الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هزمتك يا موت الفنون جميعها .. هزمتك يا موت الأغاني

عبد الكريم عليان
(Abdelkarim Elyan)

2008 / 3 / 30
الادب والفن


إذا كان شاعرنا الكبير محمود درويش قد تحدى الموت أن يهزم الفن ..؟! فهل يمكن لشعبنا أن يتحدى الموت بأن يصنع فنونا ، وتراثا لن يموت نودعه لأجيالنا اللاحقة جيلا وراء جيل ..؟ وهل يمكن للفن أن يعوضنا عن القليل من همومنا ومعاناتنا في غزة ..؟ نعم ! مثلما أبدع جدودنا وأهالينا في صناعة فنونهم وفولكلورنا الشعبي الذي ورثونا إياه .. نحفظه ونطوره ، نزيده ونغنيه بما يلائم مرحلتنا .. خذ مثالا : كيف حول جدودنا معاناتهم وعذاباتهم وقت الحصاد لأغانٍ وأهازيجٍ تبعث في النفس الفرح والسعادة لتنسيهم تعبهم وألمهم القاسيين ، وكذلك أنظر للبحارة كيف أغانيهم وأهازيجهم في البحر تستنفر قوتهم الكامنة ليجروا بها شباكهم الثقيلة التي يجرونها الآن بالونشات الميكانيكية .. أنظر لنساء وصبايا فلسطين الخالدات كيف صنعن من ملابسنا وفراشنا منمنمات ومطرزات مازالت بهية حتى يومنا هذا وزخرفتهن تخلب العقول .. وكيف صنعن من أبسط الأشياء في الطبيعة أدوات ساهمت في رقي الإنسان وتحضره ، أنظر إلى خالدات فلسطين كيف ابتدعن أغان لكل مناسبة سواء للفرح ، أو للحزن ! أغان للعرس بكل طقوسه .. للخطوبة وليلة الحناء وصباحية العروسين .. المهاهاة التي تتبعها الزغاريد ، أغان للنجاح وأغان للطهور وأغان للعودة من الحج وأغان للمولود الجديد وأغان للمناسبات الوطنية والموسمية .. حتى الموت كانت له أغان حزينة ذات شجن خاص ..
في الأسبوع الفارط كدت أموت قهرا وكبتا من زحمة الهموم وحالة اليأس والإحباط والاكتئاب التي يمر بها شعبنا الذي فقد كل تلك الفنون ولم يعد يذكر منها إللقليل .. في ليلة خطفني بعض الأصدقاء .. كانوا قد أعدوا لأمسية من الألحان والأغان ، كانوا يعانون مثلي .. فسرقوا من الوقت الكئيب ساعة للفرح ..! كانت كافية لعلاج الروح المكسورة .. في باحة صغيرة وسط أشجار البرتقال وعبق زهور الربيع تغمرنا جميعا .. الأستاذ عبد الله وصديقنا فاخر تبادلا العزف على العود .. الأستاذ عبد الله من مريدي الشيخ إمام عيسى ويحفظ أغانيه لحنا وعزفا عن ظهر قلب ، بالإضافة إلى أغان لفيروز ومارسيل خليفة ؛ أما الشاب فاخر فكانت تغمره الرومانسية إذ لم يفارق أغان عبد الحليم حافظ .. سعيدة تلك اللحظات التي قضيناها مع أغاني الشيخ إمام .. كنا نردد معا : شيد قصورك ع المزارع من كدنا وعمل إيدينا .. والخمارات جنب المصانع والسجن مطرح الجنينة ، وافلت كلابك في الشوارع ، واقفل زنازينك علينا ... وأغنية دلي الشكارة ، وأغنية عن موضوع الفول واللحمة صرح مصدر قال مسئول ، وأغنية أبجد هوز حطي كلمن .. افتح صفحة امسك قلم .. أكتب زي الناس ما بتنطق ... أما العازف الشاب فقد أطربنا بأغنية جانا الهوا ، وأغنية جبار ، وأغنية كامل الأوصاف ، وأغنية يا ولدي قد مات شهيدا ، وأغنية فاتت جنبنا ... مضى نصف الليل ونحن نردد الألحان الجميلة .. لم يكن معنا سوى نور القمر الذي كان يحرسنا في ليلة من ليال الربيع الرائعة ..
في أربعينات القرن الماضي حاصر الألمان مدينة ليننجراد الروسية أكثر من أربعمائة يوما ، كانت المدافع الألمانية تحف المدينة من كل صوب ، قتل من سكانها أكثر من سبعمائة ألف من البشر نتيجة الجوع والمرض .. مع ذلك كانت الأوبرا الروسية تصدح أقوى من مدافعهم .. مات هتلر وانهزمت ألمانيا ، لم يمت الفن الروسي ، ولم تمت ليننجراد ...إذا كنت تعيش في غزة فلن تسمع أغنية عاطفية مهما كانت .. أو حتى أغان الثورة القديمة لن تسمعها .. أغاني فرقة العاشقين سرقت ألحانها وزيفت بما يروق للمخبولين الذين يجهلون الفن وقيمته وأثره على النفس البشرية ، وكذلك قيمته في حفظ التراث الإنساني ... لا يريدون لنا الحياة ..! لوثوا كل شيء جميل وإنساني في حياتنا .. إذا كنا نقاتل ونقاوم من أجل الإنسان الذي نقمع حريته ونقتل إبداعاته .. صار القتال والموت هو الغاية ، لم يعد للفنانين والمثقفين أي جمهور .. أصبحوا يتغنون بأنفسهم ويكتبون لذاتهم .. عفوا يا سيدي يا " محمود درويش " في غزة هزم الفن وانتصر الموت ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل


.. كلمة أخيرة - شركة معروفة طلبت مني ماتجوزش.. ياسمين علي تكشف




.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب