الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيرس من النووي إلى النانوية

برهوم جرايسي

2008 / 4 / 11
القضية الفلسطينية


لم يجد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس أي حرج حين دعا، في خطاب له أمام السفراء الأوروبيين، إلى إعادة احتلال قطاع غزة، أو حين ادعى "أن الفلسطينيين ليسوا معنيين بالتوصل إلى اتفاق"، أو حتى حينما أفصح عن معارضته للانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، فهذا هو بيرس بنسخته الأصلية، "بيرس أوريجينال".
فقد قال بيرس هذا الأسبوع للسفراء الأوروبيين، إن إسرائيل ليست معنية باحتلال قطاع غزة، "ولكن لا توجد وسيلة أخرى لمنع إطلاق القذائف، سوى احتلال قطاع غزة"، معربا عن رأيه، وهو في منصبه التمثيلي، ثم يتجاهل بيرس كل المشاريع الاستيطانية المكثفة التي تكشف عنها حكومة إيهود أولمرت أسبوعيا، وبغزارة لم نشهد مثيلا لها في السنوات الأخيرة، ليدعي ان المماطلة في مفاوضات الحل الدائم نابعة من "أن الفلسطينيين ليسوا معنيين بشكل جدي بالتوصل إلى اتفاق".
ويختتم بيرس خطابه، الذي يعيد إلى الأذهان سياسة "اللاءات" الإسرائيلية، بالإعراب عن معارضته لانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة، "لئلا تتحول إلى دولة إيرانية على حدود إسرائيل"، كما يقول.
لم يُحدث شمعون بيرس أية مفاجأة بتصريحات كهذه، فهذا هو بيرس، حتى عندما كان مشرفا على المفاوضات السرية مع منظمة التحرير الفلسطينية، في صيف العام 1993، التي مهدت لمسار أوسلو لاحقا، وحتى أيضا خلال العملية التفاوضية اللاحقة مع المنظمة، فقد سرت سلسلة من الأقاويل التي كانت تتحدث عن أن بيرس كان "يتهم" رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين بأنه "يفرط" كثيرا في مفاوضاته مع الجانب الفلسطيني.
وقدم بيرس، عمليا، دعما لهذه الأقاويل، في صيف العام 2000، حين هاجم علنا رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك، خلال قمة كامب ديفيد مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، بعدما ظهرت ادعاءات بأن إسرائيل وافقت على الانسحاب من 96% من الضفة الغربية، من دون منطقة القدس، وإعادة ترسيم الحدود في القدس المحتلة، بما في ذلك البلدة القديمة.
بمعنى أن بيرس لم يخرج يوما عن الموقف الصهيوني التقليدي من الشعب الفلسطيني وقضيته، وهو لا يدعو إلى حل القضية الفلسطينية من منطلق حق الشعب الفلسطيني، بل من منطلق الحفاظ على الكيان الإسرائيلي، خوفا من إغراقه بغالبية فلسطينية.
وهذا ما يدفع بيرس إلى تبني مشاريع صهيونية، لا تتوقف عند معارضة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، بل تشمل أيضا محاصرة فلسطينيي 48، في تجمعين أساسيين لهم، في منطقة الجليل شمالا، حيث يشكل الفلسطينيون 52% من السكان، وفي منطقة النقب جنوبا حيث الفلسطينيون 40%.
فقد بادر بيرس إلى مشروع ما يسمى بـ "تطوير الجليل والنقب"، وهو "الاسم الحركي" لمؤامرة تسعى إلى تهويد المنطقتين، من خلال تقديم محفزات مالية سخية للعائلات اليهودية التي تقبل بالاستيطان في هاتين المنطقتين، من أجل كسر الأغلبية العربية فيهما.
يظهر بيرس، عجوز السياسة الإسرائيلية، ابن الخامسة والثمانين، كالشخصية الوحيدة الباقية من الشخصيات المؤسسة لإسرائيل، فمنذ سنوات شبابه الأولى انخرط في العصابات الصهيونية في سنوات الأربعين، وتقرب من "مؤسس إسرائيل" دافيد بن غريون، والتصق به، ليتحول إلى ساعده الأيمن، في مناصب مختلفة تولاها بن غريون، وأهمها أول رئيس حكومة لإسرائيل.
وربما ان أكثر محطة يعتز بها بيرس في سنوات حياته، حين كان مديرا عاما لوزارة الحرب الإسرائيلية في منتصف سنوات الخمسين من القرن الماضي، وأنه هو بالذات الذي نجح في إبرام اتفاق مع فرنسا لإقامة أول مفاعل نووي إسرائيلي قرب بلدة ديمونة في صحراء النقب، "كشرط" لانضمام إسرائيل للعدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956، وقد أقيم المفاعل في العام 1959، وبالإمكان القول انه مسجل على اسم شمعون بيرس، "أبو المفاعل النووي"، كما اصطلح على تسميته لدى بعض الأوساط الإسرائيلية.
ولهذه القضية أهمية خاصة في هذه المرحلة بالذات، لأن بيرس أعلن منذ عامين، أنه قرر تبني مشروع تسلحي جديد مبني على تقنية النانوية، وهي تقنية تم تعريفها في موسوعة "ويكيبيديا" بما يلي: "مصطلح نانو الجزء من البليون (المليار)، فالنانومتر هو واحد على البليون من المتر. ولكي نتخيل صغر النانو متر نذكر ما يلي، تبلغ سماكة الشعرة الواحدة للإنسان 50 ميكرومترا أي 50 ألف نانو متر، وأصغر الأشياء التي يمكن للإنسان رؤيتها بالعين المجردة يبلغ عرضها حوالي 10,000 نانو متر، وعندما تصطف عشر ذرات من الهيدروجين فإن طولها يبلغ نانو مترا واحدا".
ولدى كتابة هذه المقالة، بحثت في جميع محركات البحث في الانترنت، عن كل ما ورد من تعريفات لهذه التقنية، فوجدت أن جميعها، على الأقل كما قرأت، تتحدث عن ابتكار علمي ضخم للغاية، وكل الحديث عنه يدور في الجانب المدني.
إلا أن شمعون بيرس تحدث بوضوح عن أن الصناعات الحربية الإسرائيلية تعمل على ابتكار أسلحة "مذهلة" حسب قول بيرس، تعتمد هذه التقنية، وانه قرر جمع الدعم المالي من كافة أنحاء العالم، من أجل دعم هذه الصناعة الحربية، التي لا يبدو أنها اقل فتكا مما اخترعته إسرائيل وغيرها حتى الآن.
لم يتعهد بيرس لأية جهة سياسية إسرائيلية، بأن مع توليه رئاسة الدولة الإسرائيلية، التي من المفترض أن يتركها وهو في عمر 91 عاما، يكون قد وصل إلى محطته السياسية الأخيرة، ولكن ما يبدو واضحا، أن بيرس يريد إغلاق دائرة حياته السياسية العسكرية منذ الآن، ليعود إلى نفس النقطة التي اعتبرها نقطة انطلاقته الأكبر، بمشروع تسلحي تدميري جديد، وسياسية رفضية لأي مشروع سلمي في المنطقة.
إن الخطر في ما يطرحه بيرس يكمن في عدة جوانب، أولا فهو ليس ذلك السياسي المتهور، ولا ينطق بالخيال، وحينما يعلن على الملأ تبنيه لمشروع كهذا، فهو ينطق بالمسموح به، من وجهة نظر استخباراتية، ويعني أن هذا ما يتم تطبيقه على أرض الواقع.
أما الجانب الآخر، فهو أن بيرس يحظى في المحافل الدولية بـ "هالة سلامية" كاذبة، تقنعها جائزة نوبل للسلام، وهذا الأمر كان المحفز الأكبر للحلبة السياسية الإسرائيلية لتنتخبه في الصيف الماضي "رئيسا لإسرائيل"، لأنه "الوحيد القادر على تغيير صورة إسرائيل في العالم"، كما قيل في حينه.
هناك جهات أطلقت على بيرس، ذات مرّة، لقب "رجل سلام"، ويا حبذا، إذا كانوا ما يزالون على قناعة بهذا، أن يستبدلوا حرف الميم الأخير من هذا اللقب، بحرف الحاء، وحينها سيكون اللقب دامغا بالتأكيد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال