الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفاوضات خيار استراتيجي لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية !

عماد صلاح الدين

2008 / 4 / 9
القضية الفلسطينية


في نظرة سريعة وكلية، إلى حصاد المفاوضات التي تعتبرها القيادة الفلسطينية الرسمية، المقيمة في رام الله بالضفة الغربية، خيارا استراتيجيا وتاريخيا لا رجعة عنه أبدا ، منذ انطلاقتها الثنائية مع "إسرائيل"، وتحت شروط ومواصفات الإدارة الأمريكية لها في مؤتمر مدريد عام 1991 ، وتاليا في أوسلو عام 1993 ، فان هذا الحصاد في تلك المرحلة وحتى فشل هذا الخيار رسميا بعد كامب ديفيد الثانية 2000،كان يتمثل بما يلي :-

- أعطت هذه المفاوضات الثنائية بالشروط الأمريكية و"الإسرائيلية"، وتحديدا من خلال مرجعية القرار 242، الشرعية ل "إسرائيل" في مزيد التوسع والبناء الاستيطاني وزيادة عدد المستوطنين ، حتى أصبحت المستوطنات وقاطنيها من المستوطنين الجدد أضعافا مضاعفة عما كان عليه الوضع قبل مشروع السلام والمفاوضات .وهذا موثق ومعروف وما أسهل الرجوع إليه عبر مؤسسات التوثيق الإعلامية والحقوقية وغيرها ذات الصلة بمثل هذه الموضوعات .
-
- عملت" إسرائيل"وبدعم أمريكي وتواطؤ أوروبي وصمت عربي على تشكيل الواقع الديموغرافي والجغرافي ضمن سياق يؤدي إلى الحالة التقطيعية والتمزيقية للحالة الطبيعية للتواصل الكلي لأراضي الضفة الغربية . وهو ما أصبح يطلق عليه فيما بعد ب (الكانتونات أو الباسنتونات)، في التعبيرات السياسية والإعلامية تجاه الانتهاكات "الإسرائيلية" لوضع الأراضي المحتلة . وطبعا الأدوات "الإسرائيلية" لهذه التشكيلة الجديدة تقع ما بين تجمعات استيطانية وطرق التفافية للمستوطنين ونشر الحواجز والعوائق والسواتر في أنحاء مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية بما فيها القدس على وجه التذكير .
-
- تعميقا لهذه التشكيلة الخانقة على الفلسطينيين على صعيدي الديموغرافيا وتوزيعاتها الجغرافية عملت إسرائيل ، وتحت ذريعة عدم وجود شريك للسلام عقب اندلاع انتفاضة الأقصى ، بسبب انكشاف تضليل وخدعة مشروع التسوية ، على الدخول في المرحلة الثالثة لإيجاد الواقع الجديد في الضفة الغربية ، من خلال بناء جدار الفصل العنصري الذي يلتهم أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية . وهذا الجدار كما هو معروف مصمم ومهندس على طريقة الأفعى المتلوّية ، بحيث يؤدي الغرض المتوخى منه إسرائيليا في إعادة رسم التشكيلة الخانقة على الفلسطينيين في الضفة وعلى الموجودين منهم في الجزء الشرقي من القدس المحتلة .

مشروع التشكيلة "الإسرائيلية" الخانقة لأراضي الضفة الغربية بعد أوسلو ، بما في ذلك الجدار العازل، أصبح الآن ينظر إليها على أنها مشروع سياسي للتسوية ، من قبل أطراف عدة أمريكية و"إسرائيلية" وعربية ، وأيضا من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية ، وهذا واضح جدا من خلال حديث هؤلاء عن مرجعيات الحل والتسوية الجديدة للسلام : من خارطة الطريق حتى رؤية بوش المعروفة والمقرونة بضماناته لشارون في عام 2004 .

وحين نشير إلى قبول القيادة الفلسطينية الرسمية لهذه التشكيلة الخانقة ، فلا نقول ذلك من باب التجني عليهم ،وذلك لسببين رئيسين :-

الأول : أن هذه القيادة كانت قد رفضت على ارض الواقع كل مشروع سياسي فلسطيني جامع يضمن الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين . وهذا الحد هو جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،67 وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين . ودليل هذا الرفض تمثّل في التنصل من "وثيقة الأسرى " المسماة لاحقا بالوفاق الوطني ، ثم اتفاق مكة ، وما يجري الآن من رفض للتحاور حول ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني بعد أحداث 14 حزيران 2007 ، في قطاع غزة.

الثاني : من خلال المتابعة السياسية والحقوقية ، وتحديدا بعد لقاء أنابوليس في نهاية تشرين الثاني من العام المنصرم ، وجدنا كيف أن القيادة الفلسطينية الرسمية تتساوق مع المطالب "الإسرائيلية" الجديدة خصوصا فيما يتعلق بيهودية الدولة ؛ فالحضور إلى انابوليس كان مرهونا بشرط يهودية الدولة وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء "الإسرائيلي" أيهود أولمرت ، ثم إن الناظر إلى حركة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة وجد أنها تضاعفت بشكل كبير لم يسبق منذ بداية العقد الأخير من القرن الفائت ،أي في بداية التسعينيات مع انطلاق مشروع المفاوضات في حينه ، هناك الآلاف من الوحدات والمئات من المباني الاستيطانية التي وافقت عليها الحكومة "الإسرائيلية"، ومن أولمرت كرئيس للوزراء نفسه . وشمل قرار التوسع والبناء مواقع هي لا تعتبر أصلا شرعية في نظر أمريكا والمجتمع الدولي كما في مستوطنة آرائيل القريبة من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ؛ إذ وافق أولمرت على بناء 48 وحدة استيطانية جديدة فيها .

يجري كل هذا بعلم المفاوض الفلسطيني . و"إسرائيل" عبر مسئوليها تصرح وتعلن أن هذا يجري بعلم الجميع ولا اعتراض عليه حتى من المفاوض الفلسطيني ، وقد أكد على ذلك نائب وزير الخارجية "الإسرائيلية" وهبي مجلي في لقاء على فضائية الجزيرة قبل شهور قريبة . ولا يدري المراقب لمشهد التفاوض الفلسطيني "الإسرائيلي "، كيف لا يوافق الرئيس عباس على كل ما يجري من انتهاكات إسرائيلية بما فيها الحملة المتسارعة في عملية الاستيطان ، وهو يصرح بعد كل هذا انه متفائل بقرب التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل في نهاية أو قبل نهاية عام 2008 ، في اللقاء الصحفي الذي جمعه بكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية .

إن التشكيلة "الإسرائيلية" الجديدة لواقع الأراضي المحتلة والتي أصبحت مشروعا للتسوية من قبل المفاوضين الفلسطينيين ، هي تشكيلة يراد منها وضع الفلسطينيين في ظروف صعبة اقتصادية واجتماعية وإنسانية ؛ بحيث تؤدي هذه الظروف إلى تهجيرهم طوعا . ولان "إسرائيل" تدرك أن الفلسطينيين بعد تجربتي اللجوء والنزوح القسري في سنتي 48 و67 ، لن يغادروا أراضيهم مهما كان الثمن ، فإنها اشترطت على المفاوض الفلسطيني وضمن سياق ما يسمى البند الأول من خارطة الطريق أن يقوم بالقضاء على البنية العسكرية والاجتماعية والاقتصادية للمقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ؛ من اجل تسهيل طرد من تبقى من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في الضفة والقدس المحتلة ، في أية مواجهة إقليمية تريدها أمريكا وحليفتها إسرائيل وتستعدان لها عبر تحركاتهما ومناوراتهما الكبيرة مؤخرا. ولم يجد المفاوض الفلسطيني بأسا في القيام بذلك وتبريره في سياقات القانون والأمن ومنع الانقلاب ، رغم كل الحقائق الدامغة والواضحة بأن انقلابا لم يجر في قطاع غزة ، وإنما حالة إجهاض لمشروع حرب أهلية أرادتها إدارة بوش بشهادة تقرير مجلة (فانتي فيير ) الأمريكية، الذي أصبح معروفا لدى كثيرين.

ينظر المفاوض الفلسطيني الرسمي إلى التشكيلة "الإسرائيلية" للحل المفروض أمريكيا ، على انه المتاح في إطار إستراتيجية التفاوض والواقعية السياسية ، لكن "إسرائيل" تنظر إلى هذه التشكيلة الخانقة والمعقدة كجزء من إستراتيجية مستقبلية ؛ لتهجير من تبقى من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67 ، مضافا إليهم فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48 ؛ لتحقيق حلم الصهيونية بدولة "يهودية نقية" على كامل ارض فلسطين التاريخية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل