الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبررات وشروط التحول نحو اقتصاد السوق في العراق

فلاح خلف الربيعي

2008 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


يواجه الاقتصاد العراقي اليوم مهمة تغيير أسلوب التنمية، وانجاز مهمة التحول من حالة الاقتصاد السلطوي الشمولي إلى اقتصاد يقوم على نظام السوق الحر ،وقد أكدت وثيقة استراتيجية التنمية 2005 ـ 2007 هذا المعنى، حين أشارت الى" ان التنمية الاقتصادية في العراق تستهدف على الأمد البعيد إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتوسيع قاعدته الإنتاجية كماً ونوعاً على آليات السوق وتحريره من القيود الكمية والنوعية المفروضة على الأسعار والتجارة" وتهدف هذه المقالة الى توضيح ظروف وشروط ومتطلبات التحول نحو اقتصاد السوق في العراق.

مبررات التحول نحو اقتصاد السوق:ـ
شهد الاقتصاد العالمي وبخاصة في مجموعة بلدان التحول ومجموعة الدول النامية منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن المنصرم وحتى الآن موجة عاتية اكتسحت في طريقها كل التوجهات الداعية الى تبني فكرة التخطيط وتدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، ترافقت مع انهيار الأنظمة الاشتراكية من ناحية ونجاح وازدهار منظومة السوق الحر من ناحية ثانية، حيث دفعت هذه الموجة العديد من الدول الى إعادة التفكير في سياساتها الاقتصادية وتوجهاتها القديمة، بغية إعادة التوازن لاقتصادها القومي وإزالة الاختلالات والحد من التشوهات التي لحقت به. بعد أن تضافرت عوامل عديدة للنيل من مصداقية التخطيط ولزرع الشك في جدوى استمرار دور القطاع العام في عملية التنمية. وقد هيأ هذا المناخ الفرصة المناسبة لعدد كبير من الدول النامية لإعلان التحول نحو الخصخصة واقتصاد السوق مع مطلع الألفية الثالثة، ويمكن تلخيص العوامل التي اسهمت في تلك التحولات بما يأتي:ـ
1-انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي، الذي عُدَّ بمثابة دليل على عدم جدوى نظام التخطيط وضرورة التحول نحو الخصخصة واقتصاد السوق.
2-الأزمات الاقتصادية العديدة التي واجهت عدد كبير من الدول النامية، وسعت إلى الخروج منها بالتماس العون من الدول الرأسمالية المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية .
3- انتشار الأفكار الليبرالية الجديدة التي اسهمت في تحقيقه مجموعة من العوامل من أهمها :-
أ-أنه جاء نتيجة طبيعية لانتصار الأفكار الليبرالية الجديدة على كل من الأفكار الكينزية والماركسية .
ب- أسهم الدعم المالي والفني الذي تقدمه الدول الرأسمالية المتقدمة و المؤسسات الدولية في مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للدول النامية التي تنفذ برامج الاستقرار والتصحيح الاقتصادي في توسيع نطاق هذا الانتشار.
ج- أن مناخ الأزمات الذي تعيشه الدول النامية يغري بالتحول من الفكرة إلى نقيضها، فمن تبني أيديولوجيات تقع في أقصى اليسار(تدعو إلى تنمية اقتصادية بالتخطيط المركزي وبقيادة القطاع العام) إلى أخرى في أقصى اليمين (تدعو إلى نمو اقتصادي يقوم على الخصخصة ونظام السوق) ربما يأسا من الدروب المطروقة وأملاً في أن يأتي الطريق الجديد مع خطورته وفداحة ثمنه بالهدف المنشود .
4-قوة جذب النموذج الآسيوي، الذي فسر نجاحه على أن جاء من اعتماده على نظام السوق والانفتاح على الاقتصاد العالمي. رغم أن الواقع يشير إلى أن التنمية التي حدثت في هذه المجموعة من الأقطار تمت بقيادة الدولة، وان الأسواق التي سمح لها بالعمل كانت أسواقا محكومة وموجهة من قبل الدولة وخضعت لتوجيهاتها المباشرة وغير المباشرة، وهذا يعني أن التنمية تمت عن طريق قيادة الدولة للسوق وليس عن طريق قيادة السوق لعملية التنمية .

أولاً - فلسفة اقتصاد السوق:- تستند فلسفة اقتصاد السوق على عدد من الفرضيات أهمها:
وجود الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. ووجود التشريعات والقوانين والمؤسسات والتنظيمات التي تكفل حرية التملك والعمل والإنتاج والتحول والتنقل والتبادل وتتيح حرية اتخاذ القرارات وتوسع من نطاق وحرية الاختيار لكل من المستهلك والمنتج. ووجود مبدأ كمال السوق، الذي يشترط المنافسة الكاملة كأساس لعمل آلياته بكفاءة. وتهدف فلسفة اقتصاد السوق، الى تفعيل دور الأسعار بوصفها أداة رئيسة في عملية الإصلاح الاقتصادي باستخدام مجموعة من الإجراءات والقوانين التي تدعم القدرة التنافسية ومن أبرزها -
1-إصلاح السياسة التجارية عبر التخفيف من قيود نظام الحصص والتعريفات الجمركية .
2- إصلاح الجانب المالي و توسيع دور الأسواق المالية و السماح بممارسة العمل المصرفي للقطاع الخاص والمصارف الأجنبية .
3- إصلاح آلية الأسعار عبر إزالة جميع الأسعار الإدارية والتقليل من حجم الدعم
4- التقليل من دور القطاع العام مقابل توسيع دور القطاع الخاص المحلي و الأجنبي .
5- إصلاح سوق العمل .

ثانياً - أهداف التحول نحو اقتصاد السوق:ـ
تهدف مجموعة السياسات التصحيحية الى دفع الاقتصاد القومي نحو السوق الحر من خلال:-
1ـ إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والخاص.
2ـ معالجة العجوزات المزمنة في الميزانيات الحكومية نتيجة لدعمها للمنشآت الخاسرة.
3 ـ تطوير السوق المالية وتنشيطها.
4 ـ خلق مناخ الاستثمار المناسب، لتشجيع الاستثمار المحلي واجتذاب الاستثمار الأجنبي.
5-تحسين الكفاءة في استخدام الموارد الاقتصادية النادرة، من خلال التسعير الملائم لتلك الموارد ولعناصر الإنتاج وبخاصة النقد الأجنبي ومصادر الطاقة ورأس المال.

ثالثاً - مراحل التحول نحو اقتصاد السوق:
يوضح التطور التاريخي لسياسات التحول نحو اقتصاد السوق، أنها تمر بمرحلتين رئيسيتين:-
الأولى :- يتم فيها تهيئة أرضية التحول لآليات السوق بإزالة القيود الإدارية التي كانت تحكم السياسات المالية والنقدية. وقد اهتمت سياسات التصحيح الهيكلي في هذه المرحلة بإلغاء نظام الدعم، والعمل على تعويم أسعار صرف العملات الوطنية تجاه العملات الأجنبية.
الثانية:- يتم فيها إحداث تغييرات جوهرية في هيكل ملكية وسائل الإنتاج وأسلوب إدارة الاقتصاد الوطني، والعمل على توفير شروط آلية السوق.

رابعاً - شروط تفعيل آليات السوق العراقية:ـ
تتميز السوق العراقية بكونها سوق غير كاملة imperfection وهي حالة متأصلة بعمق بجذور البيئة الاقتصادية والاجتماعية العراقية، وأسهمت مجموعة السياسات الاقتصادية والقوانين التي طبقت في عهد النظام السابق في تكريس و تعميق هذه الحالة وزيادة مظاهر التشوه في تلك السوق، التي من أبرزها:
1- الاحتكارات الطبيعية التي منحتها الحكومة لنفسها في مجال انتاج واستخراج وتصفية النفط و الانشطة الصناعية الرئيسة والمرافق والخدمات العامة كإنتاج وتوزيع الكهرباء والاتصالات والصرف الصحي وخدمات الاذاعة والتلفزيون وشركات الطيران .
2- تبني نمط تعويض الاستيراد، وفرض سقف من الحماية الجمركية، التي أسهمت في فصل الصناعة المحلية عن العالم الخارجي، وترتب على هذه السياسة زيادة الفروقات بين الأسعار المحلية و الأسعار العالمية، وتكريس حالة انخفاض الكفاءة الإنتاجية .
3-الحوافز الصناعية لمصانع القطاع العام ، التي قدمت على شكل قروض ميسرة، أو أراض صناعية بإيجارات رمزية، وتوفير الطاقة الكهربائية والوقود والمياه بأسعار مدعومة والإعفاء من الضرائب والجمارك، كل هذه الحوافز اسهمت في تشويه نظام الأسعار وكرست حالة الاختلال في الهيكل الإنتاجي لقطاع الصناعة لصالح الانشطة الاستهلاكية المعوضة عن الاستيراد وعلى حساب تخلف الانشطة التصديرية والأنشطة الوسيطة والإنتاجية، كما اسهمت في خلق مجموعة من الأنماط الاستهلاكية التي لا تراعي مسألة الندرة النسبية لتلك الموارد.
4-استبعاد الأجانب عن التنافس في السوق المحلية والدخول في النشاط الاقتصادي .
5-غياب الشفافية، نتيجة لنقص المعلومات وندرة البيانات وسريتها .
6-غياب القوانين التي تحمي حقوق الملكية والاختراع .
7-تغليب الهاجس الأمني على الاعتبارات الاقتصادية، وهذا الأمر دفع الى احتكار النشاط الاقتصادي الخاص من قبل ثلة من رجال الاعمال المرتبطين بالسلطة .
ويتطلب تغيير تلك البيئة توفير عدد من الشروط أهمها:
1ـ تحرير الأنشطة الاقتصادية وبخاصة الصناعية والخدمية.
2ـ تفعيل دور نظام الأسعار لزيادة فعالية تخصيص الموارد الاقتصادية واستخدامها الأمثل.
3ـ تحقيق الاستقرار الاقتصادي واستخدام أدوات غير مباشرة في التوجه نحو اقتصاد السوق.
4ـ توفير إدارة اقتصادية فعالة للمشروعات، تحقق الكفاءة الاقتصادية.
5ـ فرض قيود متشددة على الموازنة العامة، لتوفير الحوافز لتحسين الكفاءة الاقتصادية
6ـ إرساء إطار مؤسسي وقانوني لضمان حقوق الملكية
7ـ إرساء قواعد الشفافية وبخاصة القواعد المنظمة لعملية التحول نحو اقتصاد السوق.

الاختلالات الهيكلية التي تحول دون قيام اقتصاد السوق في العراق :
و تعود الى :-
1- مجموعة الاختلالات الهيكلية المتأصلة الناجمة عن أحادية البنية الإنتاجية، والمتمثلة بهيمنة قطاع النفط الخام على المساهمة الرئيسية في الناتج المحلي الإجمالي وفي المتغيرات الاقتصادية الكلية الاخرى، التي تعمقت بفعل الحروب والأزمات التي تعرض لها الاقتصاد العراقي طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، وما رافقها من حصار الاقتصادي قاس شل معظم الفعاليات والأنشطة. هذا فضلا عن تفاقم المديونية الخارجية والبطالة وارتفاع مؤشرات التضخم النقدي وعجز القطاع الخاص عن القيام بدوره في مساندة القطاع العام.
2-التراجع في معدلات النمو الاقتصادي مقارنة بالارتفاع المستمر في معدل النمو السكاني. فضلا عن حالة التشوه في أنماط الاستهلاك.
3-هيمنة مظاهر الاحتكار في السوق العراقية التي تأخذ مظاهر متعددة أبرزها:-
احتكار القطاع العام للقسم الأكبر من عمليات الإنتاج والتجارة، احتكار القطاع العام لعمليات الاستيراد وبخاصة استيراد السلع الوسيطة ولإنتاجية، ارتباط حركة التجارة الخارجية وبخاصة تصدير النفط بالأسواق الاحتكارية العالمية.
4 ـ عدم نضج أو تشوه المؤسسات العاملة في السوق العراقية ومن ابرز مظاهرها، الضعف النسبي في سوق الأوراق المالية، عدم استيعاب النظام النقدي لكفاءة عمليات التدفقات النقدية، هيمنة الاقتصاد الموازي والسري على بعض مقومات السوق، وتعاظم وزن الأنشطة الطفيلية على حساب الأنشطة الحقيقية، واتساع نطاق ظاهرة هروب رؤوس الأموال وتوظيف الفائض في الخارج خاصة في الدول المجاورة
5 ـ تلازم الدعوة لإطلاق آليات السوق مع انتشار الفساد المالي في أجهزة الدولة:
6-تشوه الأسعار نتيجة الفروق بين الأسعار الفعلية والأسعار الحقيقية

سادساً - متطلبات التحول نحو اقتصاد السوق:-
أن عملية إصلاح الاقتصاد العراقي والتحول نحو اقتصاد السوق تتطلب تبني وتطبيق استراتيجية اقتصادية واضحة تنبثق عنها حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الكلية الحكومية المرتبطة بتنفيذ برنامج استثماري واسع لزيادة النمو الاقتصادي والتشغيل، وفي هذا السياق نؤكد على ضرورة مراعاة الأفكار
آلاتية :-
1-أن تهيئة أرضية التحول لآليات السوق تتطلب في هذه المرحلة توفير الشروط آلاتية :-
أ- من الضروري أن تسبق أية عملية تعديل لهيكل ملكية وسائل الإنتاج، مجموعة من الإجراءات الممهدة، تبدأ من التشخيص الدقيق لأوضاع الاقتصاد العام، وتنتهي بإعادة هيكلة وحدات الانتاج المتعثرة وبخاصة في قطاع الصناعة التحويلية، مرورا بتشخيص الأسباب الحقيقية لضعف الأداء في هذا القطاع، التي يمكن أن تعود الى عوامل ليست ذات صلة بموضوع الملكية، على أن يتم خلال تلك المرحلة تحضير المناخ الاقتصادي الملائم من حيث إزالة التشوهات التي تعوق عمل آلية السوق. وبدون تهيئة تلك الشروط، يمكن أن تؤدي عملية إعادة الهيكلة الى نشوء مجموعات مصالح، تمتلك الحافز والنفوذ والمال لإدامة موقعها الاحتكاري لتجاوز الضوابط وإفساد عملية التحرير الاقتصادي
ب- من الضروري أن يسبق ويرافق التحرير الاقتصادي في أي قطاع، وضع تشريعات وضوابط منظمة للسوق وقوانين تضمن حقوق العاملين وحرية التنظيم المهني والنقابي وتحفظ حقوق المستهلكين وتضمن للأطراف المتعاقدة تطبيق شروط المنافسة.
2-ضرورة بذل الجهود لإقناع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، من أجل تأمين الدعم الكافي المالي والفني لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المنفذة في العراق.
3-ضرورة الافادة من تجارب الدول التي شهدت عمليات تحول ناجحة نحو اقتصاد السوق، وكانت تعيش ظروفا مشابهة لظروف العراق من حيث ثقل مديونيتها الخارجية، أو من حيث خضوعها لأنظمة حكم بيروقراطية وطفيلية شبيهة بنظام العراق السابق.
4-لا يمكن نجاح عملية الإصلاح الاقتصادي بدون تقوية شبكات الحماية الاجتماعية لفئات التي ستتحمل الجزء الأكبر من التكلفة الاجتماعية المترتبة على عملية الإصلاح الاقتصادي والتحرير الاقتصادي .
5- أن السبيل الوحيد لضمان استمرار سيطرة الحكومة على شروط النمو الاقتصادي وشروط التراكم الرأسمالي، هو عدم تفرطيها بسيادتها على القطاع النفطي عند تطبيق برامج الخصخصة، كما ينبغي دعم هذا التوجه بالمطالبة بإدخال التعديلات الدستورية الكفيلة بابعاد القطاع النفطي عن لعبة المحاصصة السياسية وصراع المصالح القومية والطائفية لتعزيز قوة الاقتصاد و قوة الدولة ووحدة المجتمع العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د