الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


6 أبريل على بوابة الأمل

رمضان متولي

2008 / 4 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الدعوة لإضراب عام يوم 6 أبريل ترددت أصداؤها في مختلف أنحاء مصر، وهذا في حد ذاته أول مكسب حققه الإضراب قبل بدايته، لقد حقق مكسبا رمزيا يتمثل في الإعلان عن حالة الغضب الشعبي العام في أوساط الفقراء إزاء الأوضاع المتردية التي بلغتها البلاد، في وقت تهلل فيه الحكومة لنجاحاتها الاقتصادية التي أدت إلى اتساع الفجوة بين الطبقات مع تزايد ثروة الأغنياء وتدهور أحوال الفقراء.
المكاسب الأخرى قد يصعب تحقيقها، مثل ضمان المشاركة الواسعة في الإضراب، أو تحقيق أهداف أوسع من المطالب الخاصة بعمال المحلة بوجه خاص وبعض الفئات الأخرى على وجه العموم والتي يمكن أن تتحقق أو لا تتحقق. وذلك نظرا لعوامل كثيرة، أهمها على الإطلاق ضعف القدرات التنظيمية وتدهور أوضاع النقابات والأحزاب السياسية وعجزها، علاوة على غياب أكبر تنظيم معارض في مصر – الإخوان المسلمين – عن المشاركة في الإضراب ناهيك عن تنظيمه.
ولعل قيادات الإضراب كانوا مدركين لهذه الجوانب عندما التمسوا أوسع قدر من المشاركة عبر دعوة المواطنين إلى القعود في البيت على الأقل في محاولة لطمأنتهم بأن القعود في البيت لن يجر عليهم نتائج المقاومة التي قد لا يطيقون تحملها. وربما يكون ذلك ناتجا عن مراعاتهم لمشاعر اليأس والخوف من البطش وعدم ثقة الجماهير في قدرتها على إحداث أي تغيير. على الأقل تحقق المكسب الرمزي بالإعلان عن الغضب وأن هناك على الأقل مقاومة من نوع ما وأن هناك أساليب ما يمكن بها المقاومة.
ومع ذلك يبقى أن المشاركة بالانتقال إلى مواقع العمل والإعلان الصريح عن الإضراب في هذه المواقع أو من خلال التظاهر تضامنا مع الإضراب، هي الأقوى والأكثر فعالية، لأنها تمثل التجربة التي يمكن من خلالها للجماهير أن تكتشف قدراتها وأن يتطور وعيها وتنظيمها لأنفسها حتى تتمكن من الانتصار في معاركها المقبلة، وتتغلب على الوعي الزائف الذي يجعلها ضحية لمشاعر اليأس والخوف بالمعنى السلبي لذلك. فمن خلال التجربة، تزول الحدود الفاصلة بين اليأس والأمل، ويتحول الخوف وعدم الثقة إلى شجاعة وإقدام.
فالأمل واليأس والشجاعة والخوف … ثنائياتان نصنفهما في قاموسنا اللغوي على أساس أن قيمتي الأمل والشجاعة من القيم "الإيجابية" وأن قيمتي اليأس والخوف من القيم "السلبية"، لكن مضمون هذه القيم قد يختلف ويتحول إلى العكس تماما في سياقات معينة. هذا على الأقل ما نستطيع رصده حاليا في العلاقة بين السلطة وبين فقراء الشعب المصري. فقد تحول يأس الفقراء وفقدانهم الأمل في رغبة السلطة وقدرتها على ضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم إلى قوة إيجابية دفعتهم أخيرا إلى المواجهة. هكذا حاول عمال المحلة وموظفو الضرائب العقارية وغيرهم استجداء حقوقهم عدة سنوات وكانت السلطة تصم آذانها عن صراخهم ورجائهم، بل وتستفزهم أكثر باتخاذ سياسات أدت إلى مضاعفة معاناتهم. كان صراخهم ورجاؤهم طوال هذه السنوات يقوم على أمل ضعيف في أن يلين قلب السلطة وأن تعطف الإدارة، لكن يأسهم من ذلك دفعهم إلى المواجهة من أجل الحصول على حقوقهم المهدرة، وكان هذا اليأس قوة إيجابية دفعتهم إلى السبيل الوحيد الذي يمكنهم من تحقيق مطالبهم، فيما كان الأمل الكاذب قوة سلبية أقعدتهم وغيبتهم زمنا طويلا حتى استفحلت المأساة.
كان اليأس من أسلوب الاستجداء أيضا قوة إيجابية في فتح الأبواب لأمل من نوع جديد، فالمواجهة لم تكن كارثة كما كانوا يعتقدون، ولم يكن تجنبها يستحق الصبر على كل هذا البلاء – من انخفاض الأجور وتدني مستوى المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار وإهدار حقوقهم وكرامتهم أمام أبواب المسئولين الموصدة. ولابد أن نعترف أنهم لم يكونوا واثقين من نتائج تلك المواجهة، بل ربما كانوا يتوقعون أن ترسل إليهم السلطة جحافل الأمن المركزي وضباطا تدربوا على احتقار الرحمة وعلى التعالي على الفقراء لتعويض ما يعانونه من ذل أمام السلطة وضعف أمام الأثرياء النافذين.
لكن خوف هؤلاء الفقراء من تدهور أوضاعهم أكثر وضياع مستقبلهم ومستقبل أبنائهم كان أقوى من خوفهم من السلطة وجيوشها، ومن بطش الإدارة وعنادها، فكان هذا الخوف قوة إيجابية دفعتهم إلى المواجهة واكتشاف مساحات أخرى تستطيع فيها الإرادة والقوة أن تؤتي ثمارا لا يحلمون بتحقيقها من خلال الاستسلام والضعف.
هنا أيضا نستطيع أن نكتشف الجانب السلبي من قيمة الشجاعة – بالمعنى المجرد للكلمة – مقابل الجانب الإيجابي من قيمة الخوف – عندما تدفع الإنسان إلى المواجهة. فالشجاعة عادة تعتمد على فهم واضح للخطوة التالية، تعتمد على توقع النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الإجراء أو ذاك. ولأن الفقراء، الذين خضعوا تحت نير القهر والاستبداد سنوات طويلة، غالبا يتوقعون شرا مستطيرا عند مواجهة أصحاب السلطة والنفوذ، فإن شروط الشجاعة تصبح قيدا ثقيلا في أقدامهم، وهم غالبا ما ينظرون إلى بطل المأساة الذي يواجه السلطة ويلقى على يديها الويلات كبطل يتسم بقدرات أسطورية وتحرسه قوى جبارة، وعادة ينتصرون له في أحلامهم دون أن يفكروا يوما في الاقتداء به – فالشجاعة التي تدفع إلى التهلكة قيمة خرقاء، والخوف صبر مستحب على البلاء.
غير أن هذه الأفكار جميعها تنقلب رأسا على عقب عندما يؤدي الخوف من استفحال البلاء وفقدان الأمل من أسلوب الاستعطاف والاستجداء إلى الإقدام على المواجهة دون أن يدرك هؤلاء الفقراء ماهي الخطوة التالية ودون أن يفكروا في النتائج المنتظرة لهذه المواجهة. وعندها يكتشفون في أنفسهم قوة حقيقية أشد حسما وأعظم أثرا من القوى الأسطورية التي ينسبونها إلى أبطال الملاحم الشعبية ويكتشفون قدرتهم على الانتصار لأنفسهم انتصارا حقيقيا على أرض الواقع.
ليس معنى ذلك أن الشجاعة والأمل قيمتان سلبيتان، ولا أن اليأس والخوف قيمتان إيجابيتان على الإطلاق، بل معناه أن الشجاعة تولد أحيانا من رحم الخوف، وأن الأمل يتفجر من آبار اليأس المظلمة عندما يتعلم الإنسان بالتجربة – مهما كانت قسوتها – أنه يستحق حياة أفضل وأنه قادر على الفوز بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة