الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب -التخريف- السياسي

جهاد الرنتيسي

2008 / 4 / 13
السياسة والعلاقات الدولية


تنصاع العلاقة بين الواقع والخطاب السياسي لجملة محددات ، ونتيجة لهذه المحددات نجد الاخير انعكاسا للاول مرة ، ومتاثرا به مرة اخرى ، وباحثا عن حلول حينا ، وناقدا في احيان كثيرة ، ومهادنا في بعض الاحيان .
ولكن العجز عن الاستشراف ، والبحث عن الحلول ، والقراءة الخاطئة لتحولات المعادلات السياسية اخرجت العلاقة بين الواقع والخطاب السياسيين العربيين عن سياقاتها التقليدية لتطلق اشكالا اقرب ما تكون الى انحدار واقع الخطاب للحد الذي يجعله اكثر بؤسا من الواقع الذي يتعامل معه .
وفي الخطاب المترنح بين ازمات المنطقة وتحولاتها المتسارعة ما يكفي من الشواهد على بلوغه حد انعدام القدرة على التقاط الانفاس والتهافت الماراثوني مع الواقع الذي يتعاطي معه .
وقد تساهم بعض المحطات التي يمر بها الخط البياني المتذبذب للاوضاع المتدهورة في الاراضي الفلسطينية ، ولبنان ، والعراق ، وتطورات الملف النووي الايراني في تفسير بؤس الواقع الذي تمر به المنطقة الا ان الخطاب السياسي المصاحب بحاجة الى شئ من الرصد والتامل لكشف تحولات ازماته .
ففي بعض الاحيان يجري الحديث عن توافق اميركي ـ ايراني محتمل لاقتسام النفوذ في المنطقة بالشكل الذي يضمن مصالح الطرفين .
ولا يكلف اصحاب هذه الفكرة انفسهم عناء التفكير في شكل المشهد الشرق اوسطي بعد وصول واشنطن وطهران الى مثل هذا التوافق الذي يصطدم بثوابت اقليمية يصعب تجاوزها بدءا بالدور السعودي المتنامي في مواجهة الاطماع القومية الايرانية المغلفة بالدين ، ومرورا بموقع اسرائيل في الاستراتيجيات الكونية ، وردود الفعل التركية المحتملة .
وتجاهل هذه الاطراف ليس مقصودا بالضرورة ، فهو في الغالب نتاج كسل ذهني ، وضيق رؤية ، يحول دون الاحاطة بجميع اطراف المعادلة ، وينحو باتجاه القراءات السطحية ، التي تعتمد في ديمومتها على ضعف ذاكرة المتلقي ، وتراهن على ضيق افقه .
كما يترك طرح سيناريو الاتفاق الاميركي ـ الايراني على التقاسم الوظيفي في الخليج انطباعا بعدم الاكتراث بحسابات السياسة الداخلية الايرانية .
وينطوي عدم الاكتراث على تغييب لعامل مهم من عوامل صناعة القرار الايراني ، فمن بين الاسباب التي دفعت طهران الى رفع شعارات تصدير الثورة قبل عقود ، وتزيد من حاجتها الى التصعيد في المنطقة رغبة نظام الملالي في تصدير ازماتهم الداخلية ذات الطبيعة البنيوية.
ومع تراجع حضور الايديولوجيا في الحياة اليومية اكتسب الخطاب الراديكالي سمات جديدة تؤهله للاقتراب من الخرافة والابتعاد عن التحليل العلمي .
وتعكس معزوفة " استهداف سوريا " التي يحلو لبقايا المؤدلجين العرب ترديدها بعض تأثيرات هذه الخرافة .
فالشواهد المتوفرة تؤكد على ان بعض مأزق النظام الرسمي العربي ناجم عن استهدافه من قبل القطب الكوني المندفع باتجاه اعادة ترتيب المنطقة دون ادنى حرص على الخرائط السياسية القائمة اواي اعتبار لتحالفاته التقليدية ، او احترام لقيم الديمقراطية .
وفي الاندفاع الاميركي لترتيب المنطقة ما يفسر الحملات الاعلامية والسياسية التي تتعرض لها القاهرة بين الحين والاخر ، والبرود الذي يطرا على العلاقات الاميركية ـ السعودية ، والصمت الدولي الذي رافق حصار الرئيس الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات .
وبتعرض علاقات مختلف اطراف النظام الرسمي العربي مع الادارة الاميركية للتوتر بين الحين والاخر تسقط مبررات استخدام الشعارات المبنية على " الاستهداف " لتميز نظام عربي عن آخر .
ولدي انعقاد قمة دمشق عكف البعض على اظهار غياب زعماء الاطراف الفاعلة في تيار الاعتدال العربي وكانه نتيجة لضغط واشنطن على حلفائها لافشال القمة .
والواضح ان وهم اخفاء الشمس بالغربال اعمى بصيرة اصحاب الخطاب الذي اخذ شكلا اتهاميا ـ على اعتبار ان الهجوم افضل وسيلة للدفاع ـ عن حقائق مادية ملموسة يصعب اخفاءها .
فقد شاركت في القمة دول عربية معتدلة ، ترتبط بعلاقات تحالف مع الولايات المتحدة ، ويستضيف بعضها قواعد اميركية .
وخلاف تيار الاعتدال العربي مع النظام السوري حول الملفات الساخنة بات من الوضوح الى الحد الذي يصعب تجاوزه ، وبفعل هذا الخلاف تفكك محور دمشق ـ القاهرة ـ الرياض ، وخفضت عواصم الفعل العربي حضورها في القمة ، وعلى اساسه تبنى تحالفات وسياسات المرحلة المقبلة .
والخطوات التي بذلها النظام الرسمي العربي لاحداث تغيرات في السياسة السورية ، واخراج دمشق من عزلتها دليل حسن نوايا يقوض اسس التفسيرات المبنية على الضغط والاستهداف .
ولعل اخر ما تفتقت عنه ذهنية اصحاب الخطاب السياسي المأزوم نفض الغبار عن مصطلح " الممانعة " بعدما كاد ان يتلاشى في القواميس .
وتكشف عودة المصطح الى الخطاب المتهافت عن جملة معطيات ابرزها حاجة نظم "الاستبداد السياسي" و " العداء للاخر " الى روافع لسياساتها المهلهلة على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وابعاد الانظار عن جوهر الازمات المركبة التي تعيشها المنطقة .
ويتجاهل الذين يساهمون في بلورة مثل هكذا خطاب حقيقة ان الشعوب التي تعيش في ظل حالة الاستبداد ، ويتعرض ابناءها للاعتقالات ، ويمارس عليها التعتيم اقل الشعوب مناعة ، وقدرة على الممانعة .
كما يبرر مصطلح الممانعة الذي يوحي ايقاعه للوهلة الاولى بالكبرياء ، ويكشف بقليل من التمعن عن حالة الهزال العربي ـ جاء تعويضا عن تراجع القدرة على المقاومة ـ رغبات دفينة في الانكفاء عن العالم ، والاكتفاء بعلاقات اقرب ما تكون الى الزبائنية السياسية ، مبنية على افتراضات هيجان وشيك للشارع العربي الذي يسهل تهييجه ، وقيادته الى جهنم على دروب مفروشة بالنوايا الحسنة .
وفي المقابل يراوح خطاب الاعتدال العربي بين محاولات العثور على مخارج من بؤر التوتر باعتبارها تحديا لحالة الاستقرار النسبي .
و مع استمرار المراوحة بين الازمات الفلسطينية واللبنانية والعراقية يتراجع الحديث عن ضرورات تكريس المؤسسية ، والتعددية السياسية ، وحقوق الانسان ، والاصلاحات الاقتصادية .
وبين " المراوحة " و" التراجع " لا ينجو خطاب الاعتدال من شبهات "التهافت" واللجوء الى التواترات الخارجية للالتفاف على الازمات الداخلية رغم التسامح الذي تتسم به الحالة التي يمثلها ، الامر الذي يتطلب ورشات عمل واسعة لوضع حد لتهافت هذا الخطاب ، لا سيما وان الطرح المعتدل بات خشبة الخلاص بعد الكوارث التي قادت اليها سياسات اصحاب خطاب " الممانعة " باستثمارهم بؤر التوتر ودماء ابناء شعوب المنطقة في خداع شعوبهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا