الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصحاب المواقف لا يموتون الا وقوفا

صابر الفيتوري

2008 / 4 / 9
الادب والفن


ما يجعل من الأدب قريباً من الناس ، هو اقترابه من أحلامهم ، وتجسيده لمعاناتهم ، بصدق دونما تدجيل ، او ابتداع مبالغ فيه، بعيدا عن الحقيقة، فكلما اشتط المبدع به الخيال بعيدا عن الواقع ، وغاصت به شجونه إلى البعيد ،تحول دون ان يدري، إلى كائن مفقود الهوية، مجهول الملامح ، غريب الشكل، مريب الهدف ، لان معني الإبداع الحقيقي، يكتمل بتواصله مع الآخرين، وإذا انقطع التواصل مع المتلقي، الذي يمثل الآخر، ولم يجد من يعبر عنه،وعن وإنسانيته، وأحس بالتعالي الموجه ضده، فانه سيفكر بقطع أي علاقة تربطه بصانع هذا الأدب، ولذا من الأجدى ، ان يوجه المبدع خطابه إلى القارئ، وفق الالتزام ، والاحترام، لا ان يركب برجه العاجي ، ويتحدث من علو مرتفع، كي لا يسمعه احد، ولا يحقق أي من أهداف الإبداع ، وأهمها التفاعل بين الطرفين، وتقديم الأمثلة الناصعة ، التي من شانها ان تزكي في النفس حيثيات التفاؤل،تقاتل من اجله ،تهاجم المرض، التخلف، الانكسار، وتدافع عن أمانيه باستماتة، وتحل بالمعرفة محل الجهل، فيعرف ما خفي عنه، وهي بهذا تؤسس لرؤية للغد الباسم المشرق المضيء ..
والتاريخ يثبت لنا ، ان من استطاع تحقيق موازنة هذه المعادلة ، أكد جدارته ، و لم يمحى من اسطر الذاكرة , إنما استمر وعزز حضوره، وتجاوز بتفاعله مع جماهير المتلقين النطاق الضيق إلى قمة التألق . فهو صادق، شفاف ، اختار أجمل العبارات، وأروع قول، يصف به أهلاه، بلاده ومشاغله اليومية .
انحاز كليا لهم ،قدمهم بصورة يرضون عنها , وان اضطر إلى سوق نموذج معاكس ، فأنها لحظية، وحينها يدرج نفسه وإبداعه ضمن حالة مستهجنة، ليست ذات قبول ..
الآمر الذي يجعل من أصحاب المواقف الخالدة لا يموتون الا وقوفا نظرا لما يتمتعون به ، من نظرة ثاقبة اتجاه المستقبل ، وهم بدورهم يسلمون الراية لأجيال قادمة، استمدت من مواقفهم الخيرة الزاد والمداد ، حيث تتوارث الأجيال القيم التي تبني ، تعتز بإرثها ،جيلا بعد جيل , ذاك هو معني الوجود والتأثير الايجابي في محيطها لا الوجود علي الضفاف بلا معني ..
لكن كيف يحدث هذا التلاحم ؟ وكيف يستطيع المبدع ان يكون صوتا لواقعه معبرا عن تطلعاتها المستمرة للخلاص من أزماتها الإنسانية ؟
لا يتبادر إلى الأذهان رفض الأدب الحالم، أو الذي يحاول ان يمثل نقدا للحاضر عبر استخدام الأسطورة ، او ما استخدم الخيال في رصد إسقاط علي الواقع، انما المقصود هو ذلك الأدب البرجوازي الذي أنساق إليها بكل أسف حتي بعض الكتاب الذين لا ينتمون إلى الطبقة البرجوازية ولا هم منها ، محاكين أدب هو نتاج معاكس للواقع ، بهدف صناعة صدمة الصدمة ، التي تخلق متعة في الفراغ، فيصورون مشاهد بشعة، وينادون بالانحراف ، وفي الا وعي أحيانا، ولا تتضمن أعمالهم أخلاق مجتمعاتهم، وبذلك هم يبرزون الجانب المظلم في مجتمعهم، عوضا علي ان يكون هدفهم البناء، ورصد ملامح الجمال، وإصلاح ما هو سيء ،عبر النصح لتلافي الآمر المشين الذي التصق بالمجتمع،نتيجة العادات الباقية من زمن الظلمة والاستعمار ،هكذا يكون المبدع علي اختلاف وسائل تعبيره، مقتنصا التفاصيل الجمالية..
لان تناول الشأن الاجتماعي أو الاقتصادي إلى الخ ، بالنقد هي من اختصاص الصحافة ، وليست من مشاغل الأدب، فلكل منهما وجه، و طرق عرضه، لكنا نشاهد تداخلا، أقحم الأدب بين صفحات الصحف، رغما عنه ودون أرادته ..
انه لا من غير المعقول تقديم صورة مشوهة عن الواقع ،دون خجل، وما تقديم نماذج تتطاول علي حقوق الإنسان، تستهين بالأديان،وتصدر الألفاظ النابية دون حياء، إلا حالة مستهجنة ، فما الغاية في ان يكون مثل هذا النموذج السيئ موجود أصلا ؟
أ ليس من الأجدى اعتماد نماذج بينها وبين محيطها عشق وتؤمه ،صوتها نفاذ ،صادح بحب الجميع ،كذلك لما لا يكون بطل هذه الروايات شهما لا يفرط في وطنه وان أعطى مال قارون، بدلا من بوهيمي مقزز يرسخ ظاهرة غير مألوفة ، بحجة النزوع إلى التجديد أو الاختلاف او التعامل مع الواقع بما فيه ، فذلك ليس من الأدب في شيء حتى ان صار لغير العارفين أدبا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشار مراد يكسر التابوهات بالغناء • فرانس 24 / FRANCE 24


.. عوام في بحر الكلام-الشاعر جمال بخيت يحكي موقف للملك فاروق مع




.. عوام في بحر الكلام - د. أحمد رامي حفيد الشاعر أحمد راي يتحدث


.. عوام في بحر الكلام - الشاعر جمال بخيت يوضح محطة أم كلثوم وأح




.. عوام في بحر الكلام - إلهام أحمد رامي: أم كلثوم غنت في فرح با