الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبراهيم الدسوقي عبد السلام - قصة قصيرة

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2008 / 4 / 8
الادب والفن


" عفت " كما كان يعن للبعض أن يناديه باسم ابنه الأكبر ، أو " الخواجة " ، وذلك لارتدائه برنيطة لسنين طويلة ، والحق أنها كانت متمشية مع وجهه الشديد البياض المشرب بالحمرة ( ولسبب آخر هو معاقرته للخمر ) .

والحق أنه لم يكن أبدا ً مدمنا ً لها ، فلم أره ولم يره أحد في مرحلة الهذيان والسكر المفرط ، ولكنه كان يحتسي القليل منها ، ولكن لأن الرجل كان ظاهره كباطنه فلم يكن يخفي من أمره شيئا ً .

كان مثقفا ً ثقافة تأخذ بلبك ,, فلا تكاد تتخيل أن هذا البقال بائع الجبن يحمل كل هذا الكم من المعلومات الأكاديمية في جوانب حياتية شتى .. فهو منظر للفكر الاشتراكي ويستطيع الانتصار للمكاسب التي حققتها ثورة يوليو على يد طيب الذكر " جمال عبد الناصر " ، ولكن لأنه كان موضوعيا ً وبصفته شاهد على عصر عاشه كان يحكي بتوثيق عن تجاوزات السلطة في عهده وانتهاك الكثير من الحريات .

سألته مرة : " عم إبراهيم .. أبوك اسمه الدسوقي ؟ " .

- " لا .. ذاك اسمي فقط .. سماني أبي إبراهيم الدسوقي تيمنا ً بسيدي إبراهيم الدسوقي وكان رحمه الله يطمع أن أكون عالما ً أزهريا ً ببركة ذلك الاسم " .

- كان قلبه مشتعلا ً بالحب للدنيا ، ولذا كان يحرص دائما ً أن تظل له ليلاه حتى لو كانت ليلى متخيلة ، وكانت " نفيسة " هي ليلى مخيلته .. وهي فتاة بضة بيضاء في منتصف الثلاثينيات في ذاك الوقت ، وكان ينتظر مرورها صباحا ً عليه وهي ذاهبة لعملها في أحد محلات تصوير الفيديو ذائعة الصيت آنذاك ... فإذا مرت أمعن النظر فيها ، وأودعها عظيم أشواقه في تنهيدة نارية محملة بعبارة " آآآآه يا نفيسة " .

- وكانت إذا غابت ينشغل بغيابها ،، ويظل موضوعا ً لتسامرنا حتى الصباح في محله " كانت مواعيد عم إبراهيم غريبة فقد كان يفتح محله بعد صلاة العشاء ويغلق في التاسعة صباحا ً ونجح في تعويد الزبون على تلك المواعيد " ويتخلل الحديث الضحك منه شخصيا ً على ما أغدق به خياله الخصب وعواطفه الجياشة من فعال .

كان شاهدا ً على حدثين من أهم الأحداث في القرن الفائت في تاريخ مصر .. فقد واكب نكسة 1967 ، ويحكي كيف كانت العسكرية المصرية تبالغ في قدراتها وقوتها ، وكيف تمت تعبئة الرأي العام المصري والعربي أننا في الطريق لمعركة قصيرة لا تلبث أن تنتهي بالدخول إلى تل أبيب واستعادة القدس وتطهيرها من الصهاينة .

وهكذا حكى عن لحظة النشوة والانكسار :

" كنت أجلس مع عبده السبعاوي نستمع إلى الراديو ، وبيانات سقوط الطائرات وقرب دخول الجيش المصري لتل أبيب ، وكنا نهلل ونقفز فرحا ً ، وفي لحظة هدأت البيانات وجاءت أغنية وطنية حزينة النغم شجية الكلمات لعبد الوهاب ، ثم مارشات عسكرية ، فقلت لعبده " ولا يا عبده .. الظاهر اننا ( اتخيطنا ) " .

وفعلا ً بدأت الأرقام الحقيقية للمعركة تظهر على استحياء .

ويكمل عم ابراهيم متأثرا ً " تظهر عظمة هذا الشعب في الكوارث .... فبعد إعلان الأرقام الحقيقية للنكسة لم تسجل في هذا اليوم أي حادثة سرقة أو مشاجرة ، بل ساد البلاد وجوم تام " .

وعن حادثة التنحي يسرد :

" قال البعض إن المظاهرات التي خرجت مطالبة عبد الناصر بالبقاء كانت مظاهرات مفتعلة ومنظمة من السلطة ، وهذا افتراء على المصريين ، لقد كان المصريون أذكياء بتلك المظاهرات فهي لم تكن حبا ً في عبد الناصر الزعيم الذي غرق الجميع من المحيط إلى الخليج في حبه وحضوره الطاغي فقط ، ولكن كانت نوعا ً من إلزامه بالمسئولية تجاه ما حدث واضطراره لتصليح ما فسد وكأن لسان الحال يقول " انت رايح فين وسايبنا نغرق " ؟؟


نسيت أن أقول إن عم إبراهيم رحمه الله قبل وفاته أقسم أن لا يقرب الخمر أو تمس شفاهه وقد كان ، وكان رحمه الله يكثر من ذكر المولى سبحانه ، ومات بشيبة صالحة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال