الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراجيديا الواقع في *ورثة الانتظار * لعبد النور إدريس

محمد البوزيدي

2008 / 4 / 18
الادب والفن



1
تعتبر المجموعة القصصية ورثة الانتظار للأديب عبد النور إدريس إضافة نوعية جديدة للسرد المغربي للخصائص الفنية والموضوعاتية التي تحفل بها، فعلى امتداد 16 قصة والتي توزعت على صفحة حاول الكاتب أن يضعنا في مواجهة عجيبة مع واقع نصر على تجاهله رغم كونه يطاردنا يوما عن يوم بأسلوب صادم، معتمدا تقنية الوخز بالإبر، حيث سيبرع في تصوير المشاهد المجتمعية القاتمة التي تحيل حياتنا رمادا آخر ، حيث الكبت يأكل كل شيء....والنتيجة واحدة ....تمتد العيون نحو الطريق اليابس..النعش يمشي ..الحصار يفني تراتيله الرقيقة ويستأنف الركض 55 .
هكذا إذن يحتل الكل مكانه في صمت..نموذج لاكتشاف المجهول والبنية الصارمة بالمجان فهل وصلت قمة المأساة أن...الكل يتحاشى أنفاس الآخر...57
لذلك لم يكن اختيار عنوان ورثة الانتظار محط صدفة أو ترف أدبي للإثارة، بل كان تشخيصا علميا عميقا ووصفا مضبوطا لشعب تائه ورث الانتظار في غرفة الانتظار الكبيرة التي هي ببساطة الواقع المغربي الغارق في آلامه تأوهاته المختلفة لكن هذا الوضع اصبح غير مستساغ حيث *مل من انتظار الذي لا يأتي *51 ورغم ذلك مازال هناك من يصرح بكل عفوية: شكرا أنا في الانتظار 53
فماذا ينتظرون إذن ؟ ومن ينتظر ؟
2
لقد شكلت تيمة السجن ميزة لبعض قصص الكتاب كلنا سجين وسجان..لكن للسجن والسجان أبعاد متعددة وأشكال لا متناهية، منها الظاهر والخفي وأكثره قسوة الذي يجعل الزنزانة هي كل ما يحيط بنا 27 ف أينما اتجهت تجد السجن في الانتظار 25
ومن خلال تأمل القصص المختلفة يمكن الجزم أن السجن المقصود هو السجن المعنوي وهو سجن مفتوح25 يوضحه الكاتب أكثر بالقول انه *رحلة صمت... قاموس بدائي من الشتائم اللقيطة *26 مايزال بقاعة الانتظار 52 ويجد فيه الإنسان نفسه معتقلا داخل ذاته المعتقلة أصلا في معتقل عام وواسع هو الواقع حيث ال*الحزن الطويل المفتوح على الأطلال*30 وللتدليل على الأمر نحاول أن نرصد جزءا من الحالات الاجتماعية السجينة والتي تعتبر اكثر ضحايا هذا السجن الرهيب .
3
المرأة : شكلت المرأة محورا هاما في القصص، فالمرأة المقهورة أصبحت ضحية الجميع حيث الأغلبية تفضل مهنة الجلاد27 ، حينها لا يبقى للمرأة من خيار سوى أن تنحني *لتمارس عبادتها في صمت *37 في انتظار وضع جديد قد يأتي وقد لا يأتي .
إن لامبالاة المجتمع حول هذا الكائن إلى لا كائن ، لم يبق له من وظيفة سوى أن يتعهر على الرصيف20 ، رغم أنه قد تمر *ألف ساعة ولا من يتنفس تحت أزرارا القميص 20 لكن في بعض اللحظات يصل الأمر موقفا أكثر قساوة وبشاعة حين تصبح المرأة *منتفخ بطنها *15 و*نبتة بلا جذور *29
إن هذا الوضع الخاص والاستثنائي والذي صنع بقانون خاص ومتعارف عليه يعتبر بحق قافلة فريدة للضياع والعجز19 ، لذلك غدت النتيجة الطبيعية أن المرأة في مجتمعنا الخاص*فقدت ذاكرتها وهجرت حلمها وتمضي من الآن من كآبتها نحو أحلام أخرى..تبحث عن مجاديف لبحر حياتها بكل الأوراق المنسية21

إنها متاهة الأنثى إذن داخل المحيط المجتمعي فمن *يؤسس للخروج من هذه الذكرى ؟؟*19 الأليمة التي مازالت تعشعش في المخيال الجمعي فإلى متى ننتظر تغيير هذا الوضع المؤلم ؟

4
الشباب: انه من الجيل الذي يرث الانتظار، و كل أحلامه ما تزال عذراء في قاعة الانتظار الكبرى ...كان البطالة لا تكفي لتغيير المفاهيم والمواقف التي تجيد الوصاية على الذات.....58
تائه، يبحث عن الذات، انفجر قلبه من الصمت 31 وبقي متشظيا يعانق الفراغ، وعوض أن *يزداد طموحا وحرارة *25 أصبح فاقدا لكينونته منذ مدة، ففاضت همومه وجراحه المحشوة بالملح18 * وعدت ذاكرته واضحة التقليد ...وأصبحت أوسع من بقعة الحزن*19
إن الأمر أصبح حقيقة ملموسة خاصة حين نتلمس مشاهد برع الكاتب في نفلها حية الى المتلقي دون مساحيق تجميل قد تخفي جزءا من شرخ يقتحم شبابا أطلق عليه شباب التأوهات 20
فالشباب المرتبط بالقوة والأمل والطموح أصبح لا يحلم ..ولا يريد أن تنام حجرته على التهميش والصمت 22 بل أصبح لا ظل له يقف * فاغرا فاه، وقلبه ينزف.. يرفرف من إيقاع المسافات * 23 البعيدة التي لا يبدو أي أمل لأن يظهر لها حدود .
لقد ضاع الشباب * في ملف تقاليد القبيلة*34 و*زهرة شبابه ذابت *26 في السراب وغدت معاناته اليومية *جرح غارق في لعنة التأمل *27 من صمت الانفعال وظلمة الإحساس *27 واقتحم داخله سفر عميق يتحرك معالمه لفتح الداخل وإفراغه ..في الموت يجد موته الطوعي 60
ومما يكرس هذا الوضع المتأزم للشباب أن المحيط العام أصبح سلبيا بدرجة مطلقة وبدون استثناء يفتح بارقة أمل خفيفة ف كل شيء يدعو إلى مغادرة الدروب..الفراغ أكل نداءات الأطفال ..الهواء مخنوق 63 و الكل يستعجل خطاه نحو نهايته الخطوات لا تنتهي 63
وعموما ف الكل من حوله لم يعد فيه شيء هادئ64 و الكل يجري نحو الوهم العتامة 54
و الكبت يأكل كل شيء والضمير يغطي على كل شيء تمتد العيون نحو الطريق اليابس..النعش يمشي...الحصار يغني تراتيله الرقيقة ويستأنف الركض ..55
إنها مشاهد تؤلف وتنسج عميقا تيمية الهزيمة والانهيار لشبابنا في المجموعة تعكس إلى حد بعيد حالة من التذمر الذاتي، فعوض أن يصبح قاطرة للتقدم أصبح وقودا للتخلف نتيجة الوضع الاحتكاري الذي يعيشه والذي تأثر به الفضاء الزماني والمكاني داخل المجموعة، لدرجة أن الليل رمز الهدوء والسكينة تحول ليعشش كسرمدي طويل 33 وتمدد مع أحرف الهجاء33 بل أصبح * موحشا وباردا *21 ، وتكرس ب الظلام والوحل18 ، أما الزمن فقد أصبح غير متوفر54 وحتى إذا توفر *فالزمن الجديد لا يرحم *54 بل أصبح *رابضا مكسورا تحت الأجفان *15
فكيف ننقذ هذا الكائن الذي*يتفجر فيه إحساس عارم بالألم يخنق فيه امتداد النظر..و تكسرت تحت راحته المدينة المحنطة التي يسكنها 52 من أفق الانتظار التي تقتله يوما بعد يوم ؟

5
إن التراجيديا الرهيبة التي أصبح يعيشها مجتمعنا اليوم تطرح أسئلة عميقة حول جوهر وجود الإنسان لذلك أبى الكاتب إلا طرح تساؤلات عميقة توحي بنظرة واسعة لاستكشاف أمل ضائع في السراب فهل أصبحت الحياة *مجرد صناعة *56؟؟؟؟
ومتى ينتهي المشهد القاتم حيث *الحياة مملوءة بالإيحاء والأحلام .. تنغلق في اتجاه الإيمان الراسخ بالماضي 56*؟؟؟؟؟؟؟
وهل غاب التفاؤل واختفى لدرجة أنه حتى الخطيئة تجد مكانا لتستقر فيه 67
إنها تساؤلات مفتوحة يطرحها الكاتب لوضع استثنائي حيث يحتل الكل مكانه في صمت و يتحدث عن اكتشاف المجهول والبنية الصارمة بالمجان..والكل يتحاشى أنفاس الآخر..إنها الكراهية المطبقة على الآفاق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور لفنان العرب محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان


.. «جمع ماشية ورحيم ومرادف البؤس».. أسئلة أثارت جدلًا في امتحان




.. تششيع جنازة والدة الفنان كريم عبد العزيز


.. تشييع جثمان والدة الفنان كريم عبد العزيز.. وتعديل موعد العزا




.. ما اقدرش اتخيل البيت من غير أمى.. كلمات حزينة من الفنان كريم