الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل اصبح الحلف الاطلسي آلة امريكية لفرض الهيمنة الامبريالية كونيا؟!

احمد سعد

2008 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


عُقد في نهاية الاسبوع المنصرم في العاصمة الرومانية بخارست الاجتماع السنوي الدوري لاعضاء الحلف الاستراتيجي العسكري، الحلف الاطلسي، بمشاركة رؤساء دول وحكومات اعضاء هذا الحلف. وعقد هذا الاجتماع في بخارست الرومانية ينطوي على مدلول سياسي يعكس التغييرات التي حصلت في بنية الخارطة الجيوسياسية العالمية، والتي افرزت عالما احادي القطبية ونشرت الوهم بانتهاء مرحلة "الحرب الباردة" والصراع الايديولوجي و"نهاية التاريخ" حسب فوكوياما، بمعنى ان الرأسمالية هي الخيار الوحيد لتطور البشرية!! فالحرب الباردة كانت مؤشرا ودالة من دلائل عدم الاستقرار العالمي وخاصة في القارة الاوروبية، في ظل معسكرين متنافسين فكريا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي وينضوي جميع اعضائه في حلف وارسو العسكري، والمعسكر الامبريالي الرأسمالي بزعامة الامبريالية الامريكية وتشارك البلدان الرأسمالية الاساسية مثل فرنسا والمانيا وكندا وتركيا وبريطانيا، وغيرها في الحلف العسكري العدواني الحلف الاطلسي. ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وانظمة البلدان الاشتراكية في اوروبا الشرقية انهار معهم حلف وارسو. ومقابل انهيار حلف وارسو لم تنته "الحرب الباردة" والصراع الايديولوجي – الطبقي والسياسي، بل تغيرت اشكالها وعدم تفكيك الحلف الاطلسي، بل اتساع اطاره بانضمام دول كانت من ضمن مجموعة حلف وارسو، مثل بولونيا وبلغاريا والتشيك ورومانيا، عدم تفكيكه ومواصلة نشاطه يعتبر عاملا اساسيا في غياب الاستقرار والامن العالميين، وان كان بالامس القريب لجوء منظري وساسة الانظمة الامبريالية الرأسمالية الى تبرير وجود الحلف الاطلسي بأهمية مواجهة الخطر الشيوعي والسوفييتي، فان التبرير الادعائي الكاذب اليوم هو مواجهة "الارهاب" لفظيا اما جوهرها فالهدف الهيمنة الاقتصادية والاستراتيجية السياسية على البلدان النامية وثرواتها وخيراتها الطبيعية واسواقها الاستهلاكية.
واستغلت الامبريالية الامريكية الخلل الذي حصل في ميزان القوى العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كما استغلت جبروتها الاقتصادي والعسكري كالدولة الاعظم للامساك برسن قيادة العولمة الرأسمالية الامبريالية بطابعها التمييزي والهمجي وذلك من خلال ممارسة استراتيجية الهيمنة كونيا، تحت شعار الحرب الكونية ضد الارهاب والسيطرة على مصادر البترول الشريان الرئيسي للتطور والهيمنة.
ومن راقب تطور الاحداث عالميا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وخاصة منذ التفجيرات الارهابية في نيويورك وواشنطن، فان استراتيجية المحافظين الجدد في "البيت الابيض" الامريكي تنتهج سياسة مبنية على منطلقين اساسيين، المنطلق الاول، انتهاج سياسة توفيقية وتوافقية بين محاور الامبريالية الثلاثة – الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي واليابان – على ساحة المنافسة الاقتصادية – التجارية. ويكون المدلول السياسي والاقتصادي لهذه السياسة التوفيقية تقاسم مناطق النفوذ ورعاية مصالح كل محور ودولة صناعية رأسمالية كبرى، ففي مجال الهيمنة على مصادر النفط يجري اعتبار منطقة الخليج وبحر قزوين منطقة نفوذ امريكية بمشاركة بريطانية، اليابان في جنوب شرق آسيا وفي الاقتصاد الامريكي، فرنسا في القارة الافريقية السوداء، المانيا في بعض الجمهوريات اليوغسلافية السابقة وفي بعض الجمهوريات الروسية السابقة. وتسعى ادارة بوش في انتهاجها لاستراتيجية عولمة ارهاب الدولة المنظم لتحويل الحلف الاطلسي الى هيئة بديلة للامم المتحدة تلجأ الى ممارسة شريعة الغاب كبديل لقوانين الشرعية الدولية. فتحت مظلة الحلف الاطلسي تشارك قوات التحالف الغازية من بلدان الاطلسي الى جانب القوات الامريكية في احتلال العراق وارتكاب الجرائم ضد الانسانية والشعب العراقي، كما تشارك قوات التحالف من الاطلسي في احتلال افغانستان وتدميرها وارتكاب الجرائم الهمجية ضد المدنيين الافغان، وقوات التحالف من الحلف الاطلسي كان لها دورها الاجرامي في جمهوريات يوغسلافيا السابقة في صربيا وغيرها وفي دعم انفصال واستقلال كوسوفو.
اما المنطلق الثاني فان ادارة المحافظين الجدد برئاسة بوش - تشيني - رايس فتحاول تجنيد محاور الامبريالية الثلاثة ضمن اطار استراتيجيتها الكونية بهدف المحافظة على كونها القطب الاوحد والاقوى عالميا. والوسيلة لتمرير هذه السياسة التخويف والتهويل من استيقاظ الدب الروسي ووقوف العملاق الصيني بقوة على رجليه. وفي مواجهة العملاقين الروسي والصيني تلجأ ادارة العدوان الامريكية والاطلسية الى تبني "فزاعة" الامن من خلال تصعيد سباق التسلح التقليدي وغير التقليدي وبناء القواعد العسكرية على مقربة من الحدود الروسية والصينية، واثارة وتأجيج الصراعات الاثنية والقومية والطائفية في كل من الصين (احداث التيبت) وروسيا (احداث الشيشان وغيرها). وما عزز هيمنة الادارة الامريكية على صياغة قرارات الحلف الاطلسي العدوانية حقيقة عودة المانيا وفرنسا الى حظيرة الولاء في بيت الطاعة الامريكي بعد انتصار قوى اليمين في هذين البلدين في الانتخابات الاخيرة بانتخاب ميركل كمستشارة لالمانيا وسركوزي رئيسا لفرنسا.
ورغم معالم تضامن وحوش العولمة في موضوع افتراس حقوق سيادة وثروات بلدان الاطراف او بلدان الجنوب، او بلدان العالم الثالث ضعيفة التطور النامية، ودور الحلف الاطلسي في عملية افتراس الضحايا، رغم ذلك فان التناقضات، تناقضات المصالح تنخر في جسم هذا الحلف العدواني، وهو ليس بقادر على كل شيء ويواجه العديد من المشاكل. وهذا ما برز في اجتماع قمة الحلف الاطلسي الاخير في بوخارست، فمن القضايا التي برزت على اجندة الاطلسي تجدر الاشارة الى ما يلي:
* اولا: مواجهة اخفاق وازمة المحتل الامريكي وقوات التحالف في كل من العراق وافغانستان، فالمقاومة العراقية حولت ارض العراق الى شعلة نار مقاومة والى مقبرة للغزاة وعملائهم من العراقيين، ومشاركة الطائرات الامريكية في قصف البصرة ومدن جنوب العراق ومواجهة قوات الصدر تعكس اتساع دائرة المقاومة للمحتل. اما في افغانستان فان ادارة بوش تستغيث بحلفائها في الاطلسي بزيادة عدد قواتها لمواجهة المقاومة الافغانية المتصاعدة التي تسيطر على مناطق شاسعة من افغانستان. فجرائم المحتلين الامريكيين ومن قوات التحالف ضد المدنيين واحيائهم السكنية قد زادت من كراهية الاهالي والجماهير الافغانية للغزاة وتعاطفهم مع الثوار المقاومين. كندا هددت بسحب قواتها اذا لم يجر تعزيز قوة التحالف بقوى عسكرية جديدة. وعراب ادارة بوش الجديد، الرئيس الفرنسي تعهد في اجتماع الاطلسي بارسال الف جندي فرنسي جديد الى افغانستان، واستراليا تهدد بسحب قواتها وكذلك غيرها من الدول.
* ثانيا: رفض قبول مكدونيا لعضوية الحلف بسبب المعارضة الشديدة لليونان.
* ثالثا: تهديد روسيا وطلبها بعدم قبول اوكرانيا وجورجيا الى عضوية الاطلسي. فالرئيس بوتين يتهم الولايات المتحدة وقادة الاطلسي انهم يزحفون شرقا في اوروبا بشكل اصبح يهدد الامن القومي الروسي، وان روسيا لن تقف مكتوفة الايدي ازاء المخاطر الجدية التي تهدد امن روسيا القومي. والحقيقة ان قمة الاطلسي لم تقرر ضم اوكرانيا وجورجيا لعضويتها، بل ارجأت اتخاذ القرار بهذا الشأن. وقد عارضت اتخاذ القرار وبشدة كل من المانيا وفرنسا، وسبب المعارضة لا يعود الى رفض مطلق لانضمامهما، بل انطلاقا من مصالح نفعية وسياسية المانية وفرنسية. فللبلدين مصالح اقتصادية – تجارية كثيرة مع روسيا ويستوردان اكثر من خمسة وعشرين في المئة من احتياجاتهما من الغاز الطبيعي من روسيا، ولهذا لا يريدون استفزاز واثارة غضب الدب الروسي. اضافة الى ذلك، يدرك قادة المانيا وفرنسا ان ضم اوكرانيا وجورجيا قد يسبب الكثير من المشاكل السياسية التي ستعكس اثرها السيء على مختلف بلدان الحلف الاطلسي. فاوكرانيا ترتبط بتكامل اقتصادي كبير مع روسيا منذ عهد الاتحاد السوفييتي، فهي تستورد الغاز الطبيعي من روسيا وانابيب نقل الغاز الطبيعي الروسي الى مختلف البلدان الاوروبية تمر عبر الاراضي الاوكرانية، اضافة الى ذلك والاهم من ذلك، ان القسم الشمالي الشرقي من اوكرانيا غالبيته الساحقة من الروس الاوكرانيين واكثر من خمسة واربعين في المئة من الاوكرانيين، حسب استطلاعات الرأي العام، يفضلون علاقات حسن جوار استراتيجية وتعاون مع روسيا وليس مع الحلف الاطلسي. اضف الى كل ذلك ان اوكرانيا دول الجوار لروسيا تعتبر ايضا قوة نووية لا يمكن لروسيا التفريط بها حفاظا على امن روسيا واوكرانيا القومي. اما جورجيا فان اوساطا واسعة داخلها ترفض الانضمام الى الحلف الاطلسي، وتطالب جمهوريتان تحظيان بالحكم الذاتي في جورجيا تطلبان من روسيا المساعدة حتى تحققا الانفصال عن جورجيا واقامة دول مستقلة كما كان الحال في كوسوفو. اضف الى ذلك قرب جورجيا من مصادر النفط في بحر قزوين واذربيجان ومن القواعد العسكرية الامريكية في ازبكستان وقرغيزستان.
لقد حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه وشارك بالقاء كلمة امام اعضاء الاطلسي في آخر ايام انعقاده. وكان خطابه امام الاطلسيين توفيقيا، حاول من خلاله التوفيق بين مصالح روسيا الامنية القومية وبين مصالح روسيا كدولة عظمى تسعى لتقاسم الكعكة مع ذئاب الامبريالية المسعورين علها تحظى بحصة منها. فالرئيس بوتين عاد واكد معارضة روسيا لنشر الدرع الصاروخي في التشيك وبولونيا الذي يهدد الامن القومي الروسي وحذر من تمدد الحلف الاطلسي شرقا بمحاولة ضم اوكرانيا وجورجيا، كما طالب بازالة طوق العزلة والحصار عن رقبة ايران والجنوح الى الحوار والتفاهم مع النظام الايراني، والمأخذ الموجب انتقاده بشكل صارخ هو اعلان بوتين امام اعضاء قمة الاطلسي عن استعداد روسيا السماح لشحنات مواد وسلع مدنية غير عسكرية بعبور الاراضي الروسية الى قوات الحلفاء في افغانستان. فمدلول هذا التصريح وهذا الاجراء هو عدواني ويخدم اهداف الغزاة المحتلين الامريكيين وقوات التحالف الاطلسية ضد مصالح الشعب الافغاني الحقيقية. وهذا الموقف يتناقض مع الموقف الروسي ضد الاحتلال الامريكي في العراق ومن اجل جلائه وضمان حرية واستقلال شعب العراق.
لقد اقر مؤتمر الاطلسي ضم كل من كرواتيا والبانيا الى عضويته ونسج في الدهاليز المعتمة والمضيئة خيوط مواصلة التآمر الامبريالي ضد وحدة السودان وتشاد والصومال وفلسطين المحتلة ولبنان وضد النظام السوري، ومساندة اسرائيل العدوان التي تحظى بعلاقات مميزة مع الحلف الاطلسي بصفتها حليفا استراتيجيا ومخفرا استراتيجيا حاضرا دائما للخدمة العدوانية.
وخبرة التطور خلال فترة اقل من عقدين من الزمن تعكس حقيقة ان الحلف الاطلسي باطاره الواسع والمتوسع اصبح آلة وناب استراتيجية العدوان الامريكية للهيمنة الامبريالية – الرأسمالية كونيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأجهزة الاستخباراتية الأميركية تحذّر من تهديدات خارجية في ا


.. مناظرتان بين ترامب وبايدن في يونيو وسبتمبر | #أميركا_اليوم




.. أردوغان يتحدث عن أطماع إسرائيلية في الأناضول ويجدد دعمه لحرك


.. كتائب القسام تعلن قتل اثني عشر جنديا في عملية مركبة شمال الق




.. متظاهرون في أستراليا يحيون الذكرى 76 للنكبة الفلسطينية