غلوا في عدائها للسنة، ويقلل من فرصة القيادات الوطنية في السيطرة على القرار وتوجيه الأكراد والشيعة إلى الطريق الوحيد المنطقي وهو طريق المواطنة كاملة الحقوق في دولة عراقية مستقلة موحدة.
قبل أن نهاجم الشيعة والأكراد، لنحاول أولا أن نفهمهم، وأن نقدر ونحس معاناتهم التاريخية، خاصة أننا كنا شركاء في المؤامرة بسبب سكوتنا عليها سنوات طويلة، وعدم تعامل الإعلام العربي والأردني بمسؤولية وضمير مع الإضطهاد والاستهداف الذي كان يتعرض له الشيعة والأكراد في عهد "الرئيس الشرعي للعراق"، وهذه المسؤولية التاريخية هي الخطوة الأولى للعمل على توحيد فئات الشعب العراقي لا المساهمة في تفريقها من خلال مواصلة اتهام الشيعة والأكراد يوميا وتوزيع تهم الخيانة والعمالة عليهم!

تنشر المقالة بالتزامن مع صحيفة الدستور الأردنية الخميس 25-12-2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة