الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فساد الجهاز القضائي

صاحب الربيعي

2008 / 4 / 2
دراسات وابحاث قانونية


إن محاولات السلطة التنفيذية للهيمنة على السلطة القضائية وتجييرها لخدمة نهجها التسلطي، لم يقتصر على شراء ذمم القائمين عليها وإنما على تقويض الجهاز القضائي من خلال تسيس الجامعات (كليات الحقوق، والمعاهد القضائية) وحصر القبول فيها فقط بمنتسبي حزب السلطة وبغض النظر عن أهليتهم ونزاهتهم وسلوكهم وانعكاس ذلك مستقبلاً على سمعة الجهاز القضائي. إن الحقن المتواصل للعناصر الحزبية والمخابراتية في جسم الجهاز القضائي التي تعمد إليه السلطة المستبدة، يهدف للهيمنة واخضاع السلطة القضائية كلياً للسلطة التنفيذية.
لقد ألحق الحزبين من القضاة المنسبين إلى الجهاز القضائي العار بالسلطة القضائية وشرف المهنة بعد عمدوا لطمس الأدلة والوثائق التي تدين المتنفيذين من السياسين بتهم الرشاوى وانتهاك القانون، وأشرف البعض منهم على حفلات أعدام المعارضين للسلطة التنفيذية أو أعدام أشخاص معاقين جسدياً بدلاً من مجرمين عتاد صدرت بحقهم أحكام قضائية بالموت مقابل رشاوى أو تنفيذاً لقرارات السلطة المستبدة لاستغلالهم في أجهزتها القمعية لتعذيب المعارضين مقابل أعفائهم من الموت.
إن السلطة القضائية عبارة عن (بنت الهوى!) لأي سلطة تنفيذية مستبدة، فهي بحاجة إلى حماية والسلطة المستبدة بحاجة إلى غطاء شرعي. فالتغيير السياسي الذي يحدث في أي دولة من دول العالم النامي يؤدي إلى محاسبة رجال السلطتين التنفيذية والتشريعية السابقة مقابل إعفاء رجال السلطة القضائية (بالرغم من إجرام البعض منهم) بغية عدم تقويض مصداقية القضاء والقانون أمام المجتمع والتعريض بنزاهة السلطة القضائية التي تحتاجها السلطة الجديدة لإظفاء الشرعية عليها.
يقول ((ميشيل فوكو))"هناك خطر تحول رجل القانون الذي يحكم بين (أ، ب) إلى منحاز ومعني بالمشكلة المطروحة. فتعامله مع النص يقع في خطر تحويل النص من نص له طابع المعرفة وقانوني صحيح إلى وجه آخر فيه نسبة من المعرفة الجزئية إذا لم نقل ذاتية وأحياناً كثيرة يستمع إلى مرجع قانوني أعلى من حيث الترتيب الوظيفي".
إن شعور السلطة القضائية ورجالها بأنهم معفيون من المساءلة والحساب، بعكس رجال السلطة التنفيذية والتشريعية جعل البعض منهم ينتهك القانون ويتعاطى الرشاوى ويخل بشرف المهنة متسلحاً بقدرته على إخفاء معالم جريمة انتهاكه للقانون.
لقد أثبتت الكثير من الوقائع أن معظم رجال السلطة القضائية في دول العالم النامي، مرتشون ومنحازون إلى السلطة التنفيذية ضد المجتمع. لذلك يفضل المواطن فض نزاعاته مع الآخرين بالتراضي أو اللجوء إلى العُرف العشائري وتحاشي اللجوء إلى المحاكم، لأن معظم القضاة مرتشين وغير عادلين بأحكامهم.
اعتادت السلطة الرابعة تسليط الضوء أكثر على انتهاك وتجاوز السلطتين التنفيذية والتشريعية على القانون وتعفي السلطة القضائية منها لاعتقادها الخاطئ بإنها فوق الشبهات والانتهاكات القانونية وباعتبارها الحارس الأمين على القانون!. لكن الحقيقة تؤشر عكس ذلك في معظم دول العالم النامي حيث تبين أن السلطة القضائية أكثر فساداً من السلطات الأخرى فانتهاك القانون في أي مرفق من مرافق الدولة بالرغم من أثره السلبي لكنه لايشكل خطراً على إنهيار مقومات الدولة. وعلى الضد من ذلك فإن الانتهاك للقانون من قبل السلطة القضائية يقوض ركائز الدولة لأنها قائمة على أساس قانوني ودستوري تعكس هويتها الاعتبارية.
إن السلطة الرابعة هي سلطة رقابية ومشرفة على أداء السلطات الثلاث (التنفيذية، القضائية، والتشريعية) وغير معنية بالمراكز الوظيفية للقائمين عليها لأنها تمثل ضمير المجتمع، فمنتهك القانون أي كان مركزه الوظيفي وانتماءه الحزبي يجب أن يخضع للمساءلة والحساب.
ولربما يخشى البعض من منتسبي السلطة الرابعة فضح انتهاك رجال القضاء للقانون لعدم وجود قانون يحمي الصحافيين من المساءلة، فهذا الهاجس أدى لإعاقة فتح ملف الفساد في أخطر سلطة في الدولة والبحث في صلب الأحكام القضائية للتحقق من صحتها وخلوها من الرواسب السيئة والكامنة في الذات الإنسانية باعتبار رجل القضاء كائن بشري يخطأ ويصيب كما الأخرين.
يعتقد ((باريتو))"أن دور القاضي ينطوي على أمور تتجاوز مجرد التطبيق المنطقي للقواعد القانونية المجردة على الحالات الملموسة حيث أن أحكام القضاء تكشف بدرجة ملحوظة عن عواطف رجال القضاء، بل أن الاحتكام الى القانون يعد بمثابة تفسير بُعدي لقرار أو حكم أمكن إتخاذه بأسلوب آخر".
إن البحث والتحقق في ذمم القائمين على السلطة القضائية يعد الإجراء الأكثر أهمية في قيام دولة القانون واستعادة ثقة المواطن بالدولة وأجهزتها باعتبارها الرب العادل للمجتمع في المعمورة.
كما يتوجب دعم استقلالية السلطة القضائية ومساندتها ضد محاولات الهيمنة التي تعمد إليها السلطة التنفيذية، وبذات الوقت يقع على عاتق القائمين على السلطة القضائية إجراء مراجعة وتقييم وتحقق من ذمم رجال القضاء للمحافظة على القانون باعتباره الوسيلة الوحيدة (على الأقل في الوقت الراهن) في العالم للحفاظ على السلم الاجتماعي وتحديد الحقوق والواجبات للمواطنين تجاه الدولة والمجتمع.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. In defence of free expression and peaceful assembly in solid


.. شاهد| لحظات اعتقال أسرة منفذ عملية الطعن في كرمئيل بالجليل ا




.. الانتخابات التشريعية البريطانية: الجدل يشتد حول الهجرة والمه


.. صحيفة لومانيتيه: -لا وجود للجمهورية الفرنسية دون المهاجرين-




.. السلطات الجزائرية تدرس إمكانية إشراك المجتمع المدني كمراقب م