الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سقطت بغداد ؟ أم أسقط العباد في الفوضى

خالص عزمي

2008 / 4 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


تردد اجهزة الاعلام بقصد واضح ومعلوم الاشارة والتوجه ؛ ان بغداد سقطت يوم دخلها المحتل الغاشم بكل اسلحته الفتاكة والمدمرة من الجو اولا ؛ ثم باجتياح والمداهمات والاعتقالات والقنص والفتك المنظم ؛
ان هذا كله لايشكل سقوطا نهائيا ؛ انها حالة عسكرية موقتة لم تحترم سلوكيات الحرب ولا قواعد القانون الدولي ؛ ولكن التدمير الحقيقي هوذلك التكالب الهمجي والتعاضد الوحشي الذي جند له المحتل كل امكانياته الظاهرة ومراكزه ومعاهده المستترة ومرتزقته المحليين والخارجين على القانون لكي يصل الى هدفه الاهم في اسقاط كل ركائز ومقومات المجتمع العراقي وبنيته المدنية المتحضرة في براثن التدهور والتراجع والظلامية ؛ متخذا من بعض وسائله سبيلا لتحقيق مآربه وعلى الوجه التالي : ــ
اولا ـ فتح ابواب الحدود على مصارعها بنظام دقيق ومبرمج ؛ لدخول الآف المرتزقة من كل لون وفئة ؛ بصورة مجندين؛ او قناصة ؛ او حماية ؛ او قتلة مدربين على الفتك والتعذيب والاغتصاب .
ثانيا ـ اصدار القوانين العبثية المترهلة لتبرير مسوغات تلك الفوضى وعلى رأسها قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية الذي مهد الطريق للانزلاق الشامل نحو هوة الدمار .
ثالثا ـ تعميم المحاصصة الطائفية والعرقية والاثنية والعشائرية ؛ بدءا من مجلس الحكم حتى ادنى مستويات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب وتجمعات ( الفوائد الشخصية) .
رابعا ـ توزيع البطالة على ابناء الشعب بشكل لم يسبق له مثيل في النوعية والكمية ؛ وتغذيتها بشكل مدروس عن طريق ؛ حل الجيش العراقي وقوى الامن والمؤسسات المهمة بشتى الاعذار ؛ وايقاف الدراسة على مختلف المستويات لينخرط الطلاب والتلاميذ في جبهات تلك البطالة المدمرة التي حولت الكثيرين منهم ؛ الى حشاشة ولصوص وقتلة ومتسكعين في مقاهي الانترنيت الغارقة في افلام الدعارة والجنس.
خامسا ـ تشجيع النهب والسلب والرشوة والتهريب بشكل فردي ؛ لكي تغطى على الجرائم الكبرى المنظمة في سرقة المتاحف والمكتبات والبنوك و مواقع الاثار والممتلكات الثقافية تحت سمع المحتل وبصره
سادسا ـ استباحة المستشفيات وتدمير الطرق العامة والجسور والمدارس ومراكز التعليم كافة ؛ وتخريب نظام توزيع الادوية المزمنة على المرضى ؛ ودفع الجهلة والاميين وكل من هب ودب لبيع الادوية التالفة وغير الصالحة في الشوارع و الازقة واسواق الهرج ؛ دونما اية رقابة .
سابعا ـ نشر الفوضى في الجامعات وابعادها عن اداء دورها العلمي ؛ والتحكم بالاساليب الدراسية وبالمظاهر الشكلية الخاصة ؛ وترك باحاتها لشعارات وفتاوى لا علاقة لها بجوهر الحركة التعليمية.
ثامنا ـ التهجير القسري بكل طرقه وانواعه ؛ وخاصة ما بين الطبقة الواعية المثقفة ؛ بدءا من المحلة والقرية الى آخر نقطة في العالم ؛ توافق على استقبال تلك الجماهير الزاحفة نحو المجهول .
تاسعا ـ نشر الطفولة المعذبة لتتكسع او تستجدي في الشوارع ؛ و غلق ابواب التربية الاساسية امامها لتنتظم في جيش البطالة الذي يغطي ارض البلاد عرضا وطولا .
عاشرا ـ ا لأجهاز على الخدمات كافة ( الماء والكهرباء والغاز والبانزين ووسائط النقل ... الخ ) مما يجعل المواطنين يهيمون على وجوههم بحثا عن مخرج لهذه المأساة الدامية صيفا وشتاءا
حادي عشر ـ مطاردة مراكز التهذيب و الترفيه الاساسية كدور السينما والمسارح وفرق الفنون الشعبية وعروض الازياء وفرق الموسيقى ومعارض الفنون التشكيلية ... الخ لكي يعم اليأس و تلف الكئابة كل بيت في العراق ؛ امعانا بالظلم والقسوة .

وهكذا اختلط الحابل بالنابل ؛ وانحدر المجتمع بتعاون مخجل من أمعات المحتل نحو هوة الخراب ؛انه أمر خطط له باحكام متعمد في وضح النهار ؛ لكي يكون العراق بؤرة تدمير ذاتي ؛ لا واحة مخضلة للحرية الآمنة والديمقراطية الحقة والرفاه الاجتماعي .
لو اردنا ان ندرس بجدية ما آل اليه حالنا ؛ لهالنا ما وصلنا اليه من انهيار على مختلف الاصعدة . ان اعادة البناء أمر سهل ؛ فهناك المال وسواعد الرجال وارض الرافدين لا تعدم من كل ذلك ؛ ولكن تدمير الذات ؛ والاجهاز على كل الامكانيات والكفاءات والثقافات ؛ وترك الشعب مهملا يتيه في صحراء الضياع ؛ تعصف فيه رياح البطالة العاتية والظلامية المتردية ؛ هو الامر الذي لايتماشى مع الحجج المبررة الواهية لكنه يتجاوب في ذات الوقت مع برنامج الفوضى المستمرة التي لا يمكن لها ان تخمد ؛ ذلك ان انطفاء اوارها معناه سقوط مبررات المحتل في وجوده اصلا ؛ وهو امر لايقبله غول الاحتلال الجاثم على صدر الشعب العراقي ولا القوى الضالعة في ركابه والمستفيدة من وجوده . ان هذا الانفلات الواسع والمتشعب ؛ و الامني منه بالذات ؛ انما يعطي المبرر الكافي والحاسم في نفس الوقت لانعدام الخطط الآنية والمستقبلية لاية مشاريع تهدف الى وضع برامج حقيقية لاعادة الاعمار لكي تنتظم مسيرة الحياة الطبيعية في عموم انحاء العراق ؛ كما هو شأن بقية البلدان السائرة في طريق النهوض الحضاري المعاصر ؛ والتي كان هذا الوطن ( المضرج بدمائه اليوم ) السباق في مجال تطبيق منهجية جادة لمثل ذلك النهوض على كل الاصعدة ؛ ليس في الفترة السابقة وحسب بل ومنذ الثلاثينات من القرن الماضي .

وهكذا نرى ـ وبعد خمس سنوات عجاف ـ كيف ان العراق اصبح ذبيحة ؛ تتناهشها ذئاب الشهوة والسطوة والفساد والنهب والقتل والاغتصاب من كل جانب : ورحم الله شاعرنا الجواهري العظيم حينما قال :

العذر يا وطنا أغليت قيمــــــته
عن أن يرى سلعة للبائع الشاري
الكل لاهون عن شكوى وموجدة
بما لهم من لبانات وأوطــــــــــار
وكيف يسمع صوت الحق في بلد
للأفك والزور فيه ألف مزمـــــار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الذكرى الثانية لرحيلها.. شيرين أبو عاقة تترك إرثا ما يزال


.. بحضور رئيس البلاد.. الآلاف يهتفون لفلسطين على مسرح جامعة أيس




.. سفن قوات خفر السواحل الصينية تبحر بالقرب من جزيرة تايوانية


.. الشفق القطبي ينير سماء سويسرا بألوان زاهية




.. مصر تلوّح بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل إن استمرت في عملية