الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصريون لن يشاركوا في الإضراب.

أيمن رمزي نخلة

2008 / 4 / 4
حقوق الانسان


تتداول المواقع الإلكترونية ومجموعات المراسلة والتواصل على شبكة الإنترنت خبر الإضراب العام الذي يحلم مجموعة من المُصلحين أن يتم في كل أنحاء مصر يوم الأحد القادم السادس من أبريل للضغط على المسئولين والقيادة السياسية من أجل تغيير الوضع السيئ الذي وصلت إليه مصر. كما أن رسائل الهاتف المتبادلة بين المصريين يدعوا فيها البعض الآخرين بأن يشاركوا في هذا الإضراب العام بين مختلف قطاعات الشعب المصري بكل فئاته.
وعنوان مقالتي الجازم والقاطع بأن المصريين لن يشاركوا في الإضراب القادم لا تدعوا لليأس ولا فقدان الأمل في مستقبل مشرق لمصر واسترداد حقوق الإنسان، لكن هي قراءة في الأحوال المصرية ونظرة على حقوق الإنسان المصري في الوقت الحالي.
سؤالي المطروح: لماذا لن يشارك المصريون في الإضراب العام المُقبل؟

أولاً: الخوف الأمني.
إن المصريين لا يخافون فقط من رجال الأمن وقانون الطوارئ المُطبق من سبع وعشرين سنة وقانون الإرهاب العسكري المثبت حديثاً في الدستور الذي يُخفي بمقتضاه الحاكم العسكري مَن يشاء خلف أسوار الشمس، لكن المصريين يرتعبون من مجرد سيرة الأمن. وكأن الحديث عن الأمن والاعتقال العشوائي وترهيب المواطنين والمعاملة السيئة للمواطنين في أقسام الشرطة ومطالبة المواطنين بحقوقهم الطبيعة سيؤدي حتماً إلى إخفائهم أو اعتقالهم أو في أحسن الحالات سيقطع مصدر رزقهم. ولسان حال الشعب: " مَن يخاف مِن العفريت يطلع له ". " وربنا يكفينا شرهم ". وأصبح اللجوء إلى الذات الإلهية هي الوسيلة السهلة للتغييب وعدم مواجهة لصوص الحقوق الإنسانية.
والحقيقة إن تطبيق قانون الطوارئ على رقاب المصريين من عشرات السنين دون وجود أمل في محاكمات طبيعية بناء على أدلة نزيهة وتحقيق عادل أمام القاضي الطبيعي. بالإضافة إلى عدم احترام أحكام القضاء التي يصدرها والإفراج الحقيقي عن المشتبه فيهم دون القبض مرة أخرى بل ومرات والسجن سنوات طويلة دون أحكام عادلة. كل هذا يجعل غالبية الشعب المصري يعيش في خوف دائم من رجال الأمن والحكم العسكري الممتد عشرات السنين.

ثانياً: الخوف الاقتصادي.
يعتمد معظم أفراد الشعب المصري على الحكومة بشكل مباشر في أعمالهم ووظائفهم وبالتالي يتوقف مصدر رزقهم الوحيد على ما تهبه لهم الحكومة أو تمنعه عنهم. وفئة قليلة هي التي تعتمد على أصحاب رؤوس الأموال الذين طبقاً للقوانين العرجاء في البلد يخافون هم أيضاً من فرض مزيد من الضرائب الخاصة أو المصادرة أو غلق مشاريعهم الاستثمارية أو تضييق الخناق على إنتاجهم أو عرقلة تسويق منتجاتهم. وقد يصل الأمر من الدولة إلى فرض عقوبات مالية أو إدارية نتيجة تضارب قوانين العمل والفساد المستشري في المحليات والإدارات التجارية والصناعية. كل هذا في حالة إعلان العصيان ضد سلب حق من الحقوق الإنسانية.
وجود أفراد من الأمن السري في كل قطاعات العمل الحكومي تحت مسميات مثل الاتصال السياسي أو العلاقات العامة، أو إدارة الأمن بالأعمال الحكومية، وتقديمهم تقارير أمنية تكون نتيجتها الاعتقال العشوائي أو التحقيق الفوضوي وتشويه سمعة مَن يطلقون عليهم الخارجين عن قوانين الطاعة. هذا إذا حاول أحدهم أن يعترض أو يبدي وجهة نظر في وجود حالة من الضجر العام نتيجة تدني مستوى المعيشة.

ثالثاً: الخوف الجسدي.
من المؤكد أن المصريين لن يشاركوا في الإضراب العام القادم وذلك لخوفهم ورعبهم الشديد من الانتهاكات الجسدية التي يمارسها رجال الشرطة ضد المواطنين في أقسام الشرطة سواء تحت التحقيق أو تم الحكم عليه. وليس خافياً أو بعيد عنا صور التعذيب الجسدي التي تبادلتها مواقع ومنتديات شبكة الانترنت العام الماضي. ولا ينسى الشارع المصري التحقيقات التي تمت مع فئة قليلة من ضباط الشرطة المتهمين بتعذيب مواطنين حتى الموت ونال هؤلاء الضباط أحكام غير رادعة للآخرين المستمرين في انتهاك حقوق الإنسان المصري الجسدية والمعنوية بالتعذيب أو الإهانة.
وليس خافياً عن الشعب المصري ومنظمات حقوق الإنسان الحقيقية في الداخل والخارج التاريخ الأسود لتوابع المظاهرات، أو الاعتقال العشوائي لمجرد تجمعات في منازل المطالبين بحقوق الإنسان المصري المهضومة. والتهم دائماً جاهزة ومعدة مسبقاً على شاكلة: تكدير السلم العام وقلب نظام الحكم، وغيرها من المسميات العشوائية الضخمة اللفظ فوضوية المعنى والهدف.

رابعاً: التغييب بمشاكل الدول الخارجية.
لكي يكون الإنسان إنسان عليه أن يهتم بجيرانه في البشرية. حقيقية لكن الواقع هو استخدام هذه الحقيقية في تغييب الشعب المصري في جذب انتباهه لمشاكل العالم الخارجي وتوجيه كل اهتمامه نحو الجائعين والمقهورين في كل بلاد العالم الثالث والأول المتقدم منهم والمتحضر، وتوجيه جميع طاقاته وإمكانياته الذهنية والفكرية للاهتمام برعاية كل أطفال الدول المحيطة والبعيدة، بينما أطفال مصر يتمتعون بأسوأ أنواع التعليم وأحقر وأفقر الخدمات الاجتماعية وأقل الرعاية الصحية، الدليل على ذلك عدد الأطفال المشردين تحت الكباري والأطفال الهاربين من المدارس للعمل في الورش الصناعية والمزارع وأعنف وأقذر الأعمال مثل جمع القمامة أو فرزها.
ناهيك عن مئات الشباب المصري الذي لا يجد فرص حقيقية للعمل مما يضطره للهجرة الغير شرعية، مما أدى لغرق العشرات من هؤلاء الشباب العام الماضي فقط.
التغييب بالاهتمام بمشاكل كل الدول المحيطة هو الخطاب المستخدم من المسئولين المصريين على جميع المستويات. وهي وسيلة أثبتت فعاليتها في جعل الشعب يلهو بعيدا عن احتياجاته الأساسية ومشاكله الحقيقية. والمثل الشعبي المستخدم في ذلك هو: " مَن نظر إلى بلوى غيره هانت عليه بلواه ".
كما أن استخدام عامل مشترك مثل الشراكة في القومية أو الأخوة الدينية مع المجتمعات الخارجية يزيد من حجم الاهتمام بمشاكل الآخرين في الخارج على حساب معاناة وزيادة انتهاك الشعب المصري الذي وصل عدد الساكنين في مساكن غير آدمية لملايين من المصريين طبقاً لدراسات مراكز الأبحاث المصرية نفسها.

خامساً: الجهل بالحقوق الإنسانية.
إن معظم فئات الشعب يجهل ما هي الحقوق الإنسانية التي يجب أن ينالها كمواطن طبيعي في ظل الوضع الطبيعي للوطن. هناك الحقوق الإنسانية في شتى مجالات الحياة التي يجب أن يعرف ويدرك المواطن المصري وكل شخص أنه لابد أن ينالها كونه مواطنا يعيش على هذه البقعة من الأرض المسماة جمهورية مصر العربية. لا يعرف المصريين أن لهم حقوق يجب أن ينالوها بدون بذل جهد أو عناء وبدون واسطة أو رشوة أو محسوبية، بدون أي مقابل مثله مثل أي إنسان آخر يعيش في الدول الراقية التي تحترم الإنسان في كونه إنسان دون التفرقة في لون أو جنس أو عقيدة أو خلفية.
جهل المواطنين المصريين بحقوقهم الإنسانية لا يجعلهم يطالبون بتلك الحقوق. والجهل إما متعمد في التربية والتعليم القاصر أو غير مقصود نتيجة انتشار الأمية التعليمية والحقوقية والحرص كل الحرص على استمرار وجود هذه الأمية الحقوقية والتعليمة، لأن قيادة وحُكم شعب أُمي أيسر من قيادة شعب متعلم وواعي. إن استمرار الحُكم والمحافظة على العرش قائم على مقدار تفشي الجهل والمرض والفقر بين جميع طبقات الشعب، والحرص على جهل الشعب بحقه في أن يكون إنسان.

سادساً: القيادة الدينية للشعب المصري.
أراهن بكل قوة أن الشعب المصري لن يشارك ولن يتفاعل في المستقبل القريب في أي إضراب عام إلا إذا تخلى عن السير كالقطيع المُغيب وراء رجال الدين. إن الشعب المصري الذي يطلق على رجل الدين: سيدنا أو مولانا، لن تقوم له قائمة بعد اليوم مازال متمسكا بمن يقوده دنيا وآخرة دون اللجوء إلى عقله وإنسانيته، دون أن يفكر ويتخلى عن فكر التكفير. وينبذ العنف القائم خلف تكفير كل تفكير. لن يشارك الشعب المصري في نهضة أو تنمية إلا إذا خرج من عباءة رجل الدين الذي يقول هيا فيقول الجميع: آمين ثم آمين، حتى لو هيا نرمي أنفسنا في الجحيم. قيادة رجال الدين وتحكمهم بالفتوى والمشورة الدينية في كل مناحي الحياة بدءً من فتاوى قضاء الحاجة وإلى فتاوى التغسيل والتكفين والعلاقات الزوجية والتغييب الديني بأعمال السحر والشعوذة سوف يؤدي بمجتمعنا إلى السير بسرعة الصاروخ إلى الوراء نحو الهلاك المحتوم. كما أن توظيف وتأويل نصوص مقدسة تجعل الحاكم هو قضاء الإله وقدره وعلى الرعية أن تخضع وتطيع و إلا الويل في الآخرة والعذاب المنتظر دنيا وآخرة.
كما أن الإرهاب والرعب وفرض الخطاب الديني المفروض على رجال الدين المتكلمين في أماكن العبادة من قِبل رجال أمن الدولة، يجعل رجال الدين المعتدلين لا يخرجون عن نص السيناريو المرسوم مسبقاً من رؤساء رؤسائهم المختارين بعناية من القيادة العليا من أجل إصدار الفتاوى والأحكام التي تعضد كرسي الحكم.

أراهن أن الشعب المصري لن يشارك في الإضراب. ولن يسعى نحو الإصلاح أو التغيير. لقد فقد الشعب المصري كل مقومات الحرية. لقد سُلب كل إنسانيته.
مَن له وجهة نظر أخرى فليتفضل.
مع تحياتي.
أيمن رمزي نخلة
[email protected]









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبكات| هل تصبح فلسطين عضوا في الأمم المتحدة بعد التصويت السا


.. -أين المفر؟-.. تفاقم معاناة النازحين في رفح




.. الغرب المتصهين لا يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان في #غزة


.. الأونروا: أوامر إسرائيلية جديدة بتهجير 300 ألف فلسطينى




.. رئيس كولومبيا يدعو لاعتقال نتنياهو: يرتكب إبادة جماعية