الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام القبض على الدكتاتور 10 تفكيك فكر العاهة

حمزة الحسن

2003 / 12 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من طبيعة الفكر الفاشي الاستمرار والكمون والسرية والتمدد، قبل سقوط السلطة المنتجة له وبعدها، أي أنه لا يتقيد بالمركز والأطراف بل ينتقل مع الضحايا إلى أي مكان ارتحلوا خاصة فكر العاهة الذي يعيش مع ضحاياه لسنوات طويلة بحيث يبدو الأمل مملا وطويلا وكريها.

هذا هو السبب الذي دفع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لكي يحذر من الأمل الطويل( إياكم وطول الأمل!) وطبعا هذا ما يؤكده علم النفس الحديث على نحو قاطع. ويبدو أن فراسة البدوي، والرؤية الصحراوية الصافية،النقية، والتماس المباشر مع الحياة( بلا مفاهيم تحجب!) هو الذي جعل الإمام يمسك مرات كثيرة بقوانين بشرية دقيقة.
 
إن الأمل الطويل يعفن الجسد والذات ويحول الكائن إلى مخلوق أو سجن متجول لأن الرغبات المتفسخة المشروعة وغير المشروعة ما لم تخرج فهي "تصدأ" وتحاصر نفسها داخل الجسد وتعفنه وتخربه ويصبح الكائن البشري شكلا بلا محتوى، وصورة بلا أعماق، وجسدا بلا روح، وجثة تنتظر نقلها من الرصيف إلى القبر، حية.

يصبح الكائن، في وضع مأساوي مثل هذا، في حالة( الحجاب) أي لا يرى غير حجابه وعقده وأمراضه وخصومه حتى لو احترق الوطن، بل حتى لو احترقت الدار، ويظل يتاجر بمشاكله في كل مكان وزمان.

 ومن يطلع على بعض "نماذج" ما يكتب اليوم في الداخل وفي الخارج يلمس عمق الشرخ الأخلاقي والنفسي لشريحة من أهل القلم لا شغل عندها اليوم  ـ كما لا شغل عندها بالأمس! ـ غير نقل ثقافة العاهات والمعارك الصغيرة والحيل من مكان إلى آخر: ومن وعي مفارقات الحالة العراقية، وأوهام "المثقفين" أن بعض هؤلاء حين خرج من العراق نقل معه ثقافة الفاشية بكل ما فيها من عاهات معروفة وغير معروفة وشغل الصحف لسنوات طويلة بعقده وأمراضه الشخصية وعاهاته الدفينة بعد أن برقعها، وظل يدافع عن فشله وشذوذه العلني النفسي والثقافي والروحي، واليوم عاد  في مفارقة حزينة وساخرة ومضحكة ونقل هذه العاهات في سلوك مقلوب ـ وقد تاجر بها طويلا في صحف المنفى وشغل بها الناس والوطن يحترق ـ  نقول نقل هذا الشقاء العقلي والفكري والسياسي إلى صحف ومواقع الداخل كأن كل ذلك الخراب لا يكفي وأنه عاد إلى الوطن بهذه "الصرة" القذرة التي خرج بها أول مرة، أي عاد بخفي حنين كما يقولون؟!

يسألني أصدقاء وكتاب في بغداد حين نتحدث على الهاتف أو في الرسائل هذا السؤال الذي أجد نفسي حائرا وغير راغب في الإجابة عليه إجابة فورية لأن الاختزال يشوه: أين هؤلاء الذين أسسوا خطابهم( السياسي والثقافي) على نقد السلطة؟ أين خطابهم البديل؟ إن كتابات هؤلاء ـ يقولون ـ  اليوم في صحف ومواقع عراقية في بغداد وخارجها تعيد لنا تقاليد الفكر البوليسي الفاشي وثقافة العاهات وتقاليد الوصم وذهنية الافتراس وعقلية إلغاء الآخر أو تدميره وهذه هي بالضبط ثقافة السلطة الوحشية. وكما شغل هؤلاء صحف( المعارضة) سابقا بعاهاتهم وخصوماتهم على حساب وطن على وشك الحريق والخراب، عادوا اليوم، وقد احترق الوطن، لإعادة إنتاج البذاءة نفسها مرة أخرى؟! هل هذا عقم عقلي؟ تصحر؟ جفاف؟ ولماذا لا يترك هؤلاء الأراذل الناس تضمد جراحها وتنسى وتبدأ رحلة مغايرة صوب الحرية والأمل والجمال والمصالحة والفرح البشري العادل؟ أم انه سلوك منحط راسخ حتى الموت؟ أم انه التواطؤ العام والصمت بل الدعم والنشر لهؤلاء المرضى والممسوخين والمنحرفين والأدعياء هو الذي يخلق الجريمة التي تبدأ عادة صغيرة مثل كل جريمة ثم تكبر في الغفلة والإهمال كظاهرة الطاغية؟ وشخصيا أميل لهذا السؤال الأخير.


 نحن لا نقرأ ـ يقولون ـ عن تجاربهم في العيش في دول ليبرالية وديمقراطية ولا تجارب هذه الدول في الضمان الاجتماعي والقوانين المدنية وتقاليد المؤسسات والمجتمع المدني ورعاية الطفولة والشيخوخة ولا في المحاكم والبوليس ولا في الحب والغرام ولا في الحدائق أو الغيوم ولا أثر لبحر أو شفق ولا وجود لنهر أو جسر تاريخي ولا عرض لتجربة ثقافية ولا إشارة لقنطرة حجرية في لوحة كما هي قناطر الرسام كلود مونيه أو فان كوخ أو غوغان وغيرهم؟! أين عاش هؤلاء بالضبط؟! إن هذه الثقافة ، يقولون بأسف، لا تنتج فكرا ولا حياة سياسية سوية، بل تستنهض غرائز وحشية ومشاعر كراهية صفراء في مجتمع مثخن بالجراح والموتى والأحزان والمخاطر والعواصف القادمة.

وكنت أقول لهم ولنفسي ان الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد وان هؤلاء يشكلون" أصابع ملوثة" في كل زمان ومكان وإذا كانوا الآن في واجهة منابر عابرة وممولة فلأن الوجه الآخر للصورة، وجه المثقف المشرق والناصع والمعرفي والنقدي، مشغول بإعادة بناء صورة أجمل لوطن مخرب وهؤلاء كل همهم تجميل صور شخصية قبيحة لا تنفع معها كل مساحيق العالم: صوت العربات الفارغة هو الأكثر ضجيجا. وطبيعة الإبداع هادئة سرية ناعمة كالينابيع بلا صخب فهذه طبيعة الجمال: الدفء، والهدوء، والعذوبة كضوء النجوم ونوم الأطفال.

إذا كنا قد صمتنا عن هذه النماذج ولم نذكرها بالأسماء وتعاملنا معها كظاهرة منحرفة ومرضية في ظروف سابقة ولم يردعها ذلك مراهنة على عدم فهم الجمهور( بل شجعها هذا الاستنكاف إضافة إلى دعم بعض أصحاب المنابر الجهلة بخطورة دورهم وقيمة المنبر) ففي المرة القادمة سنبصق الحصاة ونتحدث عنهم بالأسماء والوقائع والتفاصيل المملة كما هم يتحدثون عن الآخرين وبلغة عارية هذه المرة لأننا لسنا في كل حقبة نخلق طاغية بالصمت والتواطؤ واللامبالاة ونؤسس مقابر وندفن موتى. وعلى أصحاب المنابر والصحف احترام دورهم ومهنتهم وأنفسهم والكف عن نشر هذه البذاءات لجهلة وأدعياء ينشرون في كل مرة  الخراب والعاهة والتشوه تحت" ستار" الثقافة أو السياسة. إن حياتنا خربتها مرات هذه النماذج القادمة من المقهى أو الزقاق أو الشوارع الخلفية أو سجون الإصلاحية وتحت نفس القناع السياسي والثقافي.

والغريب ان العراقي حين يصاب بالجنون والعته والخبل "يقلبها" على ثقافة وسياسة عكس كل شعوب العالم  حيث يمضي المرضى إلى المصحات؟؟!!

الحجاب يعشي البصر والبصيرة خاصة إذا كان هذا الحجاب من نوع سميك، من نوع ثقافة وتربية وممارسة طويلة ومزمنة دون رغبة في إعادة النظر حتى في ظل دول مفرطة في الحرية الفردية.

هؤلاء لا يعيشون في أوطان بل داخل زنازين نفسية صفراء يحملونها معهم أينما ارتحلوا كخيام البدو، وبينهم وبين الحياة الحقيقية، والسوية، والفكر البشري الحديث، والثقافة الإنسانية، والمعرفة، والجمال، والأمل، والنقاء، حجاب كثيف يمنعهم ويحبسهم على نحو حزين بل مأساوي: هؤلاء سجناء الجلد، بتعبير الشاعر أدونيس!

وقديما قال الصوفي البسطامي في صلاته: (اللهم مهما عذبتني فلا تعذبني بذل الحجاب) لأن الحجاب وهو أنواع: الحجاب الفكري، والنفسي، والروحي ، والأيديولوجي، والأخلاقي، هو كل ما يمنع الكائن البشري من رؤية الحياة والحق والجمال والنور الصافي  ويحوله، دون وعي، إلى جيفة متنقلة!  

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من