الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة الأوروبية في تحول

هاشم نعمة

2008 / 4 / 14
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر عام 2006 كتاب مهم بعنوان " السياسة الأوربية في تحول" لمجموعة من الكتاب. يبحث الكتاب في الجوانب العامة والخاص للسياسة الأوروبية، التكامل الجغرافي، السياسات المؤسساتية، المنافسة، الاندماج، الديمقراطية، التباين الاجتماعي، عضوية الإتحاد الأوروبي، الارهاب والعلاقات مع القوى العظمى الولايات المتحدة.

يرصد الكتاب تحديث المؤسسات السياسية الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية حيث تحولت السلطة من البرلمان إلى المؤسسات التنفيذية. على افتراض أن ذلك يساهم في سرعة وتماسك صناعة القرار السياسي. وقد صممت البرلمانات لتمثل مختلف المصالح. ونظمت السلطة التنفيذية لتعمل بشكل حاسم من أجل تنفيذ القرارات بفعالية. وكان هناك تحول في قوة صنع القرار داخل السلطة التنفيذية. حيث أصبح رؤساء الوزارات والمظفون التابعون لهم يمارسون سلطة أكبر. ومن ناحية أخرى وبسبب زيادة تدخل الدولة في النشاطات الاقتصادية الكبيرة زاد تأثير وزراء الاقتصاد بشكل كبير في الإدارة اليومية للسياسة الحكومية.

لعبت الأحزاب السياسية الدور الرئيس في تنظيم المشاركة السياسية وقبول النموذج الأوربي الذي انبثق بعد الحرب العالمية الثانية. وكانت قد مرت بعملية تحول في التنظيم ولم تثبت قاعدتها الاجتماعية. وقد تحولت بنيتها وسلوكها من أحزاب مرتبطة تنظيمياً وايدلوجياً بالطبقة العاملة من ناحية وأحزاب مرتبطة تاريخياً بمصالح النخب الاقتصادية من ناحية أخرى. لذلك تنافست من أجل كسب أوسع للناخبين والمؤيدين بما فيهم الخصوم الإيدولوجيين لتكوين قاعدة إنتخابية عريضة مساندة لها. لذلك اعتبرت نفسها في فترات الانتخابات انها لا تمثل طبقة معينة مثل الطبقة العاملة أو النخبة الاقتصادية وإنما كأحزاب أكثر حداثة تمثل مصالح مختلف الطبقات الاجتماعية.

وتحت موضوع النموذج الأوروبي أزمات واختلافات وتحديات يبحث الكتاب في التطورات التي مرت بها أوروبا منذ أواخر الستينات من القرن الماضي إلى منتصف السبعينات حيث أن تجدد النزاع السياسي كان قد تجذر في عملية النمو الاقتصادي الذي ولد الكثير من التوترات السياسية التي كانت غير جلية بسبب السيطرة القوية لرأس المال والدولة. مع أن هدف الدولة كان تقوية النمو الاقتصادي بدلاً من تقليل عواقبه الاجتماعية الضارة. اضافة إلى قضايا أخرى مثل التلوث وقطع الغابات وتصاعد المعارضة الرادكالية وسط الكثير من طلاب الجامعات ضد العمليات العسكرية الأمريكية في فيتنام. وشملت هذه الفترة اضافة إلى نشاط المنظمات النسوية اضرابات وسط الشباب مثل ما حدث في إيطاليا والسويد وكان أهمها ما حدث في فرنسا في ماي 1968 حيث نظم حوالي نصف عدد العمال والطلاب والمهنيين والموظفين الفرنسيين أكبر إضراب عام في التاريخ.

وكان بطء نمو اقتصاديات دول أوروبا الغربية قد عزز أزمة ما بعد الحرب. حيث عانت من تراجع المنافسة العالمية. والنتيجة كانت معدلات عالية للبطالة والتضخم وبطء نمو الإنتاج وزيادة طفيفة في مستويات المعيشة. وهذا يعني أن السنوات الذهبية لما بعد الحرب قد إنتهت.

من أواسط السبعينات إلى أواسط الثمانينات تعزز الاحتجاج السياسي مع الأداء الضعيف للاقتصاد الذي بدأ في أواخر الستينات. وقد حدثت تجربة سياسية قصيرة إلى أواسط الثمانينات عندما دعت حكومات اليمين واليسار التي أنتخبت في كثير من دول أوروبا الغربية إلى إنطلاقة جديدة. بداية الزخم السياسي أخذ يتجه إلى اليسار. فمثلاً أنظمة أوروبا الشمالية التي إبتكرت آلية تمكن العمال من المشاركة في إتخاذ القرارات فيما يخص التغيير التكنولوجي والصحة المهنية والسلامة. وفي فرنسا قامت الحكومة الإشتراكية التي أنتخبت برئاسة الرئيس ميتران في عام 1981 بتوسيع القطاعات الصناعية والمالية المؤممة بشكل أساسي. وقد تغير الزخم السياسي بإتجاه اليمين نتيجة إكراهات الاقتصاد العالمي ومعارضة القوى المحافظة المحلية الهادفة لإيقاف الاصلاحات الرادكالية. رغم أنه لم تكن هناك حكومة أوروبية غربية ناجحة بدرجة كبيرة في استقطالب الدعم السياسي المتحرك أو تعزيز أداء اقتصادي ناجح. وقد فشل اليسار في تطوير بداية جديدة خصوصاً عندما يقاس الأمر بالفرصة التي توفرت له عقب انتخاب الأنظمة الإصلاحية الاشتراكية في فرنسا وإسبانيا واليونان.

كانت الثمانينات فرصة الهجوم المضاد للمحافظين. فمثلاً في بريطانيا شنت حكومة المحافظين برئاسة تاتشر هجوماً كبيرأ ناجحاً على قوة الاتحادات العمالية وخصخصت كلا من تسهيلات السكن العام والشركات الصناعية المؤممة. وبدرجة مساوية في الأهمية تبنت تغيرات مهمة في الثقافة السياسية البريطانية وعززت دعم المبادرة على حساب الجماعية. كذلك تحالف اليمين وعد بتخفيضات ضريبية فيما إذا أنتخب في كل من الدنمارك والنرويج وفي دول أخرى حيث في الغالب حل محل الأحزاب الاشتركية الديمقراطية الحاكمة.

فقدان الثقة وعدم الاستقرار والتراجع العام الذي سيطر على اوروبا الغربية في أوائل الثمانينات كان قد أطلق عليه مصطلح لاذع "التصلب الأوروبي" الذي أخذ يسمع عبر الوقت. فقد فقدت أوروبا إتجاهها الذي أعقب فترة طويلة من النمو وإعادة الإعمار لفترة ما بعد الحرب وبات لا أحد يعرف متى يتوقف هذا الاتجاه. ومنذ اواخرالثمانينات والتسعينات كانت هناك عملية لإحياء أوروبا وسط قضايا جديدة ومشاكل وتحديات.

ومنذ التسعينات إلى القرن الواحد والعشرين يحلل الكتاب إنبثاق نموذج أوروبي جديد. في الثمانينات وفي بعض أوقاتها إختفت الحيوية من النموذج الأوروبي التي كان مصدرها الاقتصاديات المختلطة التي تبنتها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية لفترة ما بعد الحرب والنماذج السياسية الوطنية. رغم بقاء مكونات مهمة من النموذج الأوروبي القديم مثل قطاع الدولة للرعاية الاجتماعية الذي بقى أوسع كثيراً مقارنة بنظيره في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد إنبثق منذ التسعينات نموذج جديد للسياسة نتج من تجديد عملية الاندماج الأوروبي وتبني سياسة عملية جديدة واضحة المعالم. وتتميز الفترة الحالية بإعادة تقوية وتوسيع الاتحاد الأوروبي وبتكثيف العولمة الاقتصادية ومواجهة التهديد الدائم للإرهاب والتعامل مع الولايات المتحدة التي في الغالب كما في فترة التحضير للحرب ضد العراق أو في النزاعات التجارية المستمرة في منظمة التجارة العالمية تصطدم مع حلفائها الأوروبيين. ويستنتج الكتاب أن أوروبا تعيش الآن مرحلة حاسمة من التطور السياسي والوئام التاريخي.

الطريق الثالث

حالياً تبدو هناك حركة ضد المبادئ الوسطية وتوازن قوى العام والخاص لفترة ما بعد الحرب وضد دولة الرفاه الاجتماعي. وهناك إتفاق عام على تخفيض الضرائب وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد والإعتماد أكثرعلى قوى السوق لتشكيل الحاصل الاجتماعي- الاقتصادي أي الاتجاه بشكل أوسع لما يسمى باللبيرالية الجديدة. رغم بقاء الكثير من آليات قيادة الدولة وبرامج الرفاه الاجتماعي لفترة ما بعد الحرب. لكن زخم توسيع الجانب السياسي للسوق جاري العمل به وكذلك خفض نفقات دولة الرفاه الاجتماعي وتنشيط قوى السوق الخاصة.

هذا التحول نحو اللبيرالية الجديدة لم يستوعب الإهتمامات السياسية الأخرى. حيث الكثير من هذه الإهتمامات بدأت تقوض إتفاق ما بعد الحرب في أواخر الستينات وهذه تشمل القضايا البيئية ونوعية الحياة والمطالبة بالحكم الذاتي والمعارضه لتدخل البيروقراطية العامة والخاصة حيث إستمرت هذه تشعل التحركات الاجتماعية والاقتصادية. الأحزاب اليمينية من جانبها تكون في الغالب أقل استجابة لمثل هذه القضايا الجديدة مقارنة بأحزاب يسار الوسط التي تستجيب بفعالية ضمن أجندتها السياسية. في الحقيقة أصبح وبشكل متزايد من الصعب تحديد اليسار واليمين فيما يخص التأييد التقليدي لآليات السوق أوالتأييد التقليدي لشروط الدولة.

من اجل تجاوز ذلك إنبثق توجه سياسي جديد في أوروبا من السياسيين والأحزاب من وسط - اليسار تقوده بريطانيا بشخص رئيس الوزاء السابق توني بلير مع المانيا بشخص المستشار السابق جيرهارد شرودر كحليف قوي حاول الإثنان السير "خلف اليسار واليمين". هذا الطريق الثالث حاول تجاوز التوزيع السياسي الذي أعتبر غير ملائم لعصر المنافسة العالمية المكثفة وحاول التأليف بين أفضل المطالب التقليدية لليسار واليمين مثل العدالة الاجتماعية التي تتبناها الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والأعتماد على الديناميكية الاقتصادية لليسار. ويقول رالف داهريندوف: في الحقيقة إن النقاش الدائر حول الطريق الثالث أصبح الملمح الوحيد للإتجاهات الجديدة في السياسة الأوروبية في موقفها الملتبس من الإتجاهات والأفكار.

بالتأكيد فإن إنبثاق التوجه السياسي الجديد الذي يتحدى بشكل مهم وبعيد بنية النموذج الأوروبي القديم لا يعني إجتثاث هذا النموذج بالكامل. فقد بقت الحدود الطبقية والمهنية مهمة من الناحية السياسية. ورغم تراجع النقاشات التي طال عليها الزمن بين الاشتراكيين والمحافظين لكن هذا لا يعني نهاية للأيدولوجيات السياسية. وظهرت قوى ومجموعات وأحزاب جديدة تحدت النظام المستقر واكتسبت أهمية متزايدة مثل الحركات البيئية وتعبيرها السياسي حيث بات الخضر الآن يمثلون بقوة في البرلمان الأوروبي. إضافة إلى ظهور قوى مناهضة المهاجرين في كل بلد. لذلك رغم أن الطريق الثالث يمكن أن لا يكون الهدف الوحيد في السياسة الأوروبية إلا أنه سيظل يشكل ظلاً على أوروبا لفترة طويلة.

نفس القوى التي قادت التغيير السياسي الداخلي في الثمانينات أيضاً دفعت القادة السياسيين والمتنفذين البارزين في إدارة الأعمال ليضعوا خططهم لتقوية الإتحاد الأوروبي. عندها لخص الرئيس الفرنسي ميتران الموقف بالقول على مضض عام 1983 بأن فرنسا لا تستطيع إنجاز تنشيط الاقتصاد الداخلى بالإعتماد على نفسها لذلك قرر العمل بشكل مشترك مع المستشار الألماني هلموت كول في جهد مشترك لإنعاش اقتصاديات فرنسا وألمانيا المريضة من خلال زيادة التعاون الاقتصادي الأوروبي. وهكذا أنقذ قادة الدولتين الرئيسيتين مع قادة مديري الأعمال البارزين والموظفين في المجموعة الأوروبية هذه المجموعة من الركود الاقتصادي. وعندما أقرت إتفاقية ماسترخت حول الإتحاد الأوروبي عام 1993 بدأ عصر جديد في سياسة أوروبا الغربية. هذه الإتفاقية عمقت الاندماج الاقتصادي والتنسيق في العلاقات الخارجية وسياسة الدفاع والتوجه لطلبات توسيع الديمقراطية الداخلية. وشملت التغييرات المؤسساتية المنظمة في إطار الإتحاد الأوروبي منذ أوائل التسعينات إجراءات معينة لتوسيع مدى التنظيم مثل السماح بحرية حركة السلع ورأس المال والتكنولوجيا والعمل. وكان تأسيس البنك الأوروبي المركزي وإنطلاق عملة اليورو عام 1999 التي أستبدلت العملة الوطنية في إثنتي عشرة دولة من مجموع خمس عشرة دولة المكونة للإتحاد الأوروبي قبل توسيعه نحو الشرق. وتوسيع الإتحاد الأوروبي عام 2004 والإتفاق المؤقت حول الدستور الأوروبي في ذات العام كل هذه الخطوات شكلت معالم بارزة في نهضة الإتحاد في العقدين الماضيين.

ويستنتج الكتاب ليس واضحاً ما ستكون عليه حصيلة هذا التحول الهام في السياسة الأوروبية مستقلاً. علاوة على ذلك تنتظر الإتحاد الأوروبي قضايا أكبر: تراجع معين في العمليات السياسية الوطنية والاقتصادية ومستقبل الدولة الوطنية في أوروبا والعلاقة بين غرب وشرق القارة وهوية الأوروبيين واندماج أوروبا في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي. مهما يكن مستقبل الإتحاد والقضايا الأكبر التي ستواجهه فمن الواضح تماماً بأن التحول الحالي في السياسة الأوروبية يعكس شكل أو نظام حكم يتخطى الحدود القومية.

في رأينا تأتي أهمية الكتاب في بحثه المعمق لتجربة مهمة بايجابياتها وسلبياتها حيث يمكن الاستفادة منها بالنسبة للذين يريدون حقا تطبيق على الأقل شكلا من أشكال التعاون والتكامل بين بلدانهم .

عنوان الكتاب: السياسة الأوروبية في تحول
المؤلفون: مارك كريغر وآخرون
الناشر: جارلس هارتفورد، بوسطن
سنة النشر: 2006
عدد صفحات الكتاب: 610








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني