الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد أن وضعت صولة الخرفان أوزارها

سهر العامري

2008 / 4 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


على ما يظهر أن صولة الخرفان قد وضعت أوزارها الآن بعد أيام من المعارك التي سقط فيها المئات من فقراء العراق وفي أحياء من مدن خيم عليها الفقر والحرمان لسنوات طويلة حتى صارت حالة الفقر التي عليها سكان تلك الأحياء سواء أكانت في بغداد العاصمة أو في البصرة ، سبة عليهم .
هكذا نظر الى الفقراء من البشر دائما ، فحين هب المحرومون في الصحراء العربية هبتهم المعروفة ضد تجار مكة وأغنيائها وجدنا أن التاريخ العربي الذي خط زمن الدولة العربية الاستقراطية راح يمنح لفظ الصعلكة معنى هو ليس المعنى الذي عرفته الصحراء العربية لتلك اللفظة ، والذي كان يعني الفقر لا غير ، بينما رأينا أن المعنى صار عند أصحاب القصور في الدولة العباسية لا يبعد عن معنى اللصوصية والنبذ .
لقد أطلق قائد صولة الفرسان ما فيه الكفاية من ألفاظ بذيئة يعف عنها لسان الإنسان السوي الذي يحترم أبناء شعبه حتى لو كانوا خصوما له ، ولكن الورطة التي ورطته بها أمريكا والتي لم يخرج منها إلا بحفظ ماء الوجه أفقدته توازنه فظهر للناس على أنه ليس أهلا لحكم العراق ، هذا إن كان له حكم فيه ، فالعراق ظل بلدا غير مستقر لسوء حكامه ، وليس لسوء أهله خاصة الفقراء منهم ، وهذه المعادلة المعكوسة قد غابت عن أذهان الكثيرين من الناس .
والملفت للنظر أن صولة الخرفان تلك انتهت بقرار من خصوم قائدها المزعومين وليس بقرار منه ، ووفقا لشروط كانت قد قدمت إليه قبل المواجهات التي سالت فيها دماء حارة كثيرة ، ولكنه رفضها لأنه هو ووزير دفاعه وداخليته لم يدركوا القوة التي عليها الإخوة الأعداء ، مثلما نطق بذلك وزير دفاعه بعد أن ورطوا ورطتهم في البصرة .
وكان من أقسى الشروط تلك هو وجوب عودة قائد الفرسان الى بغداد في غضون ثلاثة أيام ، وعدم ملاحقة الخارجين على القانون مثلما أصدر هو قرار بذلك . فأين أصبحت دماء العراقيين التي أهرقت من الجانبين ؟ وبأية رقبة من الطرفين تعلقت ؟ هذه أسئلة ستثيرها الناس في العراق إن لم يكن اليوم فغدا .
لقد فجعت أسر عراقية كثيرة بموت فلذات أكبادها في صولة غبية لم يجن ِ منها كلا الطرفين شيئا يذكر ، ولكنها أدت الى دفن أسر عراقية بجميع أفرادها ، وهم على قيد الحياة ، وتحت ركام بيوتها بعد أن تعرضت الى قصف مساند من قبل القتلة الأمريكان للصائلين من الخرفان . فعلام ولماذا تموت هذه الأسرة المعدمة التي لم تذق طعم الأمان على مدى سنوات طويلة خلت ؟
سيعود قائد الفرسان من البصرة الى بغداد بخفي حنين بعد أن يترك وراءه الخارجين على القانون طلقاء بعفو منه مثلما ذكرت ذلك قبل قليل ، كما أن أصحاب الشروط لن يحصلوا من تلك الشروط على شيء يذكر أبدا ، وذلك لأن قائد الصولة لم يملك شيئا ليعطيه إليهم ، فهو لا يملك من الأمر شيئا ، فالأمر هذا يملكه كله الأمريكان وحدهم ، وهم أصحاب الحل والعقد في مسألة كهذه المسألة .
فمثلا منع الأمريكان أحمد الجلبي من الدخول الى مدينة الصدر أثناء احتدام المعارك رغم أنه يعتبر من جباة بلدية بغداد ! في آخر وظيفة يشغلها بعد أن حرر هو العراق مثلما يدعي ، كما أنهم أي الأمريكان ، منعوا رئيس البرلمان ! محمود (شماعية) المشهداني من تشكيل لجنة مساعي حميدة لفض النزاع القائم بين المتخاصمين ، ونصحوه بالابتعاد عن مسألة مثل هذه المسألة التي هم الطرف الأساسي فيها ، وليس قائدها الذي سأله بوش في لقاء لهما : هل أنت قادر على سحق المليشيات الشيعية والسنية؟ مثلما صرح بهذا بوش نفسه . فأجاب القائد : بنعم كبيرة .وعلى هذه الرواية يكون قائد الصولة أداة تنفيذ لا أكثر ولا أقل .
ويبدو أن الأمريكان لم يجدوا أفضل من قائد شيعي يسحق لهم حركة شيعية تظهر العداء لهم ، ويكتفون هم بالدعم والإسناد الجوي ، مجنبين جنودهم الموت الزؤام الذي ينتظرهم في أزقة مدينة الثورة أو الصدر لاحقا من بغداد أو أزقة المعدان كما يحلو للبعض أن يسميهم في أزقة الحيانية أو التميمية من البصرة وكذلك أزقة الصالحية في مدينة الناصرية .
والحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن بال أحد هو أن ما قيل عن أن صولة الخرفان كان يراد منها هو حرمان التيار الصدري من المشاركة في الانتخابات القادمة المزمع أجراؤها في الأول من شهر تشرين الأول / اكتوبر هو قيل صحيح لا يجافي حقيقة التطورات السياسية في العراق التي تشهد على فشل ذريع في عملية سياسية يموت كل يوم طرف من أطراف جسدها المريض الممدد في شوارع العراق .
وإن ما قيل من أن الصولة تلك كانت تهدف الى محاربة المجرمين من مهربي نفط البصرة أو من الخارجين على القانون هو قيل غير صحيح ، وإنما كان هذا القيل عبارة عن غطاء سياسي في بداية الأمر كي يتم تحته تنفيذ تلك الصولة التي أزهقت أرواح النساء والأطفال من العراقيين ، كما أنه كان في الوقت نفسه هروبا نحو الأمام في نهاية ذلك الأمر وحين لاحت علامات فشل تلك الصولة في سماء البصرة البهية .
فكل العراقيين ، وأنا منهم ، يرحبون بالقضاء المتمدن على الخارجين على القانون ، مثلما يرحبون ،وأنا منهم كذلك، على المحاربة المتمدنة لمهربي النفط ، لكن قائد صولة الفرسان يعلم علما أكيدا من أن الخارجين على القانون يحيطون به في وزارته وفي مكتبه . فهناك من خرج على القانون ، وصدرت مذكرات باعتقاله ، ولكن قائد الصولة داس على القانون ، ومنع تنفيذ تلك المذكرات ، كما أن تهريب النفط ليس من اختصاص فرد بعينه ، إنما ، ووفقا لتقارير هيئة النزاهة العراقية التي طرد رئيسها شر طردة من العراق بأمر من حكومة قائد الصولة ، كان من اختصاص أحزاب : الدعوة ، والمجلس ، والفضيلة ، وقد قدرت الثروة التي تصب في خزائن هذه الأحزاب بسبعة مليارات دولار سنويا ، وهذا المبلغ المنهوب من فقراء العراق ، والذي كان سببا من أسباب هبة فقراء العراق الأخيرة يعادل موازنة سنوية لدولة من دول العالم الثالث التي تفضل عليها الله بعدم ظهور نقمة النفط على أرضها . ثم أن القضاء على عصابة من مثل هؤلاء الخارجين على القانون والمهربين لا يتطلب هذه الجيوش الجرارة التي أحاطت بالأحياء السكنية للناس في مدن كثيرة من العراق وحولتهم الى سجناء في بيوتهم ، ومن دون دواء أو طعام وعلى مدى أيام عدة ، فقد روى لي رجل من أهل البصرة قائلا : الحمد لله من أنني أملك كيسا من الرز في داري ، فنحن على مدى هذه الأيام نطبخ رزا ونأكل .
يقول على الدباغ ، حرامي دبي : إننا ، أي حكومته ، نملك قوائم بأسماء هؤلاء المجرمين ، الخارجين على القانون ونريد أن نلقي القبض عليهم . حسنا . أما كان الأجدى لحكومة الدباغ القيام بإلقاء القبض على هؤلاء من خلال جهد استخباري مصحوبا بغارات مفاجئة لشرطة البولاني ؟ فأهل البصرة يقولون : إن المشكلة ليست في إلقاء القبض على هؤلاء ، وإنما المشكلة في أن هؤلاء الخارجين على القانون ينتمون الى أحزاب في السلطة تمنع الشرطة من الوصول لهم واعتقالهم .
وخلاصة القول إن العوامل التي أدت الى هبة فقراء العراق في جنوبه لازالت قائمة ، ولن يغير منها بيان يصدره هذا أو ذاك من المتصدين للوضع المنهار في العراق ، وإذا ما خبت نيرانها اليوم فإن تلك النيران ستشتعل غدا ، وهذا ديدن ظل عليه فقراء الجنوب في هباتهم على مدى المئات من السنين ، تلك الهبات التي كانت تنتهي دوما عند منتصف الطريق منذ أن هبوا مع إبراهيم العلوي زمن الخليفة ابو جعفر المنصور مرورا بثورة العشرين ، فانتفاضة آذار سنة 1991م.
ويبدو أن السبب في ذلك هو ترسخ الطبع القبلي فيهم الذي لا يطمح لامتلاك الصحراء ، ولا يقبل أن يُسد عليه أفقها الفسيح ، ولهذا تجد أن أصحاب هذا الطبع حين يأخذون بثأرهم من قاتليهم يعتبرون ذلك انتصارا فيثوبون الى السكون انتظارا لهبة قادمة ، فالظلم والحرمان ظلا ملازمين لهم على امتداد تواجدهم في الجنوب ذاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة