الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ والطبشورة

طارق قديس

2008 / 4 / 9
الادب والفن


على غير عادته ، دخل الأستاذ إلى الحصة دون أن يلقي على التلاميذ تحية الصباح . بدت ملامحه قاسية جداَ ، وعيناه شديدتي الاحمرار، وخطواته ثقيلة بعض الشيء ، فبدأ الطلاب يتهامسون فيما بينهم قائلين: (( أسكران هو ؟ )).

لم يطلب منهم إخراج كتب الجغرافيا، بل أخذ يكتب التاريخ في أعلى السبورة، ثم مضى يرسم بالطبشورة البيضاء خارطة الوطن العربي الكبير، حتى انتهى منها.
رفع أحدهم إصبعه للسؤال، وقال: أستاذ، هذه خارطة وطننا العربي ولكن أين الحدود ؟ إنها خارطة صماء ! فانتهره عندئذ قائلاً: عليك اللعنة ! هذا ما يجب أن نكون عليه يا فتى، أما الأشياء التي تعنيها ، فليس لها أي محلٍّ من الإعراب.

وقال آخر: ولكن ماذا نكتب عنها لو سئلنا في الامتحان؟ فاستدار نحوه وقال: أكتبوا " هذا ما جناه أبي عليَّ "، ثم رمى بالطبشورة عن بعدٍ إلى سلة المهملات.

انتهت الحصة، وخرج الجميع إلى الفرصة.

انتظر الطلاب أن يعود الأستاذ في اليوم التالي، ليمسح لهم ما رسم على السبورة، ويبدأ الدرس الجديد ، لكنه لم يعد !

إنتظروا يوماً آخر، انتظروا أسبوعاً، انتظروا شهراً حتى يعود ذات صباح، لكنه لم يعد، ولم يره أحدٌ منذ ذلك الحين.

وها هي الطبشورة قابعةً في مكانها لا تجد من ينتشلها من ذلك المستنقع، والكل يشير إليها بإصبع الإتهام ، وكأنها من تسبب في كل ما حدث.

وها هي السبورة على حالها منذ أن تركها رهينة الخارطة الصماء، تنتظر جرأة أحدهم حتى يأتيها بلا خوف، ويمسح تضاريس ذلك الحلم الوردي الجميل، الحلم الذي اختفى الأستاذ بعد أن رسمه بشكل مفاجئ، ولا يعلم أحدٌ تبعات مسحه عن السبورة، إذ أصبح كلًّ واحدٍ في المدرسة يتحاشى الاقتراب من الخارطة، خشية أن تحُلَّ عليه لعنة ذلك الرسم المشؤوم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن