الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدوّن اللبناني منفعل.. وغير منتج

عماد الدين رائف

2008 / 4 / 5
حقوق الاطفال والشبيبة


حيث المدونات صورة للانقسامات السياسية لا للهموم الشبابية... يأتي مركز لبنان وسطاً بين الدول العربية من حيث استخدام الشبكة العالمية، إذ إن نسبة مستخدميها فيه البالغة 13.3 نهاية الفصل الأول من العام 2006 وفق جداول استخدام الانترنت في الشرق الأوسط وأفريقيا، ظلت في تنام متصاعد حتى 2008 لتقارب 14.6 بالمائة، عكسته الظروف الدراماتيكية المتزايدة التي مر بها الوطن الصغير من حروب ومناكفات سياسية وتشنجات أمنية، ما يزال يرزح تحت وطأتها ما يربو عن أربعة ملايين مواطن.

"ولعل المرحلة الوحيدة الذي تحول فيه المدونون اللبنانيون إلى طرف فاعل كانت إبان حرب تموز 2006 بحيث أصبحوا ناشطين سياسيين بل مناضلين ومحاربين افتراضيين في سبيل لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي إن من خلال الحملات التي قادوها باتجاه العالم الخارجي أو من خلال حملات التكافل لمساعدة النازحين"، كما وثقت "السفير"؛ إلا أن المرحلة التي تلت الحرب من نهوض مبكر وإعادة إعمار، والتي طالت مختلف المناطق اللبنانية التي تعرضت لهمجية الآلة الحربية الإسرائيلية، مخلفة عشرات آلاف الوحدات السكنية والإنتاجية بين مدمرة تدميراً كاملاً أو جزئياً، ومعاناة يومية، لم تنعكس، ولم تحضر بتفاصيلها، وجزئياتها على صفحات المدونين اللبنانيين.

يعود ذلك إلى التمترس السياسي الأمني الحاصل في البلاد ما قسم المواطنين اللبنانيين، والمدونين منهم، نفسياً بين موال ومعارض؛ فغدت المدونات متاريس شبيهة بالنقاشات اليومية الدائرة على شاشات الـ "توك شو".. خاصة عقب الأحداث الأمنية من تفجيرات واغتيالات جرت خلال العام الفائت، بين مدافع عن رأي زعيمه السياسي مبرراً لأخطائه وهفواته، وبين مهاجم لزعماء آخرين... يصل فيها بعض المدونين إلى الشتائم المباشرة، حيث لا حدود للتهجمات ولا ضوابط.
إذاً، ما هو واقع المدونين اللبنانيين؟ وما الذي يجعل التدوين اللبناني متفاعلاً مع الأحداث الدائرة غير منتج لها بعد مسيرة ثلاثة أعوام من حركة التدوين الناشطة بشكل عام في العالم العربي؟ وما هي حدود المساحة الشخصية المعبرة عن قضايا تهم الشاب المدون نفسه، من خلال التجربة اللبنانية، متضمنة همومه؟ يحاول هذا العرض ملامسة أجوبة وسطية لهذه الأسئلة من خلال المجتمعات التدوينية التي يقبل عليها الشباب اللبناني.

الحرية النسبية

لم يتعد التدوين اللبناني عتبة "الإعلام الشخصي" إلى "الإعلام المشارك"، ويرد ذلك إلى الفلتان الإعلامي الذي يشهده لبنان منذ اغتيال الرئيس الحريري في فبراير 2005، حيث تتمترس الطوائف خلف محطات مرئية محلية وفضائية، وخلف الصحافة المسموعة والمكتوبة اليومية، مقدمة سيلاً هائلاً من المعلومات المختلفة والمتناقضة، أحياناً، حول الأحداث نفسها، ومما يزيد الطين بلة انهيار الأعراف الخلقية الإعلامية التي كان يعمل بها قبل 2005، في ظل عدم التزام واضح بالمواثيق الإعلامية. لكن الملفت أن الشباب اللبناني، إلا فيما ندر، لم يضمن أفكاره اليومية على صفحات مدوناته، همومه المتمثلة بالهم المعيشي، والبطالة والهجرة المتزايدة، والتخوف من الواقع الأمني المزري، وغياب القوانين المنصفة بحقه كشريحة كبيرة من المجتمع لا تحظى بحقوق سياسية، لا سيما فيما يتعلق بخفض سن الاقتراع والترشح إلى الندوة البرلمانية. بل سارع إلى تبني وجهات نظر أمراء الطوائف المتناحرين على المنابر عاكساً خطاباتهم المتشنجة، وشتائمهم المتبادلة حيناً، ومستميتا في الدفاع عن آرائهم المتغيرة مع كل طارئ إقليمي أو دولي أحياناً أخرى. فالمدونة لم تعد تقدم مادة إعلامية مشاركة، كون كل ما يمكن أن يقال يكون قد قيل فعلاً في الإعلام الطائفي - المناطقي.

حركية التدوين

يشعر معظم الشباب اللبناني بشكل عام بأمان نسبي ضمن الطائفة أو المنطقة، ما يجعل الهموم الاجتماعية التي يعاني منها في آخر سلم الأولويات، فينطلق من خلال المسارات الطائفية والتبعية الضيقة لحل بعض مشاكله الآنية من خلال الواسطة وأزلام الزعيم الذي ينتمي إليه. حيث الزعيم دائماً على حق، يتلقف الشباب الطائفي كلمات الزعيم ليحفظها ويدافع عنها من دون تحليل نوعي، ويعمد السياسيون المحتمون ببركة رجال الدين عادة، بتفسير مواقفهم بشكل مرتجل غير علمي، معتمدين على الفئات الشعبية التي تحتشد تحت منبرهم في هذه المناسبة أو تلك، متحدثين باسمها، ومراهنين على ولائها المطلق لشخصهم. من هنا شكلت كل طائفة ديكتاتوريتها المستقلة نفسياً، لتتآلف الطوائف اللبنانية الكبرى في صيغة سميت بديمقراطية الطوائف التوافقية، والتي نشهد تداعيات أزمتها المستمرة منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الحريري، وما تبعه من عشرات الأحداث الأمنية التي رافقها صدامات شبابية بين الموالاة والمعارضة أسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين. في ظل هذا الواقع، يرضى معظم الشباب اللبناني بالسقف الفكري الذي رسمه زعماء المعارضة والموالاة لمناصريهم.. فالمدون المعارض بعد أن يسوّق "لمظلومية المعارضة ومطالبها المحقة بالمشاركة في الحكم بنسبة تمثيلها في البرلمان 45 بالمائة" و"الانتصار العظيم الذي حققته في وجه العدو الإسرائيلي إبان حرب تموز 2006 التي سميت بالحرب السادسة"، ينطلق إلى وصف الآخر بالعمالة للمشروع الأمريكي في المنطقة ولا يأبه بحقيقة "الشراكة" التي يطالب بها. بينما يقف المدون الموالي على حد النقيض، فبعد أن يتهم "المحور السوري – الإيراني بالقضاء على جميع أشكال الديمقراطية في لبنان، وخاصة المطلب المشروع بالحقيقة حول اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتعطيل المحكمة الدولية"، و "اتهام المعارضة وأزلام سوريا بالتسهيل لسلسلة التفجيرات والاغتيالات التي تمت في لبنان"، و "اتهام المعارضة بتعطيل الدورة الاقتصادية من خلال التخييم وسط البلد"، نجده ينطلق إلى التخوين المباشر في "تبعية المعارضة للنظام السوري"، الذي يراه سبب كل الأزمات التي يمر بها لبنان. إذ تكفي جولة متفحصة للمدوات اللبنانية على "مكتوب"، الذي يقدم نفسه على انه المجتمع العربي الأكبر على الشبكة، وعلى الـ "بلوج سبوت" الذي يحظى بانتشار لا بأس به في لبنان.. وغيرها من المواقع لملامسة هذه الحقيقة الواضحة.
لكن بعض المدونين، وهم قلة، استطاعوا أن يخرقوا هذه الصورة النمطية للشاب اللبناني جاعلين من مدوناتهم نافذة شبه يومية، ومتنفساً شخصياً، للإطلالة على الواقع كما يرونه، باثين من خلالها همومهم وتطلعاتهم بالكلمة والرسم والصورة. وهم يقدمون بذلك صورة مشرقة لمدون متفاعل محايد يستطيع أن ينتج مادة شيقة يتم التفاعل معها، خاصة من خلال التعليقات والردود، ويكون على أهبة الاستعداد للتواصل مع المدون العربي كما تظهر عيون المدونات بشكل يومي. لكن هذا المدون لم يستطع أن ينطلق إلى رحاب التدوين الحر إلا بعد أن تحرر من القيود؛ ولم يستطع فعل ذلك من دون أن ينزع عنه جلباب الطائفية والمناطقية والتبعية الضيقة.

قضايا الشباب

على الرغم من تنامي قدرات الأجهزة الأمنية المخابراتية اللبنانية في السنتين الأخيرتين، وملاحقتها لكثيرين من "المخلين بالأمن" خلال الأحداث الأليمة التي زُج بها الشباب اللبناني في الشارع ووصفت بـ "أعمال الشغب"؛ إلا أنه يبقى من المستبعد أن تقوم هذه الأجهزة بتوقيف مدوّن ما لأنه شتم زعيماً أو تهجم على حزب، أو على مجموعة أو طائفة. فيما لم يستطع المدونون الشباب من لملمة مطالبهم لتشكيل قضية يمكنهم المدافعة عنها، فلم تكن هناك من حاجة لتشكيل رابطة، أو نقابة، أو أي شكل من أشكال التجمع الهادف إلى مناصرة القضايا الشبابية الاجتماعية الملحة بين المدونين. تبقى مناصرة الشباب لقضاياهم معلقة على رغبة الزعماء السياسيين، ويبقى المدون اللبناني الشاب في الأعم الأغلب منفعلاً لا فاعلاً، بعيداً عن الانتاج، حيث المدونات اللبنانية صورة عن الانقسامات السياسية.. لا صورة عن هموم وهواجس الشباب المنتظرين طوابيراً على أبواب السفارات رغبة بتأشيرة في الخارج وفرصة عمل.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأونروا تنشر فيديو لمحاولة إحراق مكاتبها بالقدس.. وتعلن إغل


.. د. هيثم رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة




.. الأمم المتحدة: نزوح نحو 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية منذ بدء


.. إيطاليا: هل أصبح من غير الممكن إنقاذ المهاجرين في عرض المتوس




.. تونس: -محاسبة مشروعة- أم -قمع- للجمعيات المدافعة عن المهاجري