الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما كان الشمال منصة لإطلاق صاروخ الكفاح الوطني

أحمد الخمسي

2008 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


خلال يومي 5 و6 أبريل الحالي، احتضن المعهد الملكي للبحث ف تاريخ المغرب، نقاشا حول شمال المغرب. الكلونيل الهاشمي الطود حضر هذا النقاش. وهو من الضباط الذي تكونوا عسكريا في العراق، منذ العهد الملكي، عندما كان الوزير الاول نور السعيد سيد السلطة. وقد أرسل من طرف الأمير عبد الكريم الخطابي، زعيم المقاومة المغربيةالريفية ضد الاستعمار الاسباني بداية العشرينات من القرن الماضي. أما التفاصيل فكانت كما يلي:




لو سمع أهل الشمال الحديث عن دور منطقتهم في بناء مغرب القرن العشرين، لخفف عنهم ما قيل بعض ما يحملون من غبن مزمن. فقد قيل عن الدور الحاسم للشمال في النضال الوطني ما لخصه الباحث معروف الدفالي بالمعادلة التالية: "لولا الشمال لما كان الاستقلال". ومثل ما شبه به المقاوم الغالي العراقي من كون طنجة أصبحت في وقت ما "منصة لإطلاق صاروخ النضال الوطني من أجل الاستقلال". وما أكده كل من محمد بن سعيد آيت يدر والتهامي النعمان وسعيد بونعيلات، حول احتضان تطوان والناظور لأهم القرارات للقيادة الثورية الجزائرية، التي اقترحت محمد بن يوسف قائدا عاما في المنفى للنضال التحريري للمغرب الكبير برمته. وكون أسماء البواخر(دينا، ماغوس) كانت مفخرة للساحل التطواني تحمل السلاح لتحرير الشعوب والأوطان من الاحتلال العسكري للاستعمار. مشتراة من مال المقاومة المغربية ومعارة للثورة الجزائرية للاستعمال قصد استكمال استقلال أقطار المغرب الكبير.

وعلى غرار ما شهده زوار المهرجان السينمائي المتوسطي عبر فيلم اسباني "الريف....التاريخ المنسي"(3/4/2008)، من شهادات ووثائق، وكذا ما رآه حضور المنتدى المتوسطي لحقوق الانسان (2/2/2008) من حقائق حول الشمال ودوره في احتضان المقاومة والحركة الوطنية في الشمال، كانت الفائدة في جلسات المعهد. لكن "مكب"(بتعبير م.ع. المساري) المؤسسة الملكية التي رأت اتساع دائرة الضيوف، بمن فيهم من كانوا محسوبين على محور القاهرة والجزائر، رفع مستوى النقاش. ووسع من دائرة الشفافية فيه، بحيث دار الحديث عن دور البوليس في المسؤولية في السنوات الأولى للاستقلال عما جرى في دار بريشة والستيام من تقتيل. كما استفاد حزب الاستقلال من رفع لبس التهمة التي أصبحت جاهزة ضده بصدد دار بريشة. مع إسناد ذلك بتحليل الظرفية التي سادت أواخر الخمسينات. ضيقت على حزب الاستقلال من حيث مطلبه بتشكيل الحكومة المنسجمة بضم أغلب الحقائب لوزراء من صفوفه، وهو ما لم يقع، بسبب تضافر الحيثيات السياسية من فائدة المخزن إلى انتشار الشعار الناصري في العالم العربي "لا حزبية بعد اليوم".

كما أن بعض المسؤوليات التي صيغت فيما سبق بكلمات نارية ضد المهدي بن بركة تعفف أصحابها عن تكرارها في المعهد الملكي، في حين جاءت بعض التصريحات متصلة في المعنى، ولو كانت منفصلة في المبنى اللغوي، لتضع بين رفض عباس المسعدي دخول المهدي أحد الاجتماعات وبين الاغتيال الذي تعرض له مباشرة بعد أيام نوعا من الغمز. كما تمت من جهة أخرى الاشارة إلى كون الحديث اقتصر على ذكر اغتيال عباس المسعدي في وقت ذهب ضحية نفس الاغتيال ما يزيد عن ثلاثين مقاوما.

* * *

قبل التمكن من عرض هذه الاشراقات الجميلة للتاريخ المقاوم في المغرب، كانت المادة الخام على درجة عالية من التحضير والإعداد. والمعالجة جرت في جو من النضج والمسؤولية. والتسيير على جانب من اعتبار الحساسيات، مما ساهم في الدمج بين جبر الخواطر واقتصاد الوقت. وقد كان مثلث قيادة العمليات الناعمة للربط ما بين الفقرات والحساسيات معا، مكونا من مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب (محمد القبلي) ومنسق الدورة القطاعية حول الشمال (محمد العربي المساري) وصاحبة الصياغة البرنامجية والإخراج النهائي (فاطمة الزهراء طموح) بمعية الكتابتين للمعهد، العامة والخاصة، وباقي الطاقم.

خلال يومين، وعبر اثنتي عشرة ساعة من العرض والشهادة والسؤال والجواب والتعقيب، حضر المساهمون في صنع الحدث، من أسماء المقاومة المسلحة في المنطقة السلطانية (محمد بن سعيد آيت يدر، الغالي العراقي، التهامي النعمان، وسعيد بونعيلات) وكذا أحد ضباط المقاومة المسلحة الموجهة من طرف الأمير عبد الكريم الخطابي لتحرير المغرب العربي (الهاشمي الطود) وعن عائلات الحركة الوطنية السياسية بالمنطقة الخليفية (أبو بكر بنونة). وكذا شهود التحولات في الشمال من زوايا متعددة في الصحافة (عبد الصمد العشاب) والمسرح (رضوان احدادو) وكذا مجالات التعليم (ادريس خليفة، مصطفى اخريف).

وقد حضر الباحثون المختصون والأكاديميون في مجال تاريخ الشمال والتأريخ له. فقدموا عروضا أطرت زوايا متعددة من الحياة السياسية في الشمال. بدءا بدراسة خصوصية الوضع وأهمية الصلات بالأطراف السياسية المعنية (بوبكر بوهادي) أو من حيث تداعيات أزمة العرش على الحركة الوطنية في الشمال (عبد الرحيم برادة) أو من حيث تأطير الفضاءات الثقافية عبر سباق بين الإدارة والمجتمع (محمد العربي المساري) وما نتج عنه من بروز لدور الصحافة (جامع بيضا). وكذلك جوانب التعليم ودورالنخب خلال فترة الحماية وبعيد الاستقلال (محمد معروف الدفالي، أحمد بوجداد).وقد أدار الجلسات كل من محمد العربي المساري وابراهيم ياسين وأبو بكر بوهادي ومصطفى بوعزيز.

* * *
ضمن السقف النظري السياسي، خلال الجلسة الأولى أشار وزير الثقافة الأسبق (علال سيناصر) إلى ضرورة ربط الشهادات والمساهمات العينيية في عمل المقاومة إلى مرجعيات واستراتيجيات، حتى تكون المقاربة مفيدة من الزاوية العلمية، مستكملة لما أوجدته الحركية العملية من فراغات بين الممارسات والنيات من استفهام أو تباعد أو تناقض أو تعجب. وبناء عن هذه الملاحظة يمكن القول أن الصرامة والنزاهة الذهنية إن صح المصطلح، لا تستقيم مع الاستعمال السلس السهل للاستنباط حيث يجب الاستقراء والعكس. فالانطلاق من الحالة الواحدة أو من الحدث المنفرد أو من الشخص، دون ترتيب درجات الاستنتاج بالتعميم أو بالتخصيص، حسب اتجاه سهم التحليل، يؤدي عمليا إلى التهويل أو إلى التقليل. فقد تصبح وثيقة المطالبة بالاستقلال الأولى الصادرة في الشمال 13/2/1943) مباشرة بعد مؤتمر آنفا (24/01/1943) مجرد ورقة سقطت في الماء بعد الاعلان عنها. والحال أن أمر نسيانها راجع لخلل استراتيجي في تصورها السياسي لدور المغرب في الحرب العالمية الثانية المنقولة توا إلى شمال افريقيا (صيف 1942) وإلى المغرب نفسه (الإنزال الأمريكي نوفمبر 1942). بحيث أصرت وثيقة الشمال على الحياد المغربي في الحرب، كامتداد لموقف فرانكو القريب من موقف ألمانيا النازية.

وضمن التشكيلة البشرية الحاضرة، لم يكن في الإمكان للهاشمي الطود سوى أن ينتبه ويتحفظ على ما قد يتخيل المشاركون من إمكانية التوحد مغربي توافقي حول المرحلة المطروحة للدرس (ما بعد المقاومة الريفية 1927) وإلى حين وفاة محمد الخامس (1961)، ولا حول درجة الإحاطة بكل وجهات النظر حول القضية الشمالية. فقد تغيب المؤرخ محمد ابن عزوز حكيم، كما تغيب المحجوبي احرضان وعبد الكريم الخطيب وعبد الرحمان اليوسفي.... مما يقتضي الانتباه إلى كون اللقاء مجرد تمرين أولي لاستطلاع القدرة على توسيع وتجديد الخلاصات حول تلك المرحلة في الشمال.

علما أن العلوم السياسية التي يمكن أن تزود المحلل والفاعل معا بنظرة مقارنة قصد قياس العقل السياسي المغربي الفاعل بمعايير دولية في مجالات المقاومة المسلحة.

فإذا ماوتسي تونغ وهوشي منه قد رددا المقاومة الريفية كنموذج، ضمن التعبئة المحلية للشعبين الصيني والفيتنامي، فقد صدقنا التعبئة والمجاملة ونسينا أن ما نجح فيه غيرنا رجعنا ضمنه القهقرى، بسبب قصر النظر، وبسبب غياب التحاليل المقارنة، وبسبب العجز على استثمار المعطيار الذاتية.

فقد صرح الهاشمي الطود أنه كان يدرس للطلبة العسكريين معركة وادي المخازن. ولنتبين أن رئيس تحرير نابه ليومية مغربية ذائعة الصيت عندما ذكر معركة وادي المخازن وضع بين قوسين تاريخ وقوعها خطأ كما يلي (1576). فهذا الضعف في الذاكرة، يحرمنا من الربط بين انتصار المغرب في تلك المعركة (1578)، في أربع ساعات من القتال، ليتداعى عنها وضع دولي لمدة ربع قرن موالي وأكثر، بحيث تمكنت هولندا من إعلان استقلالها عن اسبانيا كأول جمهورية في أوربا الحديثة، بأول دستور ديمقراطي يعلن التعايش بين الكاثوليك والبروتستانت في بلد واحد، نموذجا لما شرعته فرنسا بعد ذلك بعشرين سنة، في مجمع نانت (1598)، متقدمة على اتفاقية ويستفاليا التي شرعت للدولة الأمة في أوربا بعد ذلك (1648). بحيث قلب المغرب عبر انتصاره ذاك ميزان القوى لفائدة البروتستانت، بحيث عرفت أنجلترا ثورة كرومويل في نفس الأفق الزمني.....

كما يعجز المغاربة أن يربطوا بين الوجه المشرق لمحمد بن يوسف والذي أصبح في نظر الغرب الاستعماري تماما مثل مصدق الذي اختاره الشعب الايراني وأبعدته أمريكا عن الحكومة يومين فقط (18/8/1953) قبل نفي فرنسا لمحمد بن يوسف يومين بعد ذلك (20/8/1953). وهو ما يفسر دعاء الأشقاء الجزائريين له في منفاه (حسب الهاشمي الطود) في مناطق تلمسان ووهران، وهو ما أكده "المروكي" (المغربي بالتعبير الجزائري الدارج) أحمد بنبلة في مذكراته بصيغة أخرى.

إن المقاربات المقارنة والتاريخية العميقة مازالت ضعيفة في تناول المغاربة لتاريخهم. فهم أعجز من أن يدافعوا عن قضايا بالعمق المطلوب، بسبب غلبة الحاجيات السياسية على حساب المقومات العلمية والاستراتيجية البعيدة الأمد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية