الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النافذة

عبد الخالق الجوفي

2008 / 3 / 31
الادب والفن


كالعادة ... ما أن أصل المعهد حتى أتجه نحو النافذة المطلة على الشارع الرئيسي لأراقب السيارات والمارة , وذات يوم وبينما أنا على حالي ذاك ... لمحتها .... كانت حسنأً بكل مقاييس الحُسن وبكل ما تحملهُ الكلمةُ من معنى , لمحتني هي الأخرى ولم تكترث للأمر , إلا أن لنظرتها تلك وقع السهام .... وأصيب الفؤادُ بنظرةٍ طائشةٍ أوقعتهُ أسيرا ....... وأخذ الأمر منحاً آخر ... فلم يعد جلوسي أمام النافذة تضييعاً للوقت واستجلابا لوقت الانصراف وإنما لشوقٍ ما كان لي أن أكتمهُ أو أخفيه ..........


واستمر الحال لمدة ستة أشهر كل يومٍ فيها يطول عن الذي قبله حتى فاض بي الشوق وبلغ مبلغه وتلقيتُ إتصالاً بالصباح :-


- الووو


- نعم؟!


- صباحُ الخير .


- صباحُ الأنوار


- معهد الأقصى؟!.


- نعم معكم معهد الأقصى.


- ممكن أسأل؟!


- تفضلي.


- أرغبُ بالتسجيلِ لديكم.


- مرحباً بكِ.


- متى آتي؟!


- نحنُ متواجدون من التاسعة وحتى الواحدة ظهراً ومن الثالثة حتى التاسعة يومياً عدا الخميس والجمعة .


- إذاً سآتي في نفس الوقت الذي أمر بهِ.


- نعم؟!.


- لا شيء إلى اللقاء.


- مع السلامة!.


كان اتصالاً غريباً لكني لم اكترث به , وعدتُ إلى مكاني على النافذة مسرعاً تأخذني أجنحة الشوق واللهفة حتى لا تمر دون أن أراها , و ما هي إلا لحظاتٍ حتى مرتْ ... رمقتني بنظرةٍ حانية وابتسامةٍ هادئة وساحرة لم استطع تفسيرها .


تلك أول مرةٍ تبتسم لي بها على رغم طول الفترة وملاحظتها لي بكل يومٍ تمر به من أمامي ... أحسستُ بشوقٍ يعتصِرُني وإحساس أقرب ما يكونُ افتقاداً وأدركتُ أني واقعٌُ ببحرٍ لا أحسنُ العوم بهِ لذا قررتُ الانسحاب وترك مكاني شاغراً على تلك النافذة منذ تلك اللحظة .


مر أسبوعاً طويلاً ومُمِلاً وكئيباً وأنا أجافي تلك النافذة.


وبأحد الأيام وبينما أنا على مكتبي مُنهمكٌ بالكتابة ....


- صباح الخير


- صباحُ النور ( لم أرفع نظري إلى المتحدث)


- مشغول ؟!


رفعتُ نظري إليها وأجبتُ:


- لا تفضـــ .... – لم أستطع المتابعة فقد كانت المفاجأةُ فوق قدرتي على استيعابها بلحظتها ولم أتوقعها البتة..


ارتبكتُ وتلكأتُ وعصفت بي الدُنيا في لحظه ...


لاحظت ذلك فابتسمت ابتسامتها الساحرة .... حاولت استعادة اتزاني أمامها إلا أن المفاجأة أكبرُ من أن احتويها في لحظات .... وساد الصمت لُحيظاتٍ قطعتهُ بقولها:


- أنا التي اتصلتُ قبل أسبوع للتسجيل لديكم .


- أهلاً وسهلاً


- طبعاً أنا أمر من أمام المعهد يومياً وأرى اللوحة التي بجانب النافذة ( تبتسم) .


- تفضلي اجلسي.


- شكراً.


وساد الصمتُ لحظاتٍ قطعتهُ بقولها:-


- ألا تعتقد أننا التقينا من قبل؟!


- أظنُ ذلك!


- ألا تتذكر أين؟!


- على النافذة..( مبتسماً)


احمرَّ وجهُها واتسعت حدود ابتسامتها الممزوجة بالخجل .... حاولتْ إخفاء وجهها عني فبادرتها:


- اغفري جرأتي .


- بالعكس ... أفضل الصراحة , واسمح لي أن أكلمك بنفس الصراحة.


- تفضلي .


- لا بد أنطَ تذكرُ أول لقاء!!.


- بالتأكيد .


- كان ذلك منذ ستة أشهر , أليس كذلك ؟


- نعم .


- هل تسمح لي بسؤال؟


- تفضلي .


- بعد ذلك اللقاء تتالت اللقاءات .


- صحيح .


- هل كانت وليدةُ صدفة أم مقصودة؟!!


- ما هي؟


- بدأنا بالصراحة و ارجوا أن نكمل الحديث بنفس الصراحة .


- بمنتهى الصراحة ؟! , كانت مقصودة فعلاً .


- والسبب!!.


- هل كان ذلك يضايقكِ؟!


- لا بالعكس ... أقصدُ كان الأمر ُ عادي ..


- على كل حال السبب هو نفس السبب الذي جاء بكِ الآن .


- ماذا تقصد ؟!


- اتفقنا على الصراحة ... أليس كذلك ؟!


- نعم ... لكن الصراحة ليستْ إجاباتٍ عائمة .


- إجاباتي ليست عائمة ... وبصراحة أكبر كان ذلك بسبب شوقٍ لم استطع تفسيرهُ أو مقاومتهُ .. وبعد أن بداء سببهُ بالجلاء شعرتُ بالرهبة فتركتُ مكاني على النافذة .


- أنت باليمن مُنذُ متى ؟!


- منذُ ولدتُ .... لكن .. لما هذا السؤال ؟!!


- مستحيل !..


- ما هو المستحيل ؟!


- أسلوبكَ في التعامل يدلُ على أنك عشت في أمريكا أو أوربا طيلة حياتك !.


- لماذا ؟!


- صراحتك !.


- ما بها؟!


- بالعادة لا يتكلم الشباب مع الفتاة بهذه الصراحة .


- اتفقنا عليها من البداية .


- ليس لهذا الحد .


- لماذا ؟!


- عاداتنا ... تقاليدنا ..


- أنا لم أتجاوز أيِ منها .... كلما في الأمر أنَّك سألتـِني وأنا أجبتُ .


- ألم تلاحظ أنِّي لم أتشرف باسمكَ للآن !!.


- ربيع منصور .


- تشرفنا أستاذ ربيع .. أستأذنك الآن .


- لم أتشرف بالاسم !!


- شذى عبد السلام . والآن اسمح لي ....


- زدنا شرفاَ بحضوركِ آنسة شذى . و سأنتظر تكرار الزيارة .


- جئتُ أسلم عليك فقط وأشكركَ على انتظاري بالنافذة


- كأنهُ الوداع آنسه شذى ؟!.


- سأغادر صنعاء إلى عاصمة الضباب فجر الغد وقد لا أعود قبل العام أو العامين .....


- سأشتاقُ إليكِ شذى ... أقصد ستشتاقُ إليك النافذة !!.


- و أنا أيضاً ... أراك بخير أستاذ ربيع .


- أراكِ بخير آنسه شذى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي