الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طالبان من أفغانستان إلى باريس

ثائر دوري

2003 / 12 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


إن المتابع لوضع العالم السياسي و الاجتماعي  يلاحظ بسهولة  الأزمة التي يعانيها منها هذا العالم و على  كافة المستويات ، السياسية ، و الاقتصادية ، و الأخلاقية . و لعل أخطر هذه الأزمات هي أزمة الأفكار .
خرج الفكر الغربي الليبرالي مزهوا بنفسه معتداً بعد هزيمة عدوه الإيديولوجي الماركسي في الثمانينات ،  فقدمت الليبرالية الغربية طريقتها في الحياة المأخوذة  من مباديء الثورة الفرنسية ، و التي تقوم على الحرية وإعلاء دور الفرد إلى حد اعتباره مركز الكون . قدمت الليبرالية هذه الطريقة على أنها الحل الأمثل لمشاكل البشرية .
 فمن الناحية السياسية تم تقديم الاحتكام إلى صندوق الاقتراع على أنه  الحل السحري ، و الشكل الديمقراطي الوحيد الذي لا يأتيه الباطل لا من خلفه و لا من أمامه في مواجهة دكتاتورية البروليتارية المنهارة في أوربا الشرقية . لكن أحداث العامين المنصرمين المتسارعة ، لا سيما أثناء التحضير للحرب على العراق و بعد أحداث الحادي عشر من أيلول . وضعت النموذج الليبرالي في مواجهة أزمة شاملة . فانتهاك الحريات الذي قامت به الدول الغربية منذ تلك الأحداث لم تقم به أنظمة شمولية كان الغرب يعتبر نفسه نقيضها الأخلاقي و السياسي . و تراوحت هذه الانتهاكات من اعتقال على الشبهة إلى الإبقاء في السجون بدون تهم أو دون إجراء محاكمات ، إلى إصدار أحكام بالاستناد إلى أدلة سرية لا يحق للمتهم الإطلاع عليها . و صار الحساب على النوايا أمراً لا ينكره الغرب ، كما سنت الولايات المتحدة قوانين تتيح لها مراقبة خصوصيات الأفراد من بريد الكتروني و مكالمات هاتفية . .... الخ
ثم جاءت الفترة السابقة للتحضير للحرب على العراق لترسخ أزمة الديمقراطية الليبرالية ، خاصة في الدول التي تحالفت مع أمريكا و هي إسبانيا و ايطاليا و بريطانيا . لأن هذه الحكومات المنتخبة ديمقراطياً سارت في طريق الحرب ضد رغبة شعوبها ( وصلت نسبة الرأي العام المعادي للحرب في اسبانيا إلى 80- 90 % ) دون أن تستطيع الأكثرية المعادية للحرب أن تؤثر على قرار حكوماتها في قرار مصيري كهذا ، و هل هناك قرار مصيري أكبر من قرار الحرب و السلام ؟ و هذا يعني انتهاكا فاضحاً لجوهر الديمقراطية ، التي عٌرفت بأنها حكم الأكثرية للأقلية . أما هنا فقد عٌكست الآية و حكمت الأقلية الأكثرية و سارت بها إلى الحرب ضد رغبتها.  
و نشاهد هذه الأيام في فرنسا فصلاً جديدا من فصول أزمة الفكر الليبرالي . حيث خرج علينا الرئيس الفرنسي جاك شيراك ، بعد جدل طويل  بين مؤيد و معارض، خرج الرئيس الفرنسي و أعلن تأييده لسن قانون يمنع الحجاب في المدارس الرسمية . و لتغطية القرار بشكل لا يخدع أحداً أضاف إلى قرار منع الحجاب  منع القلنسوة و الصلبان الكبيرة . لكن الأمر كان غاية في الوضوح ، المستهدف هو الحجاب .
 ربما يهوّن بعض الناس من الأمر بالقول ، أمر المنع يقتصر على المدارس الرسمية و الفتيات اللواتي يرغبن بالحفاظ على حجابهن يستطعن الذهاب إلى المدارس الخاصة . لكن نحن نقول إن هذه قراءة سطحية للأمور لأن هذا القرار في حال صدوره سيشكل سابقة يبنى  عليها . فمن يضمن الآن  بعد فتح هذا الباب أن لا تثار مسالة اللحى و الحجاب في الشوارع  . و بهذا نصل إلى وضع شبيه بما كان ينتقده الغرب في أفغانستان تحت حكم طالبان . لقد قامت الدنيا و لم تقعد لأن طالبان أجبرت النساء على التحجب و الرجال على إطالة لحاهم .
في فرنسا تستطيع أي فتاة أن تكشف ما تشاء من جسدها . لكنها الآن لا يحق  لها أن تضع حجاباً . هل هذه الحرية الفردية التي قامت عليها الثورة الفرنسية ؟
إن الأنظمة الشمولية هي التي تتدخل في لباس الأفراد و أمزجتهم . فهل وصلت الليبرالية الغربية إلى وضع شبيه بهذا ؟
لقد ركز الإعلام الغربي بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان على أنه حرر النساء من عبودية طالبان في اللباس . قلنا هذا حسن . لكن فجأة أطل علينا شيراك بهذا القرار العجيب ........
يبدو أن موضوع لباس النساء و رمزيته ليس خاصاً ( بالأصوليين ) كما يدعي الغرب . بل إن الفكر الليبرالي متورط بهذا الأمر إلى درجة التناقض مع ليبراليته..!!
 لقد سمعت هذا السؤال العفوي من شرائح مختلفة من الناس :
- إذا كان يحق للفتاة أن تكشف ما تشاء من جسدها بلا حدود ألا يحق لها أن ترتدي الحجاب ؟!!
أي ديمقراطية و أي ليبرالية و أي حرية للفرد هذه !!
إن كل ما ذكرناه يشير إلى أزمة الفكر الليبرالي الغربي و إلى ديمقراطيته الهشة ، التي يجب أن لا تتعارض مع مصالح الاحتكارات الربوية تحت طائلة سحق الأفراد و المجتمعات . كما أن حدود الاختلاف التي يسمح بها هذا الفكر الليبرالي ضيقة جداً و تختفي تماماً في أوقات الأزمات .  
إنها أزمة تجتاح العالم من الشرق إلى الغرب : أزمة أخلاقية و سياسية و اقتصادية و أهم من كل ذلك أنها أزمة أفكار تشير إلى تصدع هذا النظام العالمي و انهياره السريع . لذلك صار البحث عن بدائل فكرية و أخلاقية و سياسية و اقتصادية مهمة على جدول أعمال التاريخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت