الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنوب العراق (البصرة ).. قراءة بين السطور

ساجد شرقي المشعان

2008 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


نقتبس من مقولة ماكندر (... من يحكم قلب الأرض يتحكم في العالم ...) ولعل ما يفيدنا منها حقيقة القول من يتحكم بقلب العراق (البصرة ) يتحكم في العراق ، وهذا يصح طبعا فقط في حالة الاتجاه الداعي إلى عراق تكون فيه اختصاصات الحكومة المركزية مقيدة إذا ما قورنت باختصاصات الأقاليم الواسعة حسب ما اقره الدستور الحالي ، والذي يترك خلفه بطبيعة الحال سلطة مركزية ضعيفة تواجه مشاكل في أداءها ، وهنا يصح التحليل انطلاقا من هذه المقولة باعتبار (البصرة) مهمة وأريد لها أن تكون نقطة انطلاق ومركز نفوذ لمن يفرض عليها سطوته ، فهي بكل المقاييس تتمتع بمميزات لا تمتلكها مدن أخرى في جميع أنحاء العراق بل وربما في المنطقة بأكملها حيث النفط العائم المطل على الخليج والعالم ، والممر المائي الهام المحاذي لدولة تنشد أن تصبح عظمى منافسة للعملاق الأمريكي ، المتعارضة معه في المصالح والمشتركة معه بأهمية النفوذ ، وما البصرة ما هي إلا ورقة رابحة لمن يمتلك الخبرة في أداء حركتها .
من هنا ننصرف في تحليل الصراع الذي لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن أجندة خارجية تمتلك اذرع مختلفة داخل (البصرة ) ، وهنا يصح التساؤل حول الأسباب التي أوصلت هذه المدينة إلى هذا الحال في الوقت الذي يجمع كل المراقبين والمتابعين للإحداث منذ وقت ليس بقريب على تشابك وتعقيد أوضاعها ؟! ، في الوقت الذي يستلم فيه البريطانيون الملف الأمني منذ اليوم الأول بعد احتلال العراق ! والذي سلمته فيما بعد إلى القوات العراقية لأسباب تكمن في تطور المدينة وأهليتها لذلك (كما هو معلن في حينه ) !! وهذا الأمر يستدعي وقفة لكشف الحقائق غير ألمعلنه والتي يفهمها المواطن في البصرة بشكل جلي.
لا يخفى على احد عندما راجت بعض التقارير الأمريكية في الأوساط السياسية و التي أشادت بسياسة بريطانيا في الجنوب (البصرة ) وعللت ذلك لخبرتها ولمهارتها في التعامل ، وبررت هذه التقارير سبب الاستقرار الأمني في هذه المدينة آنذاك ، وبالفعل خرجت بريطانيا من البصرة بأقل التضحيات ( وأكثر استتباب للأمن كما هو ظاهر ! ) ، لكن تركت ورائها شبكة معقدة وتركة ثقيلة ( هادئة مخدرة بفتح الدال !) ... وهذا يحتاج أيضا إلى تفسير !! كيف ولماذا ؟
نحن نعتقد يكمن في هذه الظاهرة المزدوجة المعايير بعدان الأول هو البعد الأمني والثاني هو البعد الاستراتيجي ، فالبعد الأمني : يتضمن سياسة بريطانية مغازلة للمارد الإيراني ورأت إنها لن تخسر شيئا عندما تنفذ ما تريده المخابرات الإيرانية ومؤسساتها في إطلاق يدها والاتصال بأذرعها المختلفة في البصرة والمتصارعة من اجل السيطرة والنفوذ لقاء تمتعها (بريطانيا ) بالأمن ، وبالفعل فقد مارست هذه الأخيرة لعبة الصمت وغمض الأعين ، بل أغدقوا الأموال على تمويل مشاريع تنفذها شركات ومقاولات تديرها الجماعات المسلحة .. وهذا طبعا قبضت ثمنه ( هو امن جنودها) ، وفي ظل هذا الوضع بدأت البصرة التي يقطنها ثلاثة ملايين نسمة تتصارع فيها ثماني وعشرون مليشيا ترعرعت تحت خيمة البريطانيين وبدعم إقليمي للأسباب المذكورة والتي عقدت أصغرها تحالفات مع الأكبر، فيما شكلت مجاميع صغيرة تحالفات ضغط للحصول على مكاسب لعناصرها أو أجندتها ، ومن هنا بدأ تقسيم النفوذ والموارد بين هذه القوى المتصارعة وفرضت سطوتها وظلت المدينة ترزح تحت القوة المسلطة والاغتيال غير المعلن ومصادرة الرأي ، فتراجعت الثقافة وتراجع الفن والعلم والأدب لتبرز مظاهر الجهل والتخلف وكأن مدينة السياب هذا هو حالها !! ومن ثم تأتي التقارير الأمريكية لتعلن مهارة وخبرة البريطانيين !! ، وفي ظل هكذا وضع تسلمت الحكومة العراقية الملف الأمني الذي يحمل في ثناياها قلعة مستعصية (في البصرة )أمام التحول الديمقراطي الذي يشهده البلد... أما البعد الاستراتيجي : هو أمر آخر واضح المعالم حيث التحولات التي مر بها البلد لم تكن بمنأى عن الأهداف الإستراتيجية الأمريكية الشاملة (البعيدة المدى ) كون العراق يشكل نقطة البداية نحو تحقيق تلك الإستراتيجية ، وعليه فان ترتيب الوضع السياسي والاقتصادي والأمني العراقي يعني للولايات المتحدة الأمريكية أكثر من غيرها وخصوصا فيمـا يخص التعامل مع القوى المتصاعـدة والمنافسة لهــا ( إيران ، الصيـن ، روسيا .. الخ ) لذا فان ((الشبكة المعقدة )) في البصرة التي سمحت حلفاء أمريكا بتصاعدها ، ما هي إلا ورقة تستخدم في تغير مسار صناع القرار السياسي العراقي وقت ما يتطلب الأمر بهذا الاتجاه أو ذاك بما ينسجم والرؤيا الأمريكية ، فضلا عن تشجيع إيران في تدخلها لإدانتها فيما بعد ومن ثم التعامل معها في الوقت المناسب كونها (إيران) تشكل هدفا رئيسا في المنظور الاستراتيجي للولايات المتحدة ، وربما هذا التحليل يدلنا على الأسباب الموضوعية التي اضطرت الحكومة العراقية بموجبها للتعامل مع أحداث البصرة وفق ما يعرف بـ (صولة الفرسان ) في هذا الوقت حيث الاستقرار في البصرة والعراق مطلبا أمريكيا في هذه المرحلة ، كما هو مطلبا عراقيا أيضا ... لكن ما مدى جدية الحكومة في معالجة وضع البصرة ؟ وما هي تداعيات تلك المعالجة ؟ بطبيعة الحال إن الجميع يأمل في جدية الموقف الحكومي لمعالجة الوضع (المعقد ) في هذه المدينة ، إلا إن المعطيات تحول دون ذلك ، فالسلطة على ما يبدو لم تأخذ بالحسبان المواجهة العنيفة التي واجهتها ، كان لابد لها أن تقرأ الأوضاع بتمعن وبشكل أعمق ! فالصراع لم تكن الحكومة طرفا فيه إنما هو صراع بين القوى ذاتها التي تمتلك من وسائل ربما تفتقر له الحكومة ! فالتيار الصدري هو متحسس من القوى الأمنية والجيش لالتحاق منظمة بدر بهذه المؤسسات الأمر الذي يفسره التيار الصدري تصفية لعناصره(( ناهيك عن الإخطبوط الكبير( الذي يزداد ثراء وخبرة ) المندس بين صفوفه وبات مصيره مرهون و مقترن به )) وان قادة الجيش والشرطة ما هم إلا أداه للمواجهة حسب مفهومهم ، وعليه اشتد الصراع بسبب التنافس الشديد على الأدوار والنفوذ تغذيه المافيات ألكبيره الموجودة في الساحة لاسيما وان الانتخابات كما هو معلوم على الأبواب ، من جانب آخر إن الحكومة تخشى المواجهة مع التيار الصدري وتصفيته لان كفة التوازن في حال تحقيق ذلك ستكون لصالح مارد كبير يكتسح ساحة رئيس الحكومة ، من هنا يمكن تأكيد صحة الاستنتاج الذي يؤكد عدم الجدية في تحقيق الأهداف المعلنة للحكومة وفق ما يعرف بـ (صولة الفرسان ) وربما القراءة الأولية في ساحة المواجهة توحي بذلك ،فقد أعلنت قيادة العمليات إن المهلة لنزع سلاح المسلحين ثلاثة أيام ، وبعد انتهائها مددت إلى عشرة أيام ، في الوقت الذي فتحت فيه حدود المدينة على مصراعيها بمختلف الاتجاهات ليصبح الإفلات من القبضة الحديدية المعلنة سهلة المنال ، وبعد أن عاد قائد العمليات إلى بغداد أمر حال وصوله بإيقاف المداهمة ! وهذا يشكل رسالة واضحة بعدم جدية المعالجة بالرغم من القرارات المعلنة باتجاه الحسم ، الأمر الذي يقلق أهل البصرة الذين يراقبون الأحداث بعمق وتمعن .
نيسان/2008 البصرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا