الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية وأسلوب الخصخصة الملائم للاقتصاد العراقي

فلاح خلف الربيعي

2008 / 4 / 2
الادارة و الاقتصاد


من بين المهام المعقدة التي تواجه النظام السياسي في العراق ، مهمة اختيار إستراتيجية وأسلوب الخصخصة الملائم لظروف الاقتصاد العراقي وتزداد هذه المهمة صعوبة في ظل تعقيدات الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في العراق من ناحية ،وتعدد وتنوع التجارب العالمية في مجال الخصخصة من ناحية اخرى. كما أن عملية الاختيار ترتبط بدورها بعدد من المعايير من بينها، طبيعة فلسفة النظام السياسي، وحجم الشركات التي ستشمل ببرنامج الخصخصة، ومدى قدرة السوق وطبيعة الإمكانيات التمويلية والاستثمارية للقطاع الخاص التي يتحدد في ضوئها مدى قابليته على استيعاب تلك الشركات ، فضلا عن مدى التطور في البيئة التنظيمية والتشريعية.
تحاول هذه المقالة تسليط الضوء على تلك النواحي من خلال مناقشة كل من استراتيجيات وأساليب الخصخصة وتحديد الإمكانيات المتاحة لاختيار الأسلوب والإستراتيجية الملائمة لظروف الاقتصاد العراقي .
أولا / استراتيجيات الخصخصة:- تدور معظم التجارب العالمية حول إستراتيجيتين متعارضتين هما :-
-1إستراتيجية التطور التدريجي:- تدعو الى رفع المساهمة النسبية للقطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي يمكن بشكل تدريجي والسماح تدريجيا بظهور الشركات الخاصة الجديدة، على أن يرافق عملية النمو والتوسع في القطاع الخاص تصفية أو بيع لشركات القطاع العام. مع تهيئة المناخ الاستثماري الملائم الذي يسمح بوصول القطاع الخاص الى المواقع المتقدمة في هرمية الهيكل الاقتصادي،عن طريق تشجيع إنشاء الشركات و إلغاء الحواجز أمام دخول و إقامة المشروعات الجديدة، وتطبيق السياسات الضريبية والسياسة الائتمانية المحفزة. كما أكدوا على أهمية وضع قيود صارمة للميزانيات وعلى التنفيذ الصارم للقواعد المحاسبية وقوانين الإفلاس. بهدف الوصول الى ما أسموه بعملية الاختيار الطبيعي. وتقوم هذه الإستراتيجية على الاعتبارات الموضوعية الاقتصادية والاجتماعية لتطبيق نهج الاقتصاد الحر ،وتهيئة الظروف الملائمة لنهوض الطبقة المتوسطة وتمكينها من الاستحواذ على الملكية التي كانت تهيمن عليها الدولة سابقا.
2-إستراتيجية الخصخصة السريعة (أسلوب الصدمة ) :- تدعو هذه الاإستراتيجية إلى التخلص السريع من القطاع العام والملكية الحكومية،عن طريق تبني أشكال أقرب ما تكون إلى التوزيع المجاني . ويشدد هؤلاء على أهمية اغتنام الفرصة لتنفيذ خصخصة سريعة، بتوجيه ضربة قاصمة للبيروقراطية الحكومية،عندما تكون مضطربة وعاجزة عن المقاومة. بهدف توسيع قاعدة الملكية على أساس التوزيع المتساوي للأصول الحكومية لكل المواطنين . مستندين في ذلك على الاعتبارات المعيارية "الأخلاقية ". ويرى معارضو هذه الإستراتيجية أن هذا النوع من - التوزيع العادل - للملكية لا يدوم طويلاً، في حالة وجود التركز في الدخول والثروات، إذ سرعان ما تتحول الملكية إلى أيدي الفئات ذات الدخول المرتفعة، وهذا يعني أن بيع الأصول الحكومية بأسعار عادلة، قد لا يؤدي بالضرورة إلى أعادة توزيع الثروة أو الدخل. وبشكل عام يمكن القول أن إستراتيجية التطور العضوي قد أثبتت تفوقاً أكبر لآن الحجج التي تقوم عليها تراعي اعتبارات الكفاءة الاقتصادية.
ثانيا/ أساليب الخصخصة:- تتمثل أساليب الخصخصة وآلياتها الشائعة في الآتي:
1-بيع وحدات القطاع العام:- يعد هذا الأسلوب هو الأكثر انتشارًا في العالم، وينفذ بأشكال مختلفة، فيمكن أن يكون البيع جزئيًّا بطرح جزء فقط من رأس مال المنشأة للبيع، ويمكن أن يكون كليًّا بطرح الشركة كلها مرة واحدة. وتتخذ عملية البيع عدة أشكال من أهمها:
أ- الاكتتاب العام في سوق الأوراق المالية:- حيث يتم تقسيم رأس المال إلى أسهم، وطرحها للراغبين في الشراء ، وذلك بعد تحديد حد أدنى للسهم لا يجوز البيع بأقل منه مع منح الراغبين في الشراء فرصة للمزايدة عليه، وفي حالات أخرى يتم ترك الحرية للسوق في تحديد سعر السهم فيما يسمى بنظام السعر الاستكشافي.
ب- البيع المباشر للقطاع الخاص:- حيث تقوم الحكومة بالتفاوض المباشر مع مستثمر أو عدد من المستثمرين الراغبين في شراء الوحدات عن طريق المناقصات أو المزايدات والعروض للتوصل للسعر المناسب الذي يرضي الطرفين، مع الالتزام بقوانين الدولة في هذا الشأن، وهو ما يعرف بنظام البيع لمستثمر رئيسي أو استراتيجي.
ج- تحويل العاملين بالشركة إلى مساهمين:-عن طريق السماح لهم بشراء أسهم الشركات، وغالبًا ما تلجأ الدولة في هذه الحالات إلى تقديم تسهيلات للعاملين تتمثل في تخفيض سعر السهم أو السماح بسداد قيمة الأسهم بالتقسيط على عدة سنوات، وأحيانًا ما تلجأ الحكومات إلى هذا الأسلوب في بعض المشروعات الحيوية. وقد تقوم الحكومة بتمليك الشركة كلها أو جزء منها للعاملين طبقًا لفلسفتها في الخصخصة
د- المقايضة بالديون الخارجية:- قد تلجأ الدول المدينة الى مقايضة ديونها الخارجية أو جزء منها مقابل أصول من القطاع العام، يحصل عليها المستثمرون الذين يقومون بشراء تلك الديون
هـ- نظام الصكوك أو الكوبونات:- وهذا الشكل ظهر في أوروبا الشرقية وخاصة تشيكوسلوفاكيا ويقوم على أساس أن لكل فرد من الشعب الحق في الحصول على نسبة من رأس المال في المشاريع التي ستتحول للقطاع الخاص باعتبار أن الحكومة ليست مالكة بل هي تدير فقط نيابة عن الشعب، ولذا يتم توزيع كوبونات على المواطنين تمنحهم ملكية عدد من الأسهم أو الدخول في مزادات عامة للحصول على عدد من الأسهم.
2-التعاقد أو خصخصة الإدارة:-تبقى في هذا الشكل ملكية رأس مال الشركات في يد الدولة في حين تتنافس وحدات القطاع الخاص على الحصول على عقود تخولها حق الإدارة لحساب الدولة مقابل مزايا معينة كحصة في الربح أو الإنتاج. وهذا الأسلوب أقل إثارة للجدل من الأسلوب السابق ذكره ويتم عن طريق المناقصات العامة من خلال عقود إدارة للوحدات أو عقود تأجير لخطوط الإنتاج مقابل مبلغ ثابت تحصل عليه الدولة، وقد طبقت الصين هذا الأسلوب.
3- السماح للقطاع الخاص بمزاولة نشاطات يحتكرها القطاع العام:-
يهدف هذا الأسلوب إلى توسيع مدى المنافسة وتحسين الأداء ويتم عن طريق إصدار القوانين وإزالة القيود التي تحول دون دخول القطاع الخاص لبعض الأنشطة -مثل صناعة السلاح- وهذا يؤدي مع مرور الوقت لتوسيع مشاركة القطاع الخاص والخصخصة على المدى الطويل دون الحاجة لتغيير ملكية المنشآت العامة؛ ولذا فهو يسمى بالخصخصة التلقائية.
4- أسلوب البناء -التشغيل- التحويل -: يسمح هذا الأسلوب للقطاع الخاص بإقامة مشروع معين دون مقابل واستغلاله لمدة معينة على أن يتم تسليمه بعد ذلك للحكومة، و قد لا يهتم المستثمر في هذا النوع من المشاريع بتدريب العاملين ، كما قد يقوم بإهمال عمليات الصيانة عند اقتراب التسليم، لكن هذا الأسلوب يضمن عدم السيطرة الدائمة على المشروعات الإستراتيجية كما انه يعفي الدولة من الإنفاق على مشروعات جديدة. ومثال ذلك مشاريع الطرق السريعة في ماليزيا.
5-أسلوب البناء - التشغيل - التمليك:- يختلف عن الأسلوب السابق في أن يسمح للمستثمر بتملك المشروع وعدم تسليمه للدولة بعد فترة.
6-أسلوب البناء - التشغيل - التمليك - التحويل:-
يختلف عن الأسلوبين السابقين في أن المستثمر يتملك المشروع لفترة معينة بعد قيامه ببنائه ثم يقوم بتحويله إلى الدولة.
وبقدر تعلق الأمر بالاقتصاد العراقي ، يمكن القول أن نجاح الإستراتيجية أو الأسلوب الذي ستعتمده الحكومة، سيتوقف على مدى مراعاته للآثار السلبية التي سترافق تلك العملية وفي مقدمتها:-
1-ضعف الآليات والمعايير الاقتصادية والاجتماعية التي تنظم وتؤسس عمليات نقل الملكية وفي مقدمتها الأسواق المالية الفعالة، وبنوك استثمار وبيوت الخبرة .
2-نقص الدراسات الفنية اللازمة لتقييم الأصول وتحديد الأسعار، مما يعرض إجراءات نقل الملكية لعمليات البيع المباشر وبأسعار زهيدة.
3-ضعف القطاع الخاص المحلي وقلة المدخرات الوطنية، الذي سيفتح الباب أمام الشركات الأجنبية، التي قد لا تلتزم بتنفيذ خطط إعادة الأعمار و برامج التنمية.
4-ان تطبيق برنامج الخصخصة سترافقه حتما تضحية بالاعتبارات الاجتماعية، و في مقدمتها تسريح الآلاف من العاملين وزيادة معدلات البطالة.
5-أن البيع المباشر للمؤسسات العامة في ظل ضعف السوق المالية سيؤدي الى بيع المؤسسات الرابحة والناجحة، ويبقي على المؤسسات الخاسرة، وبالتالي تفقد الدولة الإيرادات التي كانت تحصل عليها من المؤسسات الناجحة وتستمر في تكبد الخسائر المتزايدة من المؤسسات المتعثرة مما يزيد من أعباء الخزينة العامة.
ولتلافي تلك السلبيات و ضمان نجاح عملية الخصخصة لابد من خلق مجموعة من الضوابط التي يمكنها حماية الملكية الخاصة من المصادرة، ووضع القوانين الاقتصادية والواضحة والملائمة للواقع الاقتصادي والسياسي، والقوانين التي تنظم العلاقة بين المنتجين والعمال، والحرص على توفير الملاكات الإدارية الجيدة ذات المستوى العالي من الكفاءة والنزاهة، الى جانب توفير شبكة من البنية الأساسية المتطورة، وتأمين نظام معلومات وموانئ وهيكل مالي ومحاسبي جيد، ولا شك أن كل هذا يتطلب سياسات اقتصادية واضحة ومحددة تؤمن بمبدأ التدرج في بيع الوحدات وإصلاح الهياكل المتعثرة منها، وتوفر الرقابة الصارمة على عمليات التقييم والتسعير، فضلاً عن الشفافية في جميع المراحل وفي كل الأوقات ووجود سوق مالي قوي ونشط . وأخيرا، لابد من القول، ان جني فوائد الخصخصة في العراق، وتحقيق هدف زيادة الكفاءة الاقتصادية وتوسيع مشاركة المواطنين في ملكية الأصول العامة،يتطلب تجنب أسلوب الصدمة واعتماد الأسلوب التدريجي، وإشاعة الثقافة الاقتصادية المؤيدة لنهج الاقتصاد الحر، ولجعل الخصخصة عملية ذات جدوى للاقتصاد والمجتمع ،وليست سبيلا لتحقيق الأرباح الجشعة التي تقوم على استغلال الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج


.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع