الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبي أريد أن أرسمك... القصة المثيرة للجدل

أسماء الطناني

2008 / 3 / 31
الادب والفن


تعجبت لأمر هذه القصة .. فمنذ نشرتها في مارس 2007 في مجلة العربي ( الشهيرة) بالكويت وانهار عليها الجدل لدرجة لم أتوقعها لكل من قرأها أو استمع إليها في الندوات الأدبية التي ألقيها فيها .. لدرجة أن أحد الكتاب قد سرقها مني وكتبها باسمه وتعدي علي حقوق الملكية الفكرة وجاري محاكمته.. لا أدري ما سبب كل هذا الجدل لا أقول أنني نجيب محفوظ ولا أنني سأكون يوماً هو فأنا أقل بكثير من العمالقة .. لكن لا أدري كيف أحدثت هذه القصة هذا الجدل..
فقط ما أتمناه هو ان تحيي هذه القصة القصيرة في القاريء شيء ما،، لعل هذا الشيء هو ما جعلها مثيرة لهذا الجدل ...


أبي.. أريد أن أرســــــــــــمك
نظرت إليه، نظر إليها، ابتسمت له، ابتسم لها، كانت تملك شمساً وسماءاً وسط أكوان عينها، شمسٌ خضراء وسماءٌ بيضاء، جعلت شمس عينها تشرق علي وجهه، تدور بين أجوائه وأركانه المتعددة، بدأت رحلة شروقها من أعلي فهي شمس خاصة جداً لا تخضع لقوانين الشموس الكونية الأخرى، أشرقت علي الشجيرات المتدلية من زراعات شعره، مرت علي حدائق جبهته البيضاء ومنها إلي عينه اليمني، وهنا التقت بشمس صديقة ، خضراء اللون أيضاً، ألقت عليها السلام بلغة مشفرة لا تعرفها سوي الشموس، تفحصتها بدقة وكأنها تدرس أبعادها الشمالية والشرقية والجنوبية والغربية بل و اتجاهاتها الفرعية، قالت له: "أبي أريد أن أرسمك"، تعجب قاسم من هذا الطلب الغريب لكنه قال لها: "تفضلي يا صغيرتي"، ظن أنها سوف تذهب و تأتي بالفرشاة و الألوان لكنها لم تفعل و وقفت تتفحص باقي وجهه وهو لا يدري ماذا تفعل، نظرت إلي عينه اليسرى ، غربت شمسها حزناً عليها فلا شمس في عينه اليسرى ولا سماء بها، بها ليل فقط ، عليها آثار عملية جراحية أجرتها مجموعة من الملائكة بمباضع من نور.
وسط جبال الأحزان و تحت سحب المواساة و بين سرادقات الشهداء دلفت زهرة إلي حجرتها الصغيرة التي كانت تعتبرها حياة أخري ينبع منها الحب والحنان والإبداع، علي الأرض كانت هناك الفرشاة والألوان فدائما ما كنت تحب أن ترسم وهي جالسة أرضاً قرباً من أرض وطنها المسلوبة، كانت تشعر أنها بهذه الطريقة تحمي جزءاً من أرض وطنها ولو أمتاراً بسيطة.

جلبت ورقة رسمها البيضاء، كانت من عاداتها الدائمة أن تشاهد آخر ما رسمت قبل البداية في أي عمل جديدة فقد كان ذلك يقوي روح الحماس بداخلها ويقوي من شكيمتها وقدرتها علي التعبير عما يجول بخاطرها، و أخرجت ملاحمها الممتزجة بألوان الأنين ، الرسمة الأولي، طفل يبكي بجوار بيته المتهدم، ينعى رفاته وبقايا جدرانه، الرسمة الثانية، جندي من العدو يقذف وابلاً من طلقات غادرة علي أطفال يحاربون بالحجارة، الرسمة الثالثة، سيدة عجوز تقف بجوار بقايا عائلتها الشهيدة ترفع يديها إلي السماء تدعو رب الكون أن ينتقم لها من الأعداء.
اكتفت زهرة بهذا القدر، شعرت بشيء ما يقول لها ارسمي عبري عن غضبك، عن اعتراضك، كانت تشعر أن الرسم هو طريقها الأوحد للتعبير عن كل هذا، وبدأت في رسم والدها بأحاسيس الابنة الصامدة الغاضبة الثائرة ، انتهت من رسم وجهه لكن شيئاً ما بداخلها جعل يتصارع، شعرت أن الشكل غير متكامل من الناحية المعنوية فعينه اليسري سعيدة في اللوحة وهي في الحقيقة حزينة باكية، اشتد الصراع في داخلها هل تُبقي علي عينه اليسري بلا دموع أم بدموع؟ و بدأت يداها في العمل في اللوحة من جديد ثم سرعان ما سيطر عليها الصراع ثانية اشتد عليها لدرجة لا تحتمل، استسلمت زهرة للنوم هرباً من ذلك الصراع الخفي الذي سيطر علي جل تفكيرها.
مر الليل، أوله، منتصفه، و آخره، أتي الصباح بدون زقزقة عصافير فقد هربت بعيداً عن النيران والقنابل، لا شمس مشرقة في السماء فسحب الطغيان قد غطت علي نورها وحجبته، استيقظت زهرة، كانت اللوحة في يدها، خرجت لتريها لأبيها، وجدته نائماً علي الأريكة في الشرفة، اقتربت منه، بدأت تقارن ملامح وجهه بلوحتها، تحسست وجهه وعينيه، قالت له: "انظر يا أبي لقد رسمتك، هلا أعطيت لي رأيك؟ ، لا تحزن مني أرجوك إذا وجدت عينك اليسري تبكي، أنا أعتقد أنها حزينة، أليس كذلك؟، لماذا لا ترد؟، هل أنت نائم ؟"، تحسست وجهه ثانية، إنه بارد للغاية علي غير العادة، قالت له:" هل أنت مريض؟" ولا توجد إجابة لما يجول علي أطراف لسانها، بحثت عن أحد بالبيت، ولكن لا أحد، أين ذهب الجميع؟، جلست بجواره، نظرت إليه و إلي اللوحة، بعد دقائق أتي الجميع، دموع فرحة في عين أمها، حزن علي وجه أخيها، ألم علي وجه أختها، اتجهوا ناحيته، انزوت زهرة جانباً وفي يدها اللوحة تنظر لما يحدث، غطاه أخوها بعلم بلادها، حمله مع أصدقائه، انطلقت زغرودة من أمها وسط صديقاتها وهن يربتن علي كتفها، تجمع الجميع خلف الباب ومنهم من نظر من النافذة للمشهد، والدها يبتعد، يبتعد، يبتعد، أدركت أنه لن يعود، لن تراه ثانية، سمعت بقايا كلمات تقول: " لا تحزني انه شهيد"، " لقد خرج في الصباح وعاد بالمجد والشرف والشهادة"
لم يتبق لها سوي لوحتها التي تحمل ملامح وجه أبيها، نظرت إليها، قالت وهي تعلم أن لا إجابة، أن الإجابة سيصمت الصمت أمامها: "هل سأراك ثانية؟، هل سأرسمك ثانية؟، هل ستقبلني ثانية وتحتضنني في الليالي العصيبة وتقول لي لا تخافي؟، ألن تسهر معي علي ضوء شمعة منزلنا الوحيدة وتحكي لي قصص كفاح الشهداء، أين أنت؟، هل يمكنك أن تأخذني معك؟".
صمت الصمت وسكتت الإجابات الغير موجودة وانضم الليل مع النهار في لوحتها، اجتمعت الدموع مع الابتسام، رسمته ثانية، وسط الحدائق، بين الأنهار، وهذه المرة كانت عينه اليسري بلا دموع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي