الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياة شكسبير

رحيم العراقي

2008 / 4 / 3
الادب والفن


بيتر اكرويد روائي وكاتب سير إنجليزي سبق له وكتب سيرة حياة العديد من كبار الكتاب مثل شارل ديكنز ووليام بلاك وتوماس مور. وله كتاب شهير يحمل عنوان: «لندن.. سيرة حياة مدينة». وقد حاز على الجائزة الملكية البريطانية لكتابة السيرة. له العديد من الروايات، ويعيش في مدينة لندن.
لقد قيل الكثير عن سيرة حياة وليام شكسبير وقيل أشياء متناقضة وصل الأمر بالبعض إلى أن نفى وجود شخصية حقيقية للكاتب البريطاني، وربما العالمي، الأكثر شهرة في التاريخ. وقال آخرون ان شكسبير لم يكن سوى اسم مستعار لبعض الكتّاب المشاهير الذين عاشوا في فترة نشر «أعمال شكسبير» من أمثال فرنسيس بيكون أو كريستوفر مارلو أو دوق اوكسفورد. لكن اكتفى بعض المراقبين والنقّاد الأدبيين بالإعلان عن استغرابهم،
هذا إذا لم تكن «خيبة أملهم» حيال البون الشاسع بين شخصية شكسبير «العادية» أو ربما «الأقل من العادية» وبين عمله الأدبي الذي يشكّل قمة في الإبداع. وفي هذا السياق يأتي «بيتر اكرويد» كي يضيف لبنة إضافية في البناء الكبير عن سيرة حياة شكسبير، لكنه يصرّ على أن يسمي كتابه عن شكسبير ب«السيرة» مع ال«التعريف».
يصف مؤلف هذا الكتاب نفسه بأنه «هاو متحمس» وليس «اختصاصيا» بحياة شكسبير. وهذه «الهواية» تجعل ما نقرؤه عن شكسبير، المؤلف المسرحي، بل رجل المسرح عامة من خلال إدراكه ل«الرهانات المسرحية» كما يصفه اكرويد، بأنه مثير للمتعة الحقيقية دون البحث طويلا عمّا إذا كان ما يقوله هو الحقيقة الكاملة عن «بطله».
ويحاول مؤلف هذا الكتاب أيضا من خلال 91 فصل يحتويها العمل موزعة بين تسعة أقسام رئيسية أن يفك الكثير من «الألغاز» حول حياة هذا الكاتب الكبير الذي استطاعت أعماله أن «تخترق القرون» منذ نهايات القرن السادس عشر حتى اليوم والذي لا تزال مسرحياته مثل «الملك لير» و«هاملت» و«عطيل» و«تاجر البندقية» وغيرها تُعرض على خشبات العديد من مسارح العالم. ولكن المؤلف يحرص عبر تقديمه للحظات الحاسمة في حياة شكسبير أن لا يصبغ هالة من التمجيد قد تصبح «حاجزا» يمنع رؤية الشخصية الحقيقية.
وسيرة حياة شكسبير كما يقدمها مؤلف هذا الكتاب تمثل فرصة بالنسبة له كي يصطحب قارئه إلى «كواليس» مدينة لندن في فترة حياة شكسبير. إنها سيرة حياة لندن أيضا التي يعرفها بيتر اكرويد جيدا ويزور أحياءها الصغيرة ومسارحها «المفتوحة» ومطابعها ومكتباتها، وحتى قصرها الملكي. وهذه الأماكن التي كانت كلها الأمكنة التي استلهم منها شكسبير الكثير من كتاباته، لكنه بقي وفيا دائما لمدينته ستانفورد.
تدلّنا سيرة الحياة هذه لشكسبير أنه من مواليد 23 أبريل 1564. وهناك احتمال أن يكون في الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين من نفس الشهر، لكن من الثابت أنه قد جرى «تعميده» يوم 26 أبريل 1564 في كنيسة «الثالوث المقدس» في مدينة ستانفورد وكان والده قد حمله بين ذراعيه حتى الكنيسة. مثل هذا النوع من التفاصيل الدقيقة والصغيرة يجدها القارئ في الفصل الأول الذي يفتتح فيه المؤلف الكتاب عن «ولادة وطفولة شكسبير».
ولكن يجد القارئ أيضا توصيفا «توثيقيا» للكيفية التي كان يتم فيها تعميد الأطفال ب«نوع من الطقوس» لدى الكنيسة الانجليكانية خلال القرن السادس عشر. كذلك يفهم القارئ أنه «في القرن السادس عشر كانت نسبة 9 بالمئة من الأطفال يموتون خلال الأسبوع الأول التالي لولادتهم ونفس النسبة تقريبا قبل أن يبلغوا شهرا واحدا من العمر».
وكان متوسط عمر البالغين من الذكور 47 سنة. لكن أسرة شكسبير من جهة والده «جون شكسبير» كانت تعمّر طويلا مما كان يعطيه الأمل بأن «يتجاوز المعدل الوسطي» بسنوات كثيرة، لكنه توفي في الواقع وهو في الثانية والخمسين. وكان يوم وفاته هو 23 أبريل 1616، أي نفس يوم عيد ميلاده.
من المعروف أن المعطيات قليلة ونادرة عن الحياة الشخصية لشكسبير مما جعل الافتراضات والتناقضات حولها كثيرة، لكن بيتر اكرويد، مؤلف هذه السيرة، استطاع أن يعيد بناء سيرة أكبر أديب في التاريخ الإنجليزي كله. لكن من الواضح أن المؤلف نفسه مدرك تماما إلى إمكانية الوقوع ببعض الأخطاء.
مع هذا يمكن القول انه قد قدّم سيرة حياة «ليست من صنع الخيال ولكنها قد لا تطابق الواقع تماما». بالمقابل يقدم المؤلف صورة حقيقية لمدينة لندن في النصف الثاني من القرن السادس عشر. هكذا أعاد رسم ملامح العالم الذي برز فيه شكسبير في بداية مسيرته الأدبية الظافرة. إنها لندن في ظل الملكة اليزابيت الأولى حيث كان يتعايش «التهديد المستمر لمرض الطاعون وضجيج الحانات والمقاهي والبارات إلى جانب المسارح».
ويؤكد كاتب هذه السيرة على ضرورة «فهم» لغة شكسبير في سياقها إذ ان: «أي تحديث للغة شكسبير يستلب منها نصف قوتها». كما يؤكد على ضرورة التعرف على التطور الذي عرفته بعض الكلمات والتعابير التي يستخدمها الأديب العظيم ويقدّم في هذا الإطار العديد من الأمثلة حول تطور الدلالات اللغوية للكلمات.
وإذا كان العديد من كاتبي سيرة شكسبير يركزون على الجوانب الشعرية لديه فإن مؤلف هذه السيرة يؤكد على «رجل المسرح»، ذلك أن «حبه للمسرح» يشكل إحدى السمات الأساسية لشخصيته إلى جانب «تعلقه الشديد بمسقط رأسه، ستانفورد». ومن خلال «حب المسرح» يقدم المؤلف تخيلات مشوّقة عمّا كان يدور في أجواء لندن الأدبية آنذاك وكذلك يتم على نفس الأساس تحليل مسرحيات شكسبير نفسه.
ويتحدث «اكرويد» هنا عن الأهمية الكبيرة التي اكتستها علاقة شكسبير مع مجموعة من أصدقائه «أعضاء فرقة مسرحية» والذين يرى بهم «الحامل» الرئيسي لبروز «المسرح الشكسبيري» الذي ربما أنه لولاها لما كان قد رأى النور. وكان الحامل الآخر هو مدينة لندن التي عكس مسرح شكسبير أشكال عنفها آنذاك.
ويؤكد كاتب هذه السيرة على أن شخصية وليام شكسبير كان يكتنفها الغموض في العديد من المناحي، مثل غموضه في الموقف حيال التراتبية الاجتماعية لتلك الفترة في بريطانيا، إذ يرى أن شكسبير كان يريد من جهة أن يحظى بنظرة المحيطين به ومجتمعه على أنه «من الطبقة العليا» ولكنه كان من جهة أخرى يحرص على أن يبقى قريبا من الطبقات الشعبية. والغموض أيضا حيال الموقف من الدين، فالمؤلف المسرحي الأكثر شهرة في بريطانيا تلك التي كانت بروتستانتية عامة إنما ربما كان «كاثوليكيا بالخفاء».
ويتمثل أحد الجوانب الجديدة التي يبرزها مؤلف هذه السيرة في شخصية شكسبير أنه كان «رجل أعمال»، وأنه كان رجلا حقيقيا ونتاجا لحقبة محددة من التاريخ البريطاني. ولكن هذا الجانب ظلّ بمثابة «تفصيل صغير» في حياة رجل المسرح الكبير. لكنه حرص على أن تكون له ثروة صغيرة في مدينة ستانفورد التي كان قد وُلد فيها لكنه عاد إليها في أواخر حياته كي يموت فيها.
وكان شكسبير، كما يتم تقديمه في هذه السيرة التي يقارب عدد صفحاتها الستمائة، محاطا بعدد من الممثلين المسرحيين الذين جهد كي تكون شخصياته المسرحية قابلة كي يقدموها على خشبة المسرح. هكذا يرى المؤلف أنه ربما كان الممثل المسرحي «ريتشارد بيورباغ» وراء ايجاد شخصية هاملت والملك لير وعطيل.
وعن شكسبير صاحب رائعة «روميو وجوليت» الشهيرة والنساء يؤكد مؤلف هذه السيرة قوله أن «أكبر كتّاب المسرح في العالم كان محاطا بنساء لا يستطعن قراءة حرف واحد مما يكتب»، بل إن شريكة حياته كانت مثل 90 بالمئة من الإنجليزيات آنذاك لا تقرأ ولا تكتب. ف«الأميّة كانت طاغية».
وبشكل عام يقدم مؤلف هذا الكتاب عملا استثنائيا عن سيرة حياة شكسبير، إذ انه يجمع بين التأريخ والتحقيق الصحافي عبر البحث عن «المصادر» الأساسية التي أثّرت بحياة المسرحي الكبير والتي لم يكن أقلها شأنا الأسرة والكنيسة و«ذوقه الإنجليزي جدا في الميل نحو ما هو فوق طبيعي وما هو خارق»، وأيضا عبر البحث عن محاولة الكشف عن «فترة تكوّن المسرح»، ثم التأكيد على أهمية مساهمته الفعلية في الحياة المسرحية لحقبته ودخوله أحيانا في صراعات وتنافسات مع مسرحيين مشاهير آنذاك مثل «بن جونسون» و«كريستوفر مارلو».
بكل الأحوال تبقى شخصية وليام شكسبير بمثابة «لغز» وربما لن يعرف أحد في يوم من الأيام بدقة «الرجل الحقيقي» الكامن وراء عظمة الكلمات التي كتبها. ولكن فيما هو أبعد مما قد يقدم هذا الكتاب عن شكسبير نفسه، فإنه يشكل تأريخا لحقبة الملكة اليزابيت الأولى في بريطانيا، وتعريفا بمعاصريه وبثقافتهم السائدة.
وبحيث يشعر القارئ أنه قد أمضى بالفعل «بعض اللحظات» في عالم شكسبير، إلى عالم طفولته، وعالم حياته في لندن، وعالم مسرحه، وهذا ما عبّر عنه أحد النقاد بالقول: «في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الموثّق تبرز صورة بلاد وصورة حقبة وصورة شخص استثنائي شاهد على عصره».
ولكن ربما ما كتبه بيتر اكرويد في هذه السيرة يزيد أيضا من «السر» حول شخصية شكسبير التي وصفتها الكاتبة الإنجليزية الشهيرة فرجينا وولف بالقول انها «حاضرة - غائبة بصفاء في الأعمال التي قدمتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب