الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة مناهضة العولمة الرأسمالية وسيرورة عالم آخر

غياث نعيسة

2003 / 12 / 27
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الملتقى الاجتماعي الأوروبي الثاني
-1-
شهدت باريس في فترة 12 – 15  تشرين الثاني 2003 انعقاد الملتقى الاجتماعي الأوروبي الثاني . الذي يقدر عدد المشاركين المسجلين فيه بأكثر من 51 ألف مشارك . واختتم الملتقى أعماله بمظاهرة ضخمة جابت شوارع العاصمة الفرنسية ضمت حوالي 100 ألف متظاهر. بعد الملتقى الأول في فلورنسا ، أكد انعقاد الملتقى الاجتماعي الأوروبي الثاني انغراس هذه الحركة الاجتماعية العالمية لمناهضة العولمة الليبرالية الجديدة في الواقع الأوروبي وتنامي نفوذها.                                                  
وقد لفت الانتباه الزيادة الملحوظة في مشاركة مندوبين عن دول أوروبا الشرقية مقارنة بمشاركتهم الضعيفة في ملتقى فلورنسا. إذ حضر وفد يضم مائتي مندوب عن العاطلين عن العمل البولونيين، كما حضر نحو ألف ناشط من مناهضي العولمة الرأسمالية من هنغاريا ، إضافة إلى بضع عشرات من التشيك.                       
توزعت أعمال الملتقى الاجتماعي الأوروبي الثاني على 51 جلسة عامة و250 ورشة عمل ، علاوة عن عدد ضخم من المعارض و اللقاءات والنشاطات الموازية. ودارت نقاشات وحوارات عميقة على مدار الأيام الثلاثة سمحت بتعزيز وتطوير الشبكات الأوروبية لمناهضة العولمة ، والارتقاء بقدراتها على طرح مبادرات والقيام بحملات طويلة الأمد على صعيد القارة الأوروبية.       
وفي اليوم التالي لانتهاء أعمال الملتقى الاجتماعي الأوروبي ، عقدت الجمعية العمومية للحركات الاجتماعية في 16 ت2 . وقد أصدرت هذه الحركات نداء في اختتام أعمال جمعيتها العمومية يدعو للحشد والتعبئة حول قضيتين أساسيتين:                           
- القضية الأولى:  رفض الحرب الدائمة التي تشكل جزءاَ لا يتجزأ من العولمة الرأسمالية. والمطالبة بانسحاب قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائها من العراق. كما طالب النداء بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة ، وانسحاب القوات الروسية من الشيشان. ودعت الحركات الاجتماعية في ندائها إلى يوم نشاط عالمي ضد الحرب في 20 آذار 2004 ، ومن المعروف أن اكثر من 200 منظمة أمريكية مناهضة للحرب كانت المبادرة في طرحه.
- القضية الثانية: الالتزام بالدفاع عن الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والايكولوجية. وطرح النداء مبادرة لتعبئة وحشد الحركات الاجتماعية ولا سيما الحركة النقابية الأوروبية ، تتوج في يوم نشاط على صعيد القارة الأوربية في 9 أيار 2004 . ولم يتم اختيار هذا التاريخ اعتباطاَ بل لأنه اليوم الذي سيتم فيه طرح الدستور الأوروبي للمصادقة عليه. وترى الحركات الاجتماعية في ندائها أن هذا الدستور مرفوض لأنه يجعل من الليبرالية والسوق والمنافسة والعسكرة الأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.
خطا الملتقى الاجتماعي الأوروبي الثاني خطوة جديدة في ترسيخ المكانة المهمة التي تحتلها حركة مناهضة العولمة الرأسمالية في أوروبا. لتصبح مكوناَ أساسيا في الواقع الاجتماعي والسياسي الأووربي. وفي تفسيره لدينامية حركة مناهضة العولمة الليبرالية بالرغم من تنوع وتعدد مكوناتها يقول رئيس اتاك احد ابرز الحركات الاجتماعية " لقد وفرت الحركة للمواطنين مفاتيح أساسية تسمح لهم من جهة بفهم العولمة الجارية ، ومن جهة ثانية ، تساعدهم في نضالاتهم من اجل إقامة بدائل لها ، ومن جهة ثالثة ، تساهم في سيرورة استعادة الديمقراطية والمواطنية والأمل بعالم آخر".               
-2-
نمو حركة مناهضة العولمة الرأسمالية
عندما ساد العالم، في الفترة بين منتصف الثمانينيات والتسعينيات، تردى الوعي إلى حالة من العطالة والتقاعد ألغت أية إمكانية للاحتجاج أو مناهضة الرأسمالية الظافرة.  وانزاحت النقاشات الأساسية الخاصة بالمجتمع ومستقبله من الساحة العامة إلى الغرف المغلقة لخبراء الوزارات الاقتصاديين الليبراليين الجدد والشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية. وطحنت وسائل الإعلام الكبيرة عقولنا بأكاذيب وخرافات تقول بان العصر الذي نعيشه هو عصر انفتاح الحدود على المنافسة بلا ضوابط أو عوائق لها ، وبان السوق وحريته المطلقة إنما تعمل لمصلحة الإنسانية وخيرها، وانه لم يعد هناك مكان لطرح سياسة اقتصادية بديلة. هذه الأكاذيب لا تزال تفعل فعلها ولم تتوقف بعد.              
لكن ، ربما تكمن هنا الفضيلة الأولى لحركة مناهضة العولمة الرأسمالية . حيث أنها هي التي بادرت منذ منتصف التسعينيات بفضح هذه الأكاذيب وتحطيم ا لطوطم المقدس للخطاب الليبرالي الجديد المنتشي بانتصاره وسياساته. هذا الرد السياسي والفكري الذي بادرت به حركة مناهضة العولمة الليبرالية لعب ولا يزال دوراَ أساسيا في استعادة النقاشات الخاصة بمستقبل المجتمع الى الساحة العامة، وفي رد الاعتبار للفكر والنشاط المناهض للرأسمالية الذين تخلت عنهما الأحزاب "اليسارية" التقليدية ، هذا التخلي الذي جعل من التمايز بين اليسار واليمين التقليديين باهتاَ بل شبه غائب وملتبس. ويمكن تلمس مدى الضرر الذي سببه التباس كهذا على الصعيد العالمي في إدارة حكومات الأحزاب الاشتراكية الأوروبية لسياسات ليبرالية ، دفعت ثمنها انتخابياَ في اغلب الحالات. وفي تبني العديد من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية التقليدية ا ليوم لخطاب ليبرالي ملتبس. هذا في الوقت الذي وقفت فيه حركة مناهضة العولمة الليبرالية ومنذ البداية ضد " دكتاتورية الأسواق المالية" ، وبدأت بفضل نشاطها الفكري والعملي تتبخر خرافة "لا بديل آخر ممكن"، وطرحت الحركة وبوضوح الرهانات والاستحقاقات الحقيقية لعصرنا. وكما قالت الباحثة الاقتصادية انييس برتراند انه بفضل حركة مناهضة العولمة الرأسمالية " سقطت الأقنعة أمام عيون عدد كبير من السكان ، حتى الذين منهم لا يعرفون الكثير من التفاصيل بدؤوا في وعي أن الليبرالية إنما تعمل لمصلحة مجموعة ضيقة ، وأنها تسبب في كل مكان الدمار الايكولوجي والبطالة وتقليص الخدمات العامة ....الخ" . وبانتقال حركة مناهضة العولمة الرأسمالية من مرحلة الاحتجاج إلى مرحلة الاقتراح وطرح البدائل، فأنها بذلك تتجاوز الحقل الاقتصادي الصرف الذي أراد البعض حصرها داخله. حيث أنها انتقلت إلى طرح ضرورة إخضاع حق التجارة بالحقوق الأساسية(أي سمو الأخيرة على الأولى) ، وتطوير الاقتصاد الاجتماعي التضامني دون هدف ربحي، وتوسيع مشاريع التجارة العادلة، وطرح العملات الجديدة ، وإشاعة الميزانية التشاركية .. وغيرها من الاقتراحات والبدائل.                                                          
ويبدوان التحدي الهام الذي يواجه حركة مناهضة العولمة الليبرالية  أو "العولمة البديلة" وفق الاستخدام المخفف للطابع النضالي لها، هو كيف بإمكانها أن تتجنب المآل الذي انتهت إليه الحركة العمالية في القرنين الماضيين ، وتمزقها وتفتتها إلى أقسام متنافرة ومتناحرة؟ . ولعل مقاربة أولى لهذا التحدي  ما يقوله الفيلسوف الفرنسي باتريك فيفيريت " انه بقدر ما يتبدى صحة النقد الاقتصادي الذي تطرحه الحركة ، بقدر ما ترتفع مسؤولياتها التاريخية مضفية عليها بعداَ سياسياَ وثقافياَ اكثر أهمية بكثير . وهي تحمل في طياتها بدايات حركة تعددية قادرة على ربط المصالح العامة للإنسانية بقضيتي الحقوق والديمقراطية على الصعيد العالمي". المستوى الآخر لهذه المقاربة يكمن في ضرورة إعادة تحديد علاقة مختلفة مع السلطة. لأن حتى سيناريو التخلص من الرأسمالية لا يعني بالضرورة زوال منطق السيطرة. وهنا يتميز نشاط مناهضة العولمة الرأسمالية عن نشاط الحركة العمالية السابق بان الأول يعبر عن نسق جديد لا تسعى من خلاله حركة مناهضة العولمة الرأسمالية الظفر بالسلطة بل تعمل – باعتبارها حركة اجتماعية – إلى التحول إلى سلطة – مضادة. وهذا ما قد يجنبها علاقة السيطرة التي عانت منها الحركة العمالية وكانت من أسباب تمزقها. وقد فهم منذ البداية أهمية هذا التحدي قسم من اليسار الاشتراكي المناهض للرأسمالية والإمبريالية الذي انخرط نشطاؤه في العمل داخل الحركة مع احترام استقلاليتها واليات عملها وأشكالها التنظيمية الخاصة بها. بينما يطل منذ فترة قريبة شبح اهتمام بعض الأحزاب الاشتراكية التقليدية بالحركة لأسباب نفعية وانتخابية واضحة لم تفت على أحد.

البديل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال