الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية والمساواة

جمال كريم

2008 / 3 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ضمن اصدارات معهد الدراسات الاستراتيجية ، صدر حديثا لاريك كيسلاسي كتاب الديمقراطية والمساواة ، وقد ترجمته الى العربية الدكتورة جهيدة لاوند ، يسلط هذا الكتاب الضوء على المعنى الحقيقي للديمقرطية ،فضلا عن المساواة الفعلية ، والمؤلف كما تقول المترجمة في مقدمتها ، هو عالم اجتماع فرنسي بارز ، وهوتلميذ نجيب لمفكر القرن التاسع عشر ومنظر الديمقراطية اليكسي دوتوكفيل ، يحاول كيسلاسي ، وهو الاكاديمي في جامعات فرنسا، أن يشرح للتلاميذ و الطلاب وحتى الاساتذة ولكل من يهتم بما يدور حوله في مجتمعه من سجالات ومناقشات وحوارات ووقائع اجتماعية ، كيف تقرأ أحداث المجتمع الديمقراطي لفهم تداعياتها وآثارها .فالتحليل الذي قام به الكاتب هو تحليل سوسيولوجي ، اعد بمهارة اختصاصي استند الى فكر استاذه دو توكفيل.
ضم الكتاب فضلا عن مقدمة المترجمة ،مقدمة لمؤلف الكتاب وخمسة فصول هي :"ماهي الديمقراطية؟،وهل يمكن للديمقراطية أن توفق بين المساواة في الحق والمساواة الفعلية؟،وهل تسمح الديمقراطية بالتوفيق بين المساواة والحرية؟،وهل تسمح الديمقراطية بالحركية الاجتماعية ؟،وهل تترجم الديمقراطية بعدالة اجتماعية أكبر؟".
في الفصل الاول من الكتاب يحاول كيسلاسي ان يقدم تعريفا لمفهوم الديمقراطية منذ نشاتها في العصور القديمة وبالتحديد في حاضنتها الاولى أثينا مرورا بالجمهورية الرومانية وحتى الثورة الفرنسية ، يقدمه بلغة بسيطة متكاملة ، ويورد ،كما يسميها المؤلف ، قصة قصيرة حول الديمقراطية كنظام سياسي يقول فيها :مع ان الديمقراطية ظهرت عند بعض القبائل البدائية فقد جرت العادة بان يكتب بانها نشات في اليونان ، في اثينا بين عامي 508- 507 م،عند ظهور تعديل كليستان: Clisthene المفهوم والممارسة .في الواقع ، ان الانتماء الى موقع جغرافي (المدينة) ،لا الى عائلة قوية ،هو الذي يحدد قيمة المواطن .ان الديمقراطية محصورة ، بما أنه يستثنى منها النساء ، والعبيد والمستأمنون (الغرباء) .اما بالنسية للاخرين (عشر الشعب الاثيني) ، فالمواطنة تفترض حقوق المشاركة بالقرارات السياسية (امكانية المشاركة بالقرارات السياسية ، وعند الاقتضاء ، بالوظائف السياسية) وواجبات (خدمة المدينة عبر مساعدتها في الدفاع عن نفسها ، وبنصرها ،وبالمساهمة في المصاريف المشتركة حسب الامكانات الفردية) ، في اطار القواعد التي توفر المساواة أمام القانون .
ويضيف: ان الديمقراطية القديمة التي تضع نفوذالفرد الواحد في مواجهة نفذ المواطنين الاحرار والمتساوين ، هي ديمقراطية مباشرة ،لان جمعية "الشعب"، المجتمعة في آغورا- Agora وهي ساحة كبيرة للمشاورات ،هي التي تقرر مباشرة .فلا يوجد وسطاء يمثلون المواطنين .
أما عن عن مفهوم وتطور الديمقراطية عند الرومانيين فان كيسلاسي يقول: سعت الجمهورية الرومانية الى استعادة مبادىء الديمقراطية اليونانية ، مضيفة اليها امكانية منح المواطنة الى رجال لم يولدوا في روما .لكن يتعلق الامر هنا بشبه ديمقراطية .
يوضح : من المؤكد أن بعض مفكري عصر النهضة لم يكفوا عن المدافعة عن المفاهيم القديمة المتعلقة بـ"الجمهورية "وبـ"الحرية"مستندين بذلك الى اسلافهم القدماء للتنديد باستبدادية الدولة ، وللمطالبة بحكومة لكل الناس .ان القرنين السابع عشر والثامن عشر ، في فرنسا وكذلك في انكلترا والولايات المتحدة ، هما قرنان يتصفان بمناهضة الاستبدادية –الشعب يخضع بالشكل الكامل للملك- حيث سمحت مواقف فلاسفة عصر الانوار روسو،ديدرو ،دالمبير،فولتير بتوضيح هذا الرفض للطغيان .
ويؤكد كيسلاسي : كنهاية سياسية لهذه المشيئة ، أدت الثورة الفرنسية الى ظهور جنين الديمقراطية والى انجاب مبادئها الاساسية .في الواقع ،طرح اعلان حقوق الانسان والمواطن الذي صدر في 26 آب/أغسطس عام 1789 مبداحقوق المساواة بين المواطنين .ومنذ ذلك الحين ، يمسك هؤلاء المواطنون بالمصدر الوحيد للسلطة السياسية :"يكمن مبدأ كل سيادة في الامة بشكل أساسي .لايمكن لاي هيئة أو فرد ممارسة أي سلطة ان لم تكن تنبع بشكل صريح من هذه الامة .(المادة3).بيد أن الثورة الفرنسية تستثني (16)من المواطنة النساء والفقراء. وكان يجب انتظار الجمهورية الثانية للحصول على مبدا الاقتراع العام ...للرجال وانتظار الثالثة لكي ينفذ فعليا.
ويشير المؤلف في الفصل نفسه قائلا: لم يعد اذا للديمقراطية الحديثة أي صلة بالديمقراطية القديمة ، بما ان الشعب لايدير الحكومة بنفسه .فهذه الديمقراطية غير المباشرة أصبحت ضرورية لاهمية المجتمعات المعاصرة وتعقيدها .بعيدا عن الاستفتاء ، الذي يعتبر أح الاثار الديمقراطية المباشرة ، كونه يسمح لاكثرية ناخبة بالتقرير ، تصبح الديمقراطيات الحديثة عبارة عن ديمقراطيات تمثيلية ، حيث نرى فيها مواطنين ينتخبون ممثلين يمارسون باسم الامة جمعاء (السيادة الوطنية )السلطة السياسية .لكن العمل الصحيح لهذه الممارسة يعتمد بشكل أساسي على انتخابات حرة ،ومنتظمة ،وشفافة نوتعددية .عندها تصبح الحكومة هي المسؤولة أمام الشعب وبشكل ملموس ،وباستحقاقات منتظمة ،تحاسب الحكومة على على ادائها (أو تقصيرها).
اما الفصل الثاني من الكتاب "هل يمكن للديمقراطية أن توفق بين المساواة في الحق والمساواة الفعلية "فقد افرده المؤلف لتحديد مفهوم "المساواة"، مشيرا الى أن الفكرةتدخل في صلب الحياة السياسية والاجتماعية .
ويوضح كيسلاسي في ذلك بالقول:يدين أساس مفهوم المساواة ،في معناه الحديث ،بالكثير الى عصر الانوار .فتصبح بالتالي أعمال روسو حاسمة بشكل خاص كونها تحدد أن لا وجود مستديما للحرية بغياب المساواة .في خطابه حول اصل اللامساواة بين الناس ( 1755) ، يحمل المجتمع مسؤولية وجود اللامساواة :قد يفسر انشاء الملكية وجود التفاوت المادي .فامام المجتمع ألفاسد ،يطرح اقامة عقد اجتماعي (1762) ، لانه لاوجود لتفوق طبيعي للبعض على الاخرين .ويضيف انه ينبغي على المؤسسة العادلة ان تعتبر جميع الافراد سواسية منذ ولادتهم ن وعليها أن توفر وتضمن ، القانون هذه المساواة في الحق .فالمساواة التي تتجسد عبر عقد تمأسس عبر قانون .
ثم يذكر المؤلف شرعة حقوق الانسان والمواطن المنبثقة من الجمعية الوطنية الفرنسية في 26 اب/اغسطس من عام 1789ذاكرا موادها السبع عشرة .
واذا ما كانت الديمقراطية تسمح بالتوفيق بين بين الحرية والمساواة ، ناقش المؤلف في الفصل الثالث التساؤل التوفيقي بين المفهومات المذكورة فيقول في ذلك: لاترتكز الديمقراطية على المساواة فقط.الحرية هي ركيزتها الاخرى .هذه القيمة الاخرى تحتل محور اهتماماتها ،لانها تمثل الاستقلالية ،والسيادة وسلطة الذات على الذات على حد سواء.
وفي تساؤله هل كون الفرد حرا، يعني السماح له بالقيام بما يحلو له؟ يجيب كيسلاسي قائلا: من المؤكد ، أن حرية التصرف بامكانها أن تفهم على انها عكس الاكراه ،او القمع ن أو الاستعباد .لكن بامكان دولة الحق فقط ضمانتها ، شرط ان تستطيع الحد منها !فهذه الحرية بمعناها السياسي ، التي تتوقف عندما تبدأ حرية الاخرين ،يحميها القانون ويحدها .وبالتالي على صعيد التفكير الاخلاقي والسياسي ،تشير الحرية الى ضرورة :ايجاد شروط تحقيقها .
ويضيف المؤلف : بما ان الحرية لاتبدو ممكنة بدون الشرعية ،ظهرت "الحريات العامة "،التي تقوم على قواعد قانونية ،اي انها لاوجود لها الا اذا كرسها القانون .تاريخيا اصطنعت ضد الاستبدادبة والتعسف .فبدت وكانها المبادىء المؤسسة للديمقراطية ...عندها نلاحظ ، ما يلي :
-الحقوق الملازمة للفرد :الامن الفردي ، وحرية الراي والمعتقد ،وحرية التجول ،وحرية الاجتماع،وحرية العبادة والتعليم.
-الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كالحق النقابي ،وحق الاضراب ،وحق الامن في الشغل ،الخ....
وفي محورمن الحرية القديمة الى الحرية الحديثة يتحدث كيسلاسي بالقول : الرؤى المفهومية للحرية عديدة ومتنوعة .واذا اقرت جميعها بأن الحرية ذات قيمة عالية ،فذلك لان الفلسفة السياسية أخذت الوقت الكامل لتحديد أطر هذا المفهوم .في البدء ،كان افلاطون ، اول من شرح في "الجمهورية"( 385 -370 ق.م)، أن الحرية السياسية هي مبتغى الديمقراطية .بالنسبة اليه ،هذا يؤدي الى غياب كامل للرقابة على نشاطات الافراد أو الشعب بأكمله ، فتتجلى بالتالي الصعوبة عندما يؤدي هذا الامر الى سيادة الغوغائيين الذين سرعان ما يتحولون الى طغاة يمارسون القوة المطلقة والتعسف على رعاياهم .
ويؤكد المؤلف في الفصل الرابع"هل تسمح الديمقراطية بالحركية الاجتماعية ؟" أن دو توكفيل استنبط الكمال التكافؤي الموروث من عام 1789 وهو نفسه الذي قدم الديمقراطية على انها ليست نظاما سياسيا فحسب ، بل "واقعي اجتماعي " ويناقش كيسلاسي فكرة دو توكفيل قائلا : لاريب ان هدفه يكمن في ايجاد شروط المساواة السياسية ، لكن ايضا ايجاد الوسائل لنشر المساواة في الاعتبارات والمساواة في الفرص .اذن على هذا المستوى من التحليل ، تفترض الديمقراطية ، حركية اجتماعية قوية.
وفي محور ديمقراطية طبقات تقسيم طبقي وحركية طبقية يحلل الكاتب الرؤية الماركسية للمجتمع الصناعي الذي يسير نحو تشكيل طبقتين اجتماعيتين كبيرتين متصارعتين ، هما : العمال "البروليتاريا" والرأسماليون ، ثم يناقش بعد ذلك " نظريو الطبقة الوسطى "مشيرا الى ان الديمقراطية تولد حركة اجتماعية من المفترض ان تحول دون اندلاع صراع طبقي ، بجعل هذه الاخيرة ليست اساسيات بل أنماط وجود مؤقتة .مع ولادة الطبقة المتوسطة اضطربت البنية الاجتماعية .
ويؤكد : أعلن ذلك سيميل منذ 1896 " تاتي الطبقة المتوسطة بعنصر اجتماعي جديد تماما ليست طبقة ثالثة تضاف الى الطبقتين الاخريين ولا تختلف عنهما بالدرجة كما تختلف الاخريان عن بعضهما ،فحسب .ماهو جديد فعلا لديها هو انها تقوم باستمرار بتبادلات مع الطبقتين الاخريين وان هذه التغيرات الدائمة تمحو الحدود وتبدلها بانتقالات دائمة ومتواصلة.....".
ويخصص كيسلاسي فصله الخامس والاخير من الكتاب بتساؤل مهم وذي استنتاجات بالغة العمق من حيث الدلالات والمفاهيم "هل تترجم الديمقراطية بعدالة اجتماعية اكبر" ، حيث يوضح في المقدمة ان استمرارية الديمقراطية ، تقتضي أن تحترم المساواة في جميع ميادين الحياة الاجتماعية ،وبالتالي فان تجسيد الديمقراطية المثلى على المستوى السياسي ، يقتضي أن ياتي الحصول على المساواة بمقاربة المستووين الاقتصادي والاجتماعي ما يفسر المشيئة برؤية تحقيق اكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية .
ويشير اريك كيسلاسي : لقد أصبح الشعور بالعدالة الاجتماعية ،مع مرور الزمن ،عنصرا مهما للرابط الاجتماعي الذي يجب أن يوجد في "الوضع الاجتماعي" الديمقراطي ،لما يسمح به من كبح للصراعات الاجتماعية وتقليص لركائز الثورات السياسية المحتملة .
ويختتم بحثه بعد ان يتحدث عن أزمة دولة الرفاهية ، ومبادىء العدالة الاجتماعية ،والمساواة المعقدة ،واللامساواة ، والمقدرة باعتبارها معيارا اجتماعيا، بالقول:وصول المجتمع الديمقراطي والتطور الاقتصادي للسوق في المرحلة المعاصرة ،أعطى مادة للتفكير حول العدالة الاجتماعية في مضمونها الحالي .



الكتاب : الديمقراطية والمساواة
المؤلف : ايريك كيسلاسي
ترجمة ك د. جهيدة لاوند
عدد الصفحات : 171
الطبععة الاولى 2006 بغداد –بيروت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة