الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لاننساهم

منهل السراج

2008 / 4 / 14
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


"إلى فداء الحوراني والأصدقاء المعتقلين"

كأن سجن الأصدقاء سيطول.
تتوالى صورهم كل يوم في الموقع الإلكتروني لإعلان دمشق للتغيير الديموقراطي. أما الأخبار الرئيسية في بقية المواقع فقد تحولت عنهم، وصار خبر سجنهم قديماً وضئيلاً.
كأن سجنك يا فداء الحوراني سيطول. وأرجو أنه: "فال الله ولا فالي". ولكن مضى عيد وجاء عيد، وبأي حال يعود العيد. وحال سوريا من سيء إلى أسوأ.
أظن أن السجين لا يفعل شيئاً، لكنه بالضرورة ينتظر، ينتظر وإن حاول أن لا يزج بنفسه في ضنى الانتظار. إذ ما هي تلك التفصيلات التي يمكن أن يلتهي السجين بها غير حيطان سجنه؟ وكلنا نعرف ضيق سجون سوريا، حيث لا فسحة للقراءة أو متابعة ما يحدث في الخارج، أو السماح بلقاء الأهل والعائلة.
أُخرج د غازي العليان زوج د فداء الحوراني قسراً من سوريا.
يتساءل المرء، هل هذه الأرض الواسعة أرض لحكامها؟ ألا زال هناك عهوداً كالتي غبرت، يستبد ملك بالأرض والناس؟ يُطرد فلان ويعاقب فلان؟
إذن فقد أُخرج الرجل قسراً، وظلت فداء وحدها في البلد، والبلد التي نعرفها منذ طفولتنا ليست إلا غرفاً ضيقة وصغيرة تسمى زنازين.
المشكلة أن ما يحدث خارج السجن، يشبه السجن، والناس في يأس عارم.
مع ذلك رأيتك فداء تبتسمين، أيضاً من وراء القضبان.
يوشك السوري على الانفجار غضباً، و نحن نخشى أن نؤذي السجين بغضبنا، لكن الأصدقاء يستمرون بالابتسام في سجنهم، وفداء تستمر بالابتسام ربما لتغلب غضبنا، أو لتغلب سجنها، أوشكت أن أقول كعاداتنا السيئة، لتغلب سجانها، لكن لا أظنها تفكر هكذا، لم أشعر يوماً في منطقها رغبة بغلبة أحد، اللهم إلا غلبة إسرائيل.
هل لديها في سجنها صورة لحفيدها؟ هل رآها ابن الثالثة تبتسم من وراء القضبان؟
اتصلت بأحد الأصدقاء في مدينة حماة، أسأله ماذا يفعل الناس بسجن أحسن الناس، سكت، ثم قال: هل نتحدث في أمر آخر؟ وفهمت أن الخوف قطع الصوت أيضاً. ليس جديداً هذا، ولن أدعو أحداً الآن للاعتصام عند ساحة العاصي للنداء بتحرير الدكتورة فداء التي قدمت الكثير لأهل المدينة.
يعرف الجميع أن الظلم الذي وقع على هذه المدينة وعلى أهلها قطع صوتهم وقطع تواصلهم مع بعضهم وعلى بعضهم.
قال الصديق: الوضع مثلما كان بعد الأحداث.
بالطبع يقصد أحداث الثمانينات. يتذكر الجميع كيف أن الصوت والأنفاس قطعت في ذلك الحين، ليس صوت الناس وأنفاسهم فحسب، بل المدينة بحالها.
أعدت السؤال عليه: لكن ألا تفكرون أبداً بفعل شيء من أجل فداء ابنة المدينة، ولو كان فعلاً بسيطاً؟
بالطبع انهال علي بكلام اللوم الممزوج بكثير من المرارة:
ـ تتكلمين هكذا لأنك صرت في أمان، في بلد الحريات.. لم لا تأتين وتفعلين الأفعال التي تعتقدينها تساعد فداء؟
وعذرت بالطبع، هذا ديدن أهل البلد ومن يعيش فيها ويختنق فيها، حين كنا فيها كنا نفكر بالطريقة نفسها ونردد الكلام نفسه.
لكن كأن الابتعاد أو الحنين يغير الإنسان أو يحرر التفكير. كان في ضميري أن أطلب منه، لو أن أحد الشباب يقوم بنسخ مقال بعنوان "دموع المدينة إلى فداء الحوراني"، يقوم بنسخه آلاف النسخ ثم يوزعه مع رفاق له في الرابعة صباحاً، يرمونه عند أبواب البيوت كمنشور سري هام جداً علّ الجميع ينجذب ويقرأ ويتذكر ويشتهي أيام أولاد الأكابر، حين كانوا يستعيرون كراسي الحكم ليقدموا ما لديهم ثم يمضون قبل أن تنتهي سنين حكمهم كما القانون في نصوصه الحقيقية.
في جرد فادح لتاريخنا قام الصديق محمد علي الأتاسي بكتابة بحثه الهام "دموع المدينة" مستخدماً أداوت لم تكن سهلة علينا نحن أهل المنطقة. كنت أشعر أثناء قراءة المقال كمن يقوم بتغسيلنا وتمشيطنا، لدرجة تنهك الإحساس. استخلص الكثير من الشوائب التي تعتاش على جلد البلد، وتزيد في سماكاتها. بدا البحث وكأنه تمشيط جارح لشعور جماعي ملبّد. رأيت كراسي المجلس النيابي، حين كانت كراسي حقيقية ورأيت كرسي رئيس الجمهورية حين كان حقيقياً ورأيت دموع الناس حرة وصادقة وهتافاتها كذلك، الكراسي التي كان الحكام يأتون إليها بحق، ويمضون، كراس لا تحول إلى عروش، يتشبث بها صاحبها، لأنه تعلم جملة واحدة منذ الطفولة، جملة تتردد عادة في آذان الأمراء ممن هم أولياء العروش: لن أتنازل عن العرش.
ومن ثم تحولت البلد وأهل البلد إلى رعايا، إن لم تعمل هذه الرعايا مع صاحب العرش على تمكين العرش فإن مصيرها الزنازين والأقبية.
لا أنكر أني فرحت حين اختتم الكاتب مقاله بخلق بلد ديموقراطي، حر ونظيف، ثم وضع ورقة اقتراع في صندوق متخيل.

قال الصديق الحموي مازحاً، يكرر جملة يقولها عادة بعض أهل حماة: أبو صديقتك فداء، أكرم الحوراني هو سبب مصائبنا.
يقولون هذا، لأن أكرم الحوراني، على لسان أبي الذي كان يسكن البيت الملاصق لبيته، كان يقوم في أربعينيات القرن الماضي، بجولات إلى القرى الفقيرة والمضطهدة في ذلك الحين لتوعية الناس إلى حقوقهم. وبظن كثر من الناس بأن توعية هؤلاء وإخراجهم من ظلمهم هو ما ساهم في إيصال البلد إلى ما وصل إليه.

ليس سهلاً بالطبع أن تقنع إنساناً بأنه حر رغم أنه يقبع وراء القضبان، لكن حين أتخيل فداء تبتسم في سجنها رغم مرضها وضغط الدم الذي يرتفع فجأة ويزيد الخطر على حياتها، أفكر أنها تعرف بأنها أكثر حرية منا جميعاً.
ما يؤلم حقاً، هو هبوط الشعور العام، اقتحمت فداء وتركت وراءها أهل البلد متجمعين والجامع خوفهم.
كأن خطايا البلد وقعت برأسها، كأن أبوها اختار لها الاسم ليجبر تاريخها على الفداء.
ربما تحتاج فداء أن نخبرها بأن الظرف اليومي القاسي الذي تعيشه سيجدي يوماً ما، وإن لم يجد اليوم.
أوشكت أن أقول هذا للصديق على الهاتف، أو أني قلته، لكنه عاد يردد: انقطع الصوت ما بعرف ليش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا