الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة بدون قاعدة....!

مهند عبد الحميد

2008 / 4 / 3
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


بدأت القمةُ العربية بسقف توقعات منخفض لدى الأكثرية الساحقة من الشعوب العربية، فجاءت نهايتها غير متنافرة مع بدايتها. قرارات هذه القمة جاءت كما هي قرارات القمة السابقة، وستكون على ما هي عليه في القمة اللاحقة مع تغيرات طفيفة في العبارات والمسميات. أسدلت ستارة القمة في اليوم الثاني بدون صخب ولا حتى اكتراث. الواقع العربي يغص بالتحولات من الداخل وتحولات عبر الخارج لكن النظام العربي في حالة "استاتيكية" سكون وصمت.
النظام العربي مفكك بشكل سافر، كل نظام ينطلق من مصالحه الخاصة وينسج علاقاته الاقتصادية والسياسية مع الخارج، وبصريح العبارة يحل مشاكله ويحافظ على مصالحه بالتفاهم مباشرة مع واشنطن كقطب عالمي مهيمن، ولا يحتاج للتحالف مع أنظمة أخرى، الأنظمة ذات الاقتصاد الضعيف والتي تحتاج لتحالف، أصبحت لا تلقى أذناً صاغية من الأنظمة المزدهرة اقتصادياً، غير أنها تقوم باستخدام قوى سياسية وتسيطر على بلدان أضعف ــ إن استطاعت ــ لتستخدمها في تحسين موقعها في الخرائط الإقليمية. أصل المشكلة هي انفصال النظام العربي بسائر دوله عن سائر شعوبه. والانفصال يعني وضع مصالح الشعوب خارج الحسابات في السياسة والاقتصاد والثقافة والانطلاق فقط من مصالح النظام. ثمة مفارقة تنتصب أمامنا عند الانطلاق من فرضية : وجود مصلحة فعلية للشعوب العربية في اعتماد إستراتيجية واحدة تعبر عن مصالحها، وتضع حداً لاستباحة قوى الهيمنة العظمى وأطماعها الكولونيالية للثروة النفطية والأسواق والمراكز الحيوية والإستراتيجية، لكن الأنظمة المنفصلة المصالح عن الشعوب تعتمد استراتيجية على مقاس مصالحها الخاصة فقط لا غير، استراتيجية تبدو من ناحية فعلية على طرف نقيض من احتياجات الشعوب. وهنا تبدو النتيجة منطقية وطردية، حيث إن اقتراب الأنظمة من نظام الهيمنة الجديد يقود إلى ابتعادها عن شعوبها، وكلما زاد الاقتراب في هذه الجهة زاد الابتعاد عن تلك الجهة.
التلاقي والتحالف بين نظامين عربيين وأكثر لا يرتبط باستراتيجية وإنما بأهداف مؤقتة ولدرء بعض المخاطر في إطار علاقات التبعية. فالأنظمة ذات المصالح المتقاطعة لا يسمح لها بالتعامل ككتل ومجموعات إقليمية، والدليل على ذلك اختفاء جبهة الصمود والتصدي بعد فترة وجيزة من قيامها، وتراجع مجموعة دول التعاون الخليجي، وانتهاء العمل بمجموعة الدول المغاربية. صيغة الاستقطاب الجديدة القائمة الآن هي: الدول المتعاونة مع سياسة واشنطن وهي كل الدول والسلطات العربية باستثناء دولة واحدة تقع تحت بند دول ممانعة وهي سورية.
سياسة واشنطن في عهد بوش الابن القائمة على الحرب والاحتلال ونشر القواعد العسكرية والأزمات الاقتصادية والانحياز الكامل للسياسة الإسرائيلية، هذه السياسة تجعل حياة الدول المتعاونة مع واشنطن في غاية الصعوبة والحرج، وتزيد من انفصال تلك الشعوب عن أنظمتها الحاكمة. على سبيل المثال لقد حولت واشنطن مبادرة السلام العربية إلى مبادرة بلا معنى، ما دفع الأمين العام للجامعة العربية وقمة دمشق إلى التلويح بسحبها إذا لم تتوقف إسرائيل عن انتهاج سياسة معاكسة لها.
مبادرة السلام العربية تكثف مأزق النظام العربي في علاقته بواشنطن وفي موقفه من حل المسألة الوطنية، فالرد الإسرائيلي على المبادرة يقدم نموذج "السلام" الذي تسعى من أجله واشنطن، نموذج الإذعان الكامل للشروط الكولونيالية الإسرائيلية. ورغم انكشاف هذا الهدف فإن النظام العربي يهدد بسحب المبادرة ليس إلا. النظام العربي الذي تخلى عن الحرب واعتمد السلام كخيار استراتيجي والمفاوضات أسلوباً وحيداً لإنهاء الاحتلال أخفق بكل المقاييس، وبعد مسلسل الإخفاق الطويل بدأت واشنطن تقوده إلى التسليم بالاحتلال والهيمنة الأميركية الإسرائيلية. وقوف النظام العربي عاجزاً بلا حراك أمام الاحتلال والهيمنة أو التسليم بذلك، يؤدي إلى الانفصال الكامل عن الشعوب.
لقد أخذت مظاهر انفصال الشعوب عن نظامها السياسي بالتعمق وأخذت منحى استقطابياً سلبياً باتجاه الإرهاب، والأصولية، والإسلام السياسي، وبصورة أقل أخذت منحى النضال الديمقراطي العقلاني. إن إخفاقَ النظام العربي في حل المسألة الوطنية الذي ترافق مع الإخفاق في مجال التنمية البشرية والاقتصادية، ومع أشكال من الاستبداد وقمع الحريات، كل هذا أدى إلى خلق تشوهات بنيوية في المجتمعات العربية، تجسدت في أشكال من التعصب والعزلة والشعبوية والتطرف والإحباط والإرهاب الفكري.
وكما يقال ثمة علاقة بين النظام والمعارضة، النظام العربي الرسمي خلق معارضة على صورته غير الديمقراطية والإقصائية. وبهذا صار الاستقطاب في اتجاهين لا يملكان مخرجاً للانسداد الوطني والاجتماعي المنتصب عالياً أمام تطور المجتمعات العربية. لم تكن الممانعة بقواعدها وأسسها غير الديمقراطية وبأهدافها الأنانية هي البديل. فلا يمكن للبديل ان ينتمي لقوى إقصائية انقلابية وشمولية. المخرج نظرياً يكون من خلال ذلك النوع من الاستقطاب لمصلحة قوى ديمقراطية عقلانية متنورة تتلمس طريقها داخل المجتمع وتتوحد معه على أهداف ومصالح غير ملتبسة.
ويبقى سؤال: لماذا استمرار عقد القمة التي لا تسر صديقاً ولا تغيظ عدواً؟ بعد ان فشلت مرة بعد الأخرى في وضع حلول جدية وعملية للقضايا الثلاث في فلسطين ولبنان والعراق، وفي انتهاج سياسة تنمية اقتصادية وبشرية، وبعد ان صارت قراراتها حبراً على ورق على طول الخط. القمة بلا شك تضفي نوعاً من الشرعية على النظام العربي مجتمِعاً ومنفرداً، والأهم انه يمكن استخدامها من قبل هذا النظام أو ذاك كمظلة لتمرير سياسة أو لتبرير أخرى أو للتغطية على أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل