الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلب ... يا مجمع الأحرار

مفيد ديوب

2003 / 12 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


انطلقت مع أصدقائي قبيل الفجر من ( شرقي المتوسط ) إلى حلب مدينة الأحباب ,للتضامن  مع الناشطين المحالين إلى القضاء العسكري لمحاكمتهم أثر توجههم لحضور محاضرة عن( 40عاماعلى قانون الطوارئ) في منتدى الكواكبي ,وصلنا أولا وبدأت الجماعات تتوافد إلى أمام المحكمة العسكرية,قدر العدد حوالي ألف وخمسمائة شخص,دخل القاعة ما يقارب مائة محام للدفاع ,لقد تضاعف عدد الحضور عن الجلسة الماضية

وغص الشارع العريض بهم ,وارتفعت اللافتات بأيد الشباب وقد كتب عليها:( لا لقانون الطوارئ/سورية لكل السوريين /نعم لإلغاء المحاكم الاستثنائية / الوطن حر بأبنائه الأحرار /..الخ ).

كان المشهد مؤثرا جدا ..حاولت مرارا أن أخفي وجهي بين الجموع لأخفي انفعالاته,واهرب من دموعي المحتبسة.. منذ ربع قرن اعتقلت مع الكثيرين لتوزيع بيانات تحمل هذه الشعارات المرفوعة بالشارع الآن

أمام عيني وعيون أجهزة السلطة ذاتها,وذقت مع الآلاف مرارة معتقلات القرن العشرين .

تذكّرت إحدى جلسات الّتحقيق,وبعد (إنعاشي أو استيقاظي من الكابوس الحي ) في الزنزانة الإفرادية كشفت عن أطرافي لأتحسّس مواضع الألم الذي انتشر في جميع الأجزاء ,شاهدت ما أرعبني ,لم أتعرف على جسدي ,فقد صبغ بصباغ ذو لون استحضرته مخيلتي من ماء دجلة بعد أن تلونت بحبر كتب بغداد,وذكرني خيوط الدم الداكن سائلة والبقع المحتقنة متمازجة الألوان بنفسجية على لازوردية على .. تحت الجلد, ذكرتني بهمجية الرعاع وهولاكو .أحسست نفسي عندها أنني انشطرت إلى شخصين وانفجرت باكيا على هذا الشخص الذي لم اتعرّف عليه من قبل مشفقا عليه ومتألما علية أكثر من ألمي,وعندما أستعيد وعيي وأهزأ من نفسي بأن هذا الشخص الذي أبكي عليه هو أنا, أنقلب إلى ضحك هستيري . لكن هذا التماوج بين البكاء على نصفي الآخر والضحك الهستيري على ذاتي المنشطرة زال عندما شاهدت جلود الآخرين وشبعت بكاء عليهم ونست نفسي واصبح المشهد مألوفا وربما كل يوم مرارا. تيقنت بعد مشهد آخر أنني لم أكن منشطرا

ولم أتعرض لنوبة من الجنون, عندما اعتقلت ويوسف وآخرون واقتدنا إلى حماة وبدأ التحقيق,والمحقّق لم تكن قد وصلته صيغة الاتهام,بعد قليل أعادوا يوسف آخر غير الذي أخذوه ورموه علينا,وسحبوا آخر من بيننا. وتوليت مهمة التمريض ,وكلما كنت ألمس جراح يوسف وهو يشاهدها كان يصرخ ويبكي ثم ينفجر بنوبة ضحك جنوني إلى أن امتزج بكاؤه وضحكه .

ربع قرن مضى على تلك الذكريات (الملونة) جراحا ودماء وبكاء وضحك هستيري ,مزوقة بالأزرق والأحمر الداكن والقاني , خرجت من عندهم ((مولودا)) بتعبير رئيس الفرع مهددا :"الداخل مفقود,والخارج

مولود".بعد ربع قرن أصبحت مواد المنشور المحظور الذي دفع الكثيرين من اجله سنوات كثيرة في السجن ترفع الآن  لافتات و  أمام معاقل الرعب والقمع والموت, أجهشت بالبكاء فرحا. ربع قرن من القمع والإرهاب والحصار حتى بلقمة العيش , وبعدها تينع الورود ورود الحرية في الشوارع, ترفع راياتها على يد الشبان و على رؤوس الصبايا  وفي عيون الشيوخ بريقا وألقا. تجمع الأحرار المدافعون عن الحرية ونزلوا إلى أحد شوارع حلب وتقدموا هذه المرة " ثلاث خطوات" في الشارع السوري .و الآلاف المؤلفة التي مارست السياسة وعشق الحرية في زمن الرعب تنظر إلى المشهد الجديد وكأن خيوط الفجر قد بانت تلاويحه .تعالوا أيها الأنصار عشاق الحرية شاهدوا بعيونكم الحالمة التي ملت عتمة الليل وطول الترقب . كنت مثلكم لا أكاد أصدق ما يجري ,فأعمد إلى التسليم باليد على الموجودين ,من أعرفه ومن لا أعرف ,ربما كنت أريد أن أتحسس وجودهم .كنت راغبا بالتسليم على الشرطة في المدخل ، ربما لأقول لهم نحن عدنا نحن من لم يمتنا القمع و لم تقتل أرواحنا عتمة الزنازين و لا رعب السجون و ما يزال نسغ الحرية في العروق هو ذاته نسغ الحياة  ، لن تستطيعوا انتزاع الحرية إلا بانتزاع الأرواح

ربع قرن بذمتكم و الفجر الذي انتظرناه طويلا بات قريبا

                                          *                *                  *

شاهدت فراس فجأة بين الجموع اندفعنا إلى بعضنا كأننا كنا نريد ردم ربع قرن، ... يا إلهي ربما أنت شخص مختلف لم يبقى ما يشبه معالم وجهه ، كان شابا صغيرا وسيما و ابتسامته جميلة و مستقرة على محياه ... كنا نسهر بعد موعد النوم نقرّب رؤوسنا و" نوشوش" إلى أن ينم أحدنا فيسكت الآخر ، و عندما سحبت إلى الزنزانة الإفرادية بسبب " كبر الرأس " بقي معي رأس فراس أشدّه و أوشوش معه البقية الباقية لم أكن أخشى من الضحك الهستيري في المنفردة فأنفلت ضاحكا بكل صوتي حيث لا يوجد من أوقظه إلا السجّانة أحيانا و تكون العاقبة رفسة و مسبة و هزّة رأس : مجانين أنتم كلكم مجانين

فراس ألم تزل مجنونا ... إيّاك أن تكون قد أصبحت عاقلا ، هذا العمر لم يكن إلا عشق مجنون للحرية ... إيّاك أن تصدّقهم فالحريّة عاشقة مجنونة و لا تتألق إلا عندما يعشقها المجانين أمثالها 

 يا كاتب" شرقي المتوسط" العظيم عذرا منك فأنا لست كاتبا ، و أدعوك تعال و ستجد أبطال روايتك ، أبطال حقيقيون و قصص حقيقية ، فاستل قلمك و ستجدهم حيثما توجهت شرقي المتوسط . 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسكو تنفي اتهامات واشنطن باستخدام الجيش الروسي للكيماوي في 


.. واشنطن تقول إن إسرائيل قدمت تنازلات بشأن صفقة التبادل ونتنيا




.. مطالبات بسحب الثقة من رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف


.. فيضانات عارمة اجتاحت جنوب البرازيل تسببت بمقتل 30 شخصاً وفقد




.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات