الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تغني الحكومة للإنحطاط، تذكروا هذه النكتة

صائب خليل

2008 / 4 / 11
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في أخر محاولة لتبرير موقفه من المعاهدة الجارية سرا مع الولايات المتحدة، تساءل المالكي في لقاء مع قناة الحرة الفضائية عن اسباب "الحديث دوما عن العراق، في حين ان العديد من دول المنطقة والعالم ترتبط باتفاقيات امنية مع الولايات المتحدة، ولديها قواعد عسكرية امريكية على اراضيها"
إن تذكروا، فان أغنية "لستُ وحدي" هذه رددها اكثر من مرة قادة ومثقفون كرد كلما أثار شخص التساؤل عن حماسهم للعلاقة مع اسرائيل، فأشاروا في كل مرة الى الدول العربية التي قبلت بهذا، وغناها ايضاً من دافع عن موقف الكرد هذا من العرب العراقيين، وغنتها طبعاً كل الدول العربية حينما بدأت هذه العلاقة المثيرة للخجل، مع الدولة العنصرية الأخيرة في العالم، والمجرمة بكل المقاييس الإنسانية.

هذه "الأغنية" ستسمعها عزيزي القارئ، في كل مرة يريد شخص ان يقنعك بتقديم تنازل او هبوط، خاصة ان كان مخلاً بالشرف. انه ببساطة يقول لك: انظر...هناك الكثير ممن تخلوا عن شرفهم، فلماذا تلح عليّ انا بالذات؟ هل انا الوحيد الذي يفعل ذلك؟

شعوب البلدان ذات القواعد الأمريكية ليست سعيدة بها, وشعوب البلدان العربية التي تقيم حكوماتها علاقة مع اسرائيل خجلة منها، وتحدد اسرائيل تلك الحكومات اكثر مما يحددها شعبها. هذه وتلك كانت دائماً نقاط توتر يتزايد بين الحكومات والشعوب، فتقف القواعد والعلاقات المكروهة بين الشعب وبين سلطته على حكومته. إنها تعلم ان البقاء في البلاد اما لها او لسلطة الشعب فيها. أميركا واسرائيل كما تشير احصاءات عديدة دولتان مكروهتان من معظم شعوب العالم فمن يريد ان يدخل مكروها الى بيته ان لم يكن مضطراً لذلك؟ من يريد ان يحول بلاده الى قلعة عسكرية لأكبر دولة عدوانية في العالم؟ من يريد ان يوقع اتفاقية خطيرة مع الدولة التي لم تلتزم يوماً بالقوانين الدولية ولا توجد قوة يمكنك ان تشتكي عندها ان اختلفت معها؟

لا احد يريد، لذا فلا بد من بث المخاوف لخلق هذه الأرادة عنوة. مخاوف تبثها "شقاوة" او "فتوة" العالم واتباعها في تلك الدول المضيفة امثال الصميدعي الذي طالما كرر "ان خروج اميركا سيقدم العراق الى ايران على صحن من ذهب". انه في الحقيقة يقدم العراق الى اميركا على صحن من ذهب فعلاً، خوفاً من احتمال تقديمه على صحن من ذهب الى ايران، كما يحاول ان يخيفنا. وكأن لم تكن هناك دولتان في العالم تجاورتا بدون حماية من دول الفتوة، حتى صارت احداها فريسة للأخرى "على صحن من ذهب", وكأن ليس في العراق من سيقاوم ان اعتدى عليه احد. الصورة التي يريد الصميدعي والمالكي تثبيتها في رؤوسنا هي ان العراق ليس سوى حمل وديع مهدد من قبل الذئاب التي تحيط به ان لم يقبل حماية تلك الشقاوة، واننا يجب ان نتجاوز الخجل من تلك الحماية المهينة لأننا "لسنا وحدنا" من يفعل ذلك، و"حشر مع الناس عيد" كما يشدو خطاب المالكي. والحقيقة ان الخطر الأساسي ان لم يكن الوحيد المثبت بالدليل التأريخي، هو حالياً خطر الحماة هؤلاء، فلا يجرؤ احد سواهم وتوابعهم على تلك المغامرات الكبيرة المكلفة، حتى عندما تكون الضحية صغيرة ضعيفة، وليس العراق كذلك.

ستفتح أغنية "لستُ وحدي" هذه، ابواباً عديدة واسعة للتراجعات. فمن يريد ان يقبل بتجويع شعبه إرضاء لصندوق النقد، سيمكنه ايضاً ان يقول "لست وحدي", ولن يكون وحيداً في العالم ايضاً من يرغب ان يوقع قوانين لصالح الشركات الكبرى وضد شعبه, ولا من يريد جعل بلاده جنة للمستثمرين وجهنم لسكانها، ولا من اراد دخول احلاف عسكرية خطرة، ولا من يرفض استشارة برلمانه لفرض او لتجديد إعلان الطوارئ او توقيع معاهدات يعلم مسبقاً انها مرفوضة، ولا من يريد السماح ببناء سجون سرية أجنبية او وطنية في بلاده ولا من يمنع التظاهرات ولا من يرفض تنفيذ احكام القضاء او مذكراته، ولا من يرغب في اعدام المئات بصمت، ولا من يرغب باعطاء الأمريكان تخويلاً بقتل مواطنيه بلا تبعات! هناك اوغاد من كل نوع في العالم وقد فعلوا الكثير مما يغري بالتقليد لكل من تعب من مقاومة الضغط. أغنية "لست وحدي" كانت دائماً وستبقى الأغنية المفضلة لتهدئة ضمير الحكومات المرهقة من الضغوط والمتشوقة الى سلطة اوسع.

لن تجد بين هؤلاء من يقول "علي ان اتحمل المخاطر من اجل استقلالي وكرامتي، فـ "لستُ وحدي" من فرض عليه تحمل هذا"، ولن تجد من يقول "هذه خطوطي الحمراء، لن اتراجع ادنى منها، ولست الوحيد الذي تحمل من اجل مبادئه في العالم"...لن تجدهم يبحثون عن امثلة صمدت من اجل اجيالها القادمة وحرية خياراتها وكرامة عيشها وسعادتها، بل يجردون المكان والزمان بحثاً عمن تنازل وعمن تراجع وعمن انهار ليرفعوه بوجهنا مثلاً يقتدى به، وكل منهم يصرخ: "لستُ وحدي"!

يقال ان امرأة اشتكت لزوجها من رجل يعاكسها باستمرار، فاتفقا على خطة فدعت الزوجة المتحرش الولهان الى البيت. وقبل ان يبدأ الغرام، سمع صوت الباب الخارجي يفتح فقالت المرأة لعاشقها انه يجب ان يختبئ بين الخراف في الزريبة واعطته جلد خروف يلبسه.
دخل الزوج وصاح بصوت عال:"آه يا امرأة...لي رغبة قوية ان اركب اليوم خروفاً"...ودخل الزريبة فاختار من بين كل الخراف، الرجل المتنكر كخروف وركبه... حتى تعب، ثم جلس يستريح. وبعد قليل صاح ثانية ان رغبته لم تشبع بعد فعاد يختار "الخروف المتنكر" وكرر ما فعله. وحين جاءه في المرة الثالثة لم يتحمل هذا اكثر، فصاح:"وهل انا الخروف الوحيد هنا؟؟!!"

معذرة قرائي اني لم اجد مثالاً اكثر أدباً للتعبير، لكن كيف يمكنك ان تجد مثالاً لايخدش الحياء لوصف حال مخدش للحياء؟ على اية حال لا أظنني ظالم للمالكي او بقية منشدي اغنية "لستُ وحدي" بهذه النكتة الصعبة، بل لعلنا ظلمنا "الرجل الخروف"، لأن هذا صاح "لستُ وحدي" احتجاجاً على الوضع المهين، اما الجماعة فتصيحها تبريراً لرغبتها بقبول "الوضع". ان ما "يخدش الحياء" حقاً هو الوضع الذي لايحسن وصفه خير من مثال خادش للحياء!

تقول فيروز: "يا حبيبي...كلما بتسمع هالغنيّة....فكر فيّ"، وأنا سأحاول ان أطبق نصيحتها وافكر في هذه النكتة كلما سمعت مثل هذه الأخبار لعلي اضحك فلا اموت قهراً. اتوقع، استمراراً للنهج "الثقافي" الحالي المرافق لتوقيع المعاهدة ان تبث أغنية "لستُ وحدي" هذه كثيراً في الأيام القادمة، فلا تنسوا النكتة وإلا اصابتكم القرحة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تبدأ من مدينة تبري


.. مقاطعة حفل ممثل هوليودي لدعمه للاحتلال الإسرائيلي




.. حزب الله: استهدفنا مواقع إسرائيلية في الجليل الأعلى ومزارع ش


.. الاتحاد الأوروبي يفعّل نظام كوبرنيكوس لمساعدة إيران.. ماذا ي




.. استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين