الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارون يسلط سوط الانسحاب

يعقوب بن افرات

2003 / 12 / 30
القضية الفلسطينية


بعد طول تمرغ في الطريق المسدود، انطلق فجأة سباق الخطط الاسرائيلية لحل الصراع مع الفلسطينيين. وفي كل يوم ينضم متسابق جديد، سعيا لاجتذاب الاضواء والعناوين في الصحف اليومية. بلقب المبادر فاز بلا شك يوسي بيلين الذي نظّم لنفسه احتفالا مثاليا في جنيف بمشاركة اسرائيليين وفلسطينيين، من هواة الحفلات السلامية وإن كانت خيالية. فالموقعون على الاتفاق لا يتمتعون بأي دور سياسي مؤثر في اي من الجانبين الفلسطيني او الاسرائيلي.

المستفيد الوحيد من الاتفاق كان يوسي بيلين الذي يرشح نفسه لزعامة الحزب اليساري الجديد "يحاد" (سويا). ويأتي هذا الحزب وريثا لحزب ميريتس الذي انكمش نفوذه في الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 2003، وهبط من عشرة مقاعد الى ستة.

اتفاق جنيف اصبح برنامج اليسار الاسرائيلي بزعامة بيلين، غير انه سيبقى حبرا على ورق. فقد هاجمه اليمين الاسرائيلي على لسان نائب رئيس الوزراء ايهود اولمارت، في محاولة يائسة لاحباطه. ومارست الحكومة الاسرائيلية ضغوطا كبيرة على البيت الابيض لمنع لقاء وزير الخارجية الامريكي، كولين باول، ببيلين وعبد ربه، دون نجاح.

ويأتي الاتفاق في وضع تتعرض فيه شعبية حكومة شارون لهبوط، بسبب عجزها عن تقديم حل سياسي للصراع المحتدم مع الفلسطينيين. واولمارت الذي ادرك ان اتفاق جنيف ما هو الا ورقة ضغط على الحكومة لدفعها على تقديم الحل، قرر احباطه بطريقة اكثر ابداعا. ففي مقابلة مطولة لصحيفة "يديعوت احرونوت"، نادى بالانسحاب الاحادي الجانب من الضفة الغربية وغزة، حفاظا على الطابع اليهودي والديموقراطي للدولة العبرية.

وسرقت التصريحات المفاجئة عناوين نهاية الاسبوع من بيلين. ولا غرابة في ذلك، اذ ان صاحب جنيف هو شخصية يسارية مهمشة سياسيا، اما التصريحات الاخيرة فصادرة عن زعيم يميني متطرف نشأ على ايديولوجية دولة اسرائيل الكبرى، ويشغل منصبا سياسيا رسميا مهما جدا.

ولكن القاسم المشترك بين بيلين واولمارت هو تنافسهما على رئاسة حزبيهما. فبيلين يريد التغلب على ران كوهين من ميريتس، واولمارت يواجه منافسة شديدة من نتانياهو على قيادة الليكود بعد شارون. وفيما حقق بيلين مكسبا عندما "خلق" شريكا فلسطينيا، عبد ربه، ليثبت وجود طرف قابل للحوار في الطرف الثاني، وجد اولمارت فرصته لكسب اغلبية حزب الليكود، في مكان غير متوقع: في الخروج عن الاجماع اليميني الذي يقدس الاستيطان والاحتلال، والتقرب من الاجماع الاسرائيلي الجديد الذي يشمل الطبقة الوسطى الاسرائيلية التي تتأرجح دائما بين الليكود والعمل، والتي يتوقف عليها مصير رئاسة الحكومة.

وقد جاءت تصريحات شارون امام لجنة الخارجية والامن للكنيست لتقوي تصريحات نائبه أولمارت. وقد المح شارون انه في حالة فشل مخطط "خريطة الطريق"، سيلجأ الى خطوات احادية الجانب لرسم حدود آمنة لاسرائيل، واشار ايضا انه لا يستبعد ازالة مواقع استيطانية، حتى قبل الاستنتاج الحاسم بالنسبة لامكانية الوصول لاتفاق مع الجانب الفلسطيني.

المقارنة بين مشاريع بيلين واولمارت وشارون، تشير الى عدم وجود فارق جوهري بينها من الناحية الجغرافية. فجمعيها تعترف ضمنا بان حدود 1967 هي المقياس للانسحاب. وحسب الاجماع الصهيوني الجديد للطبقة الوسطى، يأتي الاعتبار السكاني في مرتبة اعلى من الاعتبار الاقليمي، بمعنى ان الاولوية هي لدولة صغيرة ذات اغلبية يهودية، وليس لدولة كبيرة ذات اغلبية عربية.

نقطة الخلاف بين المبادرين الثلاثة تتمحور حول التطبيق. ففي حين يرى بيلين "شريكا" في الطرف الثاني، يعتقد اولمارت بعدم وجود "شريك حقيقي" للحوار. اما شارون فيعبر عن الحل الوسط بين الاثنين، ويأخذ بالحسبان احتمال وجود شريك مع اعطاء فسحة من الوقت للتأكد من حقيقته.

ولا يتعدى مشروع بيلين-عبد ربه ان يكون مجرد مبادرة خيالية، لان القائمين عليه يفتقدون القدرة السياسية على ترجمته الى امر واقع. غير ان مشروع اولمارت هو الآخر لا يقل وهما، خاصة لفقدانه الدعم السياسي الدولي. فالولايات المتحدة المتورطة في العراق، لا تريد الدخول في مواجهة مع العالم حول الحدود التي تنوي اسرائيل تحديدها لنفسها اعتبارا لمصالحها وحدها، والتي تعني ضم اراض فلسطينية واحاطة الضفة الغربية بجدار فاصل يحولها الى سجن كبير.

شارون ايضا يفتقد القدرة السياسية على مواجهة اليمين الاسرائيلي، دون ان تكون له ضمانات دولية وفلسطينية حول مستقبل الاراضي المحتلة. ويشكّل مشروعه تهديدا اكثر منه مخططا متكاملا للحل، والهدف منه درء الضغط المتزايد عليه. فشد ما يخيف رئيس الوزراء الاسرائيلي هو مشاريع السلام البديلة، والمواجهة مع البيت الابيض. لذا فهو يعمل على ترضية الرأي العام الاسرائيلي الذي لا يهتم بإسرائيل الكبرى، بل يتعطش للهدوء الامني وللازدهار الاقتصادي.

الاستنتاج من السباق الشكلي بين المبادرات الجديدة انها جميعا تشير الى ان خطط الحل القديمة انتهت الى طريق مسدود. وعلى ضوء الفشل العسكري في هزم الطرف الفلسطيني، والعجز عن تهميش عرفات من خلال فرض ابو مازن رئيسا للحكومة، صار لا بد من ابتكار طرق جديدة حتى ولو كانت خيالية، مثل الانسحاب الاحادي الجانب وترك المناطق الفلسطينية في حالة من الفوضى والخراب. غير ان هذا لا يمكنه ضمان الامن والهدوء لاسرائيل، بل هو نذير بمزيد من العنف وسفك الدماء.

بعد ان استيقظت اسرائيل، على لسان اولمارت، من حلم اسرائيل الكبرى، بعد ستة وثلاثين عاما من الاحتلال الدموي، يبقى السؤال مطروحا: هل اصبحت نظرية اولمارت وبيلين بالنسبة للدولة اليهودية الديموقراطية، اكثر واقعيةً؟

كما يبدو، ليس من السهل تحقيق النظرية. فقد فقدت اسرائيل شريكها ومصداقيتها، وبيلين واولمارت يتقاسمان المسؤولية عن ذلك. فبيلين كان بين نجوم اتفاق اوسلو الذي حرم الفلسطينيين حقوقهم وافقدهم الامل بمصداقية اسرائيل وحسن نواياها لحل الصراع. ولو كان رابين اقترح عام 1993 ما يقترحه بيلين اليوم، لربما ما كانت الانتفاضة لتحدث.

اما اولمارت فلا يعنيه سوى مصير اليهود، ولا يكترث بمصير الفلسطينيين الذين يريد التخلص منهم وسجنهم بشكل احادي الجانب دون اي مصدر للعيش واي امل بالتحرر. غير ان هذه النظرة الاستعلائية والعنصرية تمنع اسرائيل من ان تكون ديموقراطية، كما تنزع عنها المصداقية الاخلاقية وسبب وجودها كدولة يهودية. 

الصبار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام