الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنف تتوارثه الاجيال

توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)

2008 / 4 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


أرتبط التراث الشرقي بحكومات التفرد والتسلط حتى اصبح الامير والسلطان هو بطل بلا منازع بمروياتنا الشفاهية وثقافتنا الشعبية المتوارثةواصبح وعينا اللاشعوري المدرب على تلقين الطاعة والتربية الانضوائية يحاكي ويتمنى النهاية السعيدة لهذا الامير وذلك السلطان وعزز من هذه الصورة التاريخية غياب الروائي المحايد وتغييب الشهادة الرائية لمستويات الصراع الحقيقية والمحجوبة بقهر هذا السلطان وبطانته المأجورة الصراع بين الناس الناقمة على اوضاعها وبين هذا الامير وذلك السلطان وأدى هذا الحجب المتعمد لقصة الصراع المخفي بين السلطان ورعاياه ان ضاعت كثير من قصص البطولة والتضحية لابطال شعبيين منسيين وسط ضخب منجزات السلطان وسطوة قبضته القاهرة
توارثنا العنف جيلا عن جيل حتى تأصلت ثقافته في نسيجنا الاجتماعي واصبح لهذه الثقافة تقاليد واصول وثوابت من الصعب زحزحتها اومراجعتها او تنقية لاشعورنا الجمعي من شوائبها ونتائجهاالتدميرية
فلم يكن عنف السلطة وجبروتها واحيانا ساديتها الا تجل صارخ لهذه الصورة التي نقلتها الذاكرة الشعبية وتأبدت في اعماق لاوعينا الجمعي ولم تكن هذه السلطة الا ترحيل لعنف يشمل الدوائر الاجتماعية وحلقاتها ابتداءا من الحلقة الصغيرة والنواة الاولى وهي الاسرة الصغيرة التي ابتدأت بفاشية وسلطة الاب وانتقالا الى الحلقة الاكبر حيزا والاكثر تعددا في ممثليها الفاعلين كالمدرسة والدائرة والمصنع حتى اصبح مجتمعنا بجميع حلقاته في حركة محومة للعنف حلقة ترحل عنفها لحلقة اخرى
وبالتالي اصبح فضاؤنا الاجتماعي بكل مفاصله ومساحاته متسمما بهذه الافة السرطانية وفضاءنا غدا مولدا جاهزا لادوات عنفية ومناخا خصبا لاحتضان حالات الصراع الدموي
حتى بدات الحالة السادية والروح الذئبية لدى الانسان تجد مبرراتها ومسوغات وحشيتها في موروثات دينية ومباركات شعبية للدرجة التي لم يعد فيها التطابق بين الصورة الخيالية التي كان يمارسها ا سلطان المسلمين وامير المؤمنين برؤوس معارضيه التي يعمل منها اسطوانات حجرية يختلط فيها دماء الناس الابرياء بحجر العمارة التي ستخلد هذا الفاشي الدموي وسيكون اول تمرين للعنف لاجيال قادمة
ليس المهمة سهلة لمواجهة هذه الثقافة التي تمتد عميقا في ماضينا وتراثنا وحاضرنا وتكمن هذه الصعوبة بتعقب وترصد هذه الامثلة التاريخية الممجدة لصورة جبروت السلطة وساديتها الوحشية واعلان البراءة منها
وبالتالي السعي لصناعة ثقافة بديلة تعتمد الحب الانساني بين البشر دون تمايزات او فوارق والمحاولة الجادة باللحاق بالتراث المدني للدولة المعاصرة التي ازدهرت نماذجها المتقدمة في الدولة الاوروبية المعاصرة
فاذا كان معيبا علينا ترحيل تاريخ الفاشيين ومافعلوه بمعارضيهم من صور التقتيل وتقطيع الاجزاء البشرية
والاحتفاظ بها في خزائن خاصة للتباهي والزهو بها في مواسم الاعياد والمناسبات الوطنية فانه ليس من المعيب ان نرحل او نجسر العلاقة مع ثقافات الشعوب المعاصرةوترحيل ثوابت المدنية وقيم التعايش واحترام الحوار والخصوصيات الانسانية لجميع البشر ما دامت هي الاسرار التي جعلت اامما تتقدما كاممهم واخرى لازالت تجد في نحر الانسان وقطع راسه وسيلة لبلوغ الجنة او مجدا من الامجاد التي تستحق ان تتباهى به وتقيم لاجله الاحتفالات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلفته 3 ملايين دولار.. حفل زفاف -أسطوري- في الإهرامات


.. ماكرون يحذر: خطر الموت يداهم أوروبا ونحن لسنا مجهزين لمواجهة




.. الرقص على تيك توك.. إقبال يتعارض مع -التحفظات الاجتماعية-


.. ما مدى تأثير تيك توك على الشباب؟




.. ماهي معايير السعادة التي يبحث عنها الشباب؟