الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة التي تمتلكها بعض الصحافة المستقلة في المغرب

أحمد الخمسي

2008 / 4 / 8
الصحافة والاعلام


في أسبوع واحد، جلبت الجمعيات الفاعلة بمدينة المضيق شمال المغرب على مشارف بلاد الأندلس، نقاشا حول السحافة في المغرب (15 و22 مارس2008)
في الجلسة الأولى ألقى الأستاذ محمد عبد الوهاب العلالي عرضا أكاديميا حيث البناء المنسجم للتحليل والإحالة على الجداول والوثائق. وفي الأسبوع الموالي حضر محمد حفيظ مدير جريدة الحياة الجديدة الأسبوعية وعبد الرحيم اريري مدير أسبوعية الوطن الآن.

المقالة التالية استمرار للعرض والنقاش الذي انطلق داخل القاعة:


"على سبيل المثال وليس الحصر" كما يعبر القانونيون، الأصدقاء حياة الزراري وأحمد محفوظ وعبد الرحيم تفنوت، عبر الهاتف في الأيام الأخيرة، كل واحد منهم عبر عن صلة المودة بيننا عن طريق العمود الأسبوعي في "الأيام".

فهل العمود ضرورة لملء الفراغات؟ والإنشاء؟ أم العمود جزء من التهوية عبر شرايين موسعة تمتد عبرها الجريدة. فكأنها فاكهة محمولة أو شراب معتق مهدى من ضيف حميم لأهل الدار لتكتمل عناصر الطبق الشهي الذي واعدت هيئة التحرير القارئ على أن توفر له شروط تجديد الشهية في الموعد؟

أم العمود ذبابة تطن في أذن هيئة التحرير والقارئ معا؟ تكدر عليهم جميعا لذة اقتسام الطبق الصحفي الشهي؟

والحال أن التعود على القراءة الصحفية مسألة فردية لكنها تصبح "عادة دورية" تدخل ضمن المشتهى المستهلك المفيد. وبسبب التمكن الذي تحققه القراءة الصحفية من نفسية القارئ، فالعلاقة الناعمة التي تنسج بين الكاتب والقارئ، تصبح أغنى من كون الكاتب يكتب والقارئ يقرأ، مثلما علق ذات يوم لينين على الصحافة الليبرالية غير الملتزمة بخط تحريري ما.......

وبسبب الصبغة الحداثية للظاهرة الصحفية، وبسبب الفوائد المعلوماتية الحيوية للفرد في قدرة القراءة الصحفية على إخراج الفرد من الرتابة اليومية المميتة ومن الملل المسمم لحيوية الحياة نفسها، فقد اتجه ميكروب الصحافة نحو الجسد المجتمعي برمته ليرتبط بمستقبل حضارته الحديثة ارتباطا مصيريا. ليصبح بمثابة اللقاح الحيوي لحفظ الفرد من السقوط في الدائرة المغلقة لليأس إذا ما اقتصر على المحيط المباشر، الذي قد يلف الفرد بتموجات من المعاملة المباشرة بصيغ مادية عنيفة. مما يضطر الفرد إلى التحول إلى فرد قارئ منفرد متجاور مع مجتمع لا مادي افتراضي عبر شخوص متحركة عبر الكتابة الصحفية في مختلف المقالات. بدل البقاء في سجن المجتمع المادي الحقيقي العنيف، لغة واحتكاكا. بالصوت والصورة والحركة.

ولأن البحث العلمي يحتاج للمعلومة أكثر من غيره من أنواع الكتابة، محفوظة من أي نوع من أنواع "المزايدة"، فقد احتاج البحث العلمي لنوع خاص من البشر له من القدرة على التركيز والصبر في جو مغلق مدة طويلة وجها لوجه مع المعلومة، ليحولها إلى نواة صلبة لترابط متسلسل تتجلى في شكل حقيقة علمية منطقية مقنعة ومطابقة لبنيان في الطبيعة أو في المجتمع أو في التاريخ.....فكان البحث العلمي مجالا خاصا لنخبة خاصة قليلة العدد رفيعة الذوق، في العيش والكتابة والقراءة، في اتجاه عمودي وجها لوجه مع المعلومة. لذلك كان البحث العلمي مرتبطا بالمعلومة من زاوية التعميق. ولذلك كان البحث العلمي أكثر ارتباطا بالمعلومة من الصحافة. ولأمر ما انتشرت صورة متميزة في الصحافة مقارنة مع البحث العلمي الأكاديمي، فاعتبرت الكتابة الصحفية كتابة التبسيط والتسطيح. حتى لو اقتصرت على المعلومة دون مزايدة بالرأي. علما أن الرأي آراء. ومن أغرب أنواع الرأي أن يعتبر الصحفي الصحافة حرفة المعلومة مسلوخة من جلد الرأي بل أكثر قساوة بحيث يجب أن تكون عظما بلا لحم التعليق.

ورغم التصويب الأبجدي الجيد الذي أفاد به الصديق محمد البالي كون الصحافة "معمولة" ضمن مثلث الإخبار والتثقيف والترفيه، بقي العزيز محمد حفيظ مصرا على الربط بين "المعلومة" و"الحرفة" الصحفية حد الحب القاسي بينه وبين المعلومة. رغم أن "الحياة الجديدة" مثل شقيقاتها من حيث الربط بين عظم المعلومة ولحم التعليق وشحم الموقف.

لم يكن لدينا من الصلابة الكافية كي نؤلم العزيز محمد حفيظ بالتوضيح الأبجدي للواضح داخل مهن الصحافة والذي يميز بين النسبة العالية للمعلومة ضمن الكتابة الصحفية الخاصة بوكالات الأخبار. التي تتخصص في توفير الكتابة الصحفية الجاهزة للقراءة بل توفر فقط المادة "المعلومية"الخام التي تحتاج إعادة المعالجة من طرف المحرر الصحفي كي تصبح سهلة الهضم. فالمعلومة مادة صحفية أولية مركزة، تحتاج إلى الخلط مع مرطبات ومكيفات و"زوائد" أخرى كي يسهل هضمها عبر القراءة من طرف زبناء الصحافة. فالتجاسر على محمد حفيظ بهذا التوضيح البديهي يصبح بالضرورة مفضحا، مادام توضيح الواضحات من المفضحات.

أما أن تصبح أعمدة الرأي مجرد ملء فراغات!!!! فالأمر يدعو إلى التساؤل التالي: أليست الافتتاحية العتبة التي دونها نكون أمام فضاء بلا بواب؟ مفتوح بكيفية بدوية!؟ وإذا اتفقنا أن الافتتاحية ملح الطبق الصحفي، نتساءل عما قد تكون عليه طبيعة الافتتاحية مخلوقا آخر غير رأي في قضية يعمل المسؤول عن الافتتاحية في الجريدة، على فك معادل العلاقة بين الجريدة والواقع المحيط الذي تستمد منه شرعية وجودها.

ومثلما لا يمكن تصور صحافة محترفة دون وجود وكالة أنباء توفر الاحتياطي من المعلومات الخام عما يجري في نهر الوقائع والأحداث، فلا يمكن تصور الصحافة عبارة عن معلومات "حافية" صعبة الهضم.

لكن الزميل محمد حفيظ، مدير الحياة الجديدة، أصر أن يجعل من الصحافة مفهوما مطابقا للمعلومة مع رفض المزايدة على المعلومة بالرأي. مادام الرأي عبر الأعمدة مجرد "ملء فراغات".....؟ مع العلم أن القراء يجددون علمهم كونه مازال "على قيد الحياة" بدءا من رأيه الافتتاحية.

أما التأكيد على كون الصحفي ليس فيلسوفا ولا مفكرا ولا أديبا...فقد جرى التذكير بمقال دافيد هيوم "مقال حول حرية الصحافة" (1752) وكيف حلل هذا المفكر الانجليزي الكبير خلال القرن 18، فائدة المجتمع الانجليزي من حيوية حرية الصحافة، مقارنة انجلترا بين هولندا التي كانت ساعتها جمهورية ديمقراطية متفتحة وفرنسا التي كانت ساعتها ملكية مطلقة متصلبة. فاعتبر فائدة النظام السياسي من حرية الصحافة كون هذه "الحرفة" تفيد التوافق الحاصل في انجلترا بين السقف الملكي والأرضية الجمهورية. لأن الكتابة الصحفية تجعل التعصب من أية جهة كان يتحول إلى منطق مقبول محترم مقنع، إذ يتبخر عنف الموقف عبر الكتابة في الورق. ويحافظ كل طرف في أنجلترا على مكتسباته في المعادلة العامة، عبر تداخل لبق بين سيادة الشعب من تحت وسيادة الأمة من فوق.

أما التذكير بمزاولة المهام الصحفية من طرف الأسماء الكبيرة المعروفة في الفكر والفلسفة والأدب وغيرها بعد ذلك، فيكفي أن نتساءل عن فوكو وسارتر وأنجلز وماركس كمثالين من بلدين عريقين في الفلسفة والفكر، ارتأى كل واحد منهم فائدة أداء مهمة صحفية تصل درجة المتابعة الميدانية مع إرسال تقارير صحفية عن المعارك العسكرية، مثلما فعل انجلز في حرب تطوان في سنة 1860، عندما كان الجيش الاسباني يتقدم بحرا وبرا من سبتة المحتلة لاحتلال تطوان ردا على مقاومة قبيلة انجرة ضد المستعمرين في الفنيدق، أي قرب المكان الذي كان يحتضن العزيز محمد حفيظ لإلقاء رأيه حول الصحافة في ضيافة "جمعية فضاء المضيق للثقافة والتنمية".

كل ما قيل، يكفي لنكتفي بتوجيه دعوة للعزيز محمد حفيظ حول رأيه الرافض لمبدأ الخط التحريري.

وبالمناسبة لقد استفدت كثيرا من آراء الزميلين محمد حفيظ وعبد الرحيم أريري، وذلك راجع لخصوبة نفسيتهم السلسة المرحة التي تمتاز بها المواطنة في المدينة العملاقة المغربية الجامعة المانعة البيضاء الواعدة بتحديد مستقبل كريم للمغرب الجريح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة