الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام القبض على الدكتاتور9 النجاسات الثلاث

حمزة الحسن

2003 / 12 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حين يتمسك الفقيه والدكتاتور والشيخ والزعيم الهرم والمقاول بحرفية اللغة ـ تحت شعار المقدس ـ فليس هذا التمسك بريئا بل لأنه يؤسس حالة الثبات وديمومة الأحوال واستقرار الأوضاع.

فالدكتاتورية، في السلطة أو في الحزب، في المجتمع أو في الثقافة، داخل الفرد، أو في المؤسسة، تتأسس على  النجاسات الثلاث التالية التي تحمل، زورا، معنى المقدس:

النجاسة الأولى:
وهم قدسية اللغة. وهذا الوهم يعني من بين ما يعنيه أن كل ما يقوله الزعيم أو التقرير السياسي أو الحزب أو المؤسسة أو القائد الملهم هو صحيح لا يأتيه الشك ابد الدهر. والقداسة في السياسة هي نجاسة علنية لأن اللغة هي نشاط بشري، احتمالي، أفق، مناخ للتفكير، اتفاق، تصور، إدراك، مقاربة، اقتراب من الواقع وليس الواقع ولا يمكن أن تكون بديلا عنه، بل هي علامة وإشارة، وأنه بعد فوات الأوان ـ حسب نيتشة ـ أدرك الناس خطأ الإيمان المطلق والحرفي باللغة، واليوم تأتي فلسفة الاختلاف لتؤسس تصورا مغايرا عن العالم قائم على التعدد والتنوع والثراء والاختلاف العضوي، أي وحدة المختلف.

لا تكتسب التفسيرات السياسية معنى مطلقا أبدا إلا عن طريق الفرض والإكراه والقمع والقوة. فما هو صحيح اليوم قد يكون غير صحيح غدا، واللغة وجود مستقل عن الواقع وهي تدل وتشير وترمز ولا تحدد: إنها أفق للتفكير وليست سجنا، موجة وليست ساحلا، علامة وليست طريقا.

وضع اللغة السياسية ـ والكارثة اللغة  الأدبية ـ في مستوى المقدس يعني تحويل اللغة إلى فقه، وتحويل السياسي إلى ولي صالح على صورة جديدة.

النجاسة الثانية:
هي نجاسة الماضي المقدس. وهذا الوهم هو الابن الشرعي للوهم السابق ، أي وهم قداسة اللغة: فالماضي لا يصبح مقدسا إلا من خلال لغة تمنحه هذا الحضور الأسطوري، وتجعله، كاللغة، متعاليا على التاريخ، وفوق الفحص، والتغيير، أي انه الماضي الذي  يكون حاضرا في اللغة لا في الواقع، لأن عودته الحرفية والفعلية مستحيلة عمليا. إن حوار الماضي هو البديل عن التبجيل الغبي الذي يسيء إلى الماضي والحاضر والمستقبل.  

النجاسة الثالثة:
هي نجاسة وهم امتلاك الحقيقة.
وهذه النجاسة ـ ليس الأمر مصادفة ! ـ هي من نتاج الوهم الأول كذلك: وهم اللغة المقدسة. فلا شيء، لا أحد، لا فكرة، تكتسب معنى المقدس بدون لغة.

وملاك الحقيقة لا يعرّفون الحقيقة التي يمتلكون ولا يصفونها، في خلط مريع بين حقائق تحمل صفات متناقضة: فالحقيقة الاجتماعية، مثلا، متغيرة، نسبية، ولا يمكن قياسها بالحقيقة الأدبية والثقافية لأن لهذه قوانينها المختلفة، وهذه الحقائق تختلف عن الحقائق العلمية، وحتى هذه متغيرة من زمان إلى آخر، ومن مكان إلى مكان أو في كواكب أخرى.

إن وهم امتلاك الحقيقة السياسية على نحو خاص هو عاهة أخلاقية وجريمة عقلية تقود المجتمع والدولة  إلى كوارث لا نهاية لها: إن ما يعرف ( بالحقيقة السياسية) هو وهم مضحك لأن السياسة هي فن صراع المصالح دون الوقوع في الاحتراب المدني الذي يؤججه وهم امتلاك الحقيقة، كما أن السياسة هي التنافس المشروع والراقي لأفضل الخيارات في مناخ القانون العام.

إذن فإن ملكية الحقيقة ستقود إلى نفي الآخر، نفي الطبقة، نفي الشريحة، ثم نفي المجتمع، والوقوع حتما في الفاشية أو في الحيازة المطلقة وهذه هي الدولة الدكتاتورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي