الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسعير في النهج الاقتصادي الاسلامي

معزز اسكندر الحديثي

2008 / 4 / 7
الادارة و الاقتصاد


التسعير في اللغة:
مصدر سعر وهو تقدير السعر وتحديد أثمان الأشياء(1 ).
التسعير في الاصطلاح الشرعي:
هو فرض الدولة الأثمان العادلة للسلع قطعاً لجشع التجار(2 ).
الحكم الشرعي للتسعير:
اختلف الفقهاء في الحكم الشرعي للتسعير على قولين الاول : عدم جواز التسعير .
القول الثاني : جواز ذلك .
ذهب اكثر الفقهاء ومن مختلف المذاهب الى القول الاول، ولاجل ان نعطي البحث حقه سنختار بعض العلماء لنرى ادلتهم في ذلك .
ذهب الشيخ ابو اسحاق الشيرازي(3 ) (ت 476هـ ) إلى أنه لا يحل للسلطان التسعير استدلالاً بما رواه أنس () قال: "غلا السعر على عهد رسول الله () فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال"(4 ).
ومن هذا الحديث استنبط الفقهاء تحريم التسعير ولا يجوز لولي الأمر أو من ينوب عنه التدخل في تحديد الأسعار والناس أحرار في بيعهم وشرائهم وفي تصرفاتهم المالية والتسعير فيه مظنة الظلم عليهم ولما رفض رسول الله () التدخل لتحديد الأسعار فلا يحق لأحد بعده أن يفعل ما أمتنع عنه رسول الله () ، وعلى ذلك نهج اغلب فقهاء الشافعية.
والتسعير هو أن يأمر الحاكم أو نوابه أهل السوق إن لا يبيعوا السلع إلا بسعر معين فيمنعوا من الزيادة عليه حتى لا يغلوا الأسعار أو ينقصوا عنه حتى لا يضاربوا غيرهم أي يمنعون من الزيادة أو النقص عن السعر المقرر لمصلحة الناس(5 ).
وقال الشوكاني(6 ) (ت 1255هـ): "وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وإنه مظلمة ووجهه إن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن".
وذهب ابن قدامة(7 ) (ت 630هـ) إلى أن في حديث أنس المتقدم دلالتين، الأولى: إن النبي () لم يسعر وقد طلب منه الناس ذلك ولو جاز لأجابهم إليه، والثانية: إن النبي () علل عدم إجابة الناس إلى التسعير كونه مظلمة والظلم حرام ولأن المال مال البائع فلا يجوز منعه من بيعه بما تراضى به العاقدان.
وهذا قول اغلب فقهاء الحنابلة.
وذهب الطوسي (ت460هـ) من الإمامية إلى أنه لا يجوز للإمام ولا لنائبه أن يسعر على أهل الأسواق متاعهم من الطعام وغيره سواء كان في حال الغلاء أو في حال الرخص بلا خلاف(8 ).
ومع أن أكثر الفقهاء قالوا بحرمة التسعير إلا أن هناك من قال بجواز التسعير في حالات معينة تستوجب دفع الضرر عن الناس.
ذهب الحنفية إلى حرمة التسعير إلا إذا تعين دفعاً للضرر العام(9 ) وهذا ما صرح به السمرقندي (ت 539هـ) ، وهذه إشارة إنه يجوز للإمام التسعير في حالات معينة يتحقق فيها دفع الضرر عن الناس.
ويتبين أن في التسعير ما هو ظلم لا يجوز وفيه ما هو عدل جائز فإذا تضمن التسعير ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب مثل إن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروضة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل فيجب أن يلتزموا بما الزمهم الله به(10 )، وهذا ما قال به ابن تيمية (ت 728هـ ) وابن قيم الجوزية (ت 751هـ).
ومن صور التسعير الجائز مثل أن يحتاج الناس إلى أرباب الصناعات كالفلاحين وغيرهم فيجبروا على ذلك بأجرة المثل وهذا من التسعير الواجب فهذا تسعير في الأعمال وإما التسعير في الأموال فإذا احتاج الناس للسلاح في الجهاد فعلى أربابه أن يبيعوه بعوض المثل ولا يمكنوا من حبسه إلا بما يريدونه من الثمن والله تعالى أوجب الجهاد بالنفس والمال فكيف لا يجب على أرباب السلاح بذله بقيمته(11 ).
وقال ابن الجوزي(12 ) (ت 597هـ): "لا يجوز التسعير وقال الامام مالك (ت 179هـ) يجوز أن تقول لمن حط سعراً إما أن يلحق بالناس أو ينصرف عنهم".
روي "أن عمر بن الخطاب () مر بحاطب بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيها زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين لكل درهم فقال له عمر () قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً وهم يعتبرون بسعرك فإما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره فقال له أن الذي قلت ليس بعزمة مني ولا قضاء إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع"(13 ).
(1 ) ابن منظور، لسان العرب، 4/365؛ الزبيدي، تاج العروس، 3/267.
(2 ) قلعجي، لغة الفقهاء، ص/130.
(3 ) المهذب، 1/386.
(4 ) الترمذي، السنن، 3/605، واللفظ له؛ أبو يعلى، المسند، 5/245؛ عبد الرزاق، المصنف، 8/205؛ أحمد، المسند، 3/286؛ الشيباني، الآحاد والمثاني، 5/202؛ الطبراني، المعجم الصغير، 2/59.
(5 ) الزين، سميح عاطف ، الثقافة والثقافة الإسلامية، ص/114.
(6 ) نيل الأوطار، 5/335.
(7 ) المغني، 4/281.
(8 ) الطوسي، المبسوط، 2/196.
(9 ) السمرقندي، تحفة الفقهاء، 1/235.
(10 ) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 28/ص ص76-77؛ ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص/356.
(11 ) ابن قيم الجوزية، الطرق الحكمية، ص/367.
(12 ) التحقيق في أحاديث الخلاف، 2/197.
(13 ) البيهقي، السنن الكبرى، 6/29، واللفظ له؛ الحاكم، المستدرك، 4/122.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة غلاء المعيشة في بريطانيا تجعل الناس أكثر قلقا بشأن أداء


.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج




.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب


.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024




.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن