الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ممنوع من الكتابة

محمد البوزيدي

2008 / 4 / 20
الادب والفن



مع إطلالة كل صباح يتأبط محفظته الصغيرة ويركب الباص اليومي الذي اعتاد له التعرض أمام منزله الصغير الذي يشتركه مع طالبين في الحقوق مستغلا بطاقته المهنية للتخفيف من ميزانية متآكلة تجاوزت الخط الأحمر بعدما لم يتقاضى أجرته منذ ثلاثة أشهر في الجريدة التي تتكلم كل يوم عن حقوق الإنسان ودولة الحق والقانون .
في الحافلة يتأمل الوجوه الشاحبة التي لم يترك الغلاء والخوف من الجريمة و المستقبل بارقة أمل لتبدو على محياها ابتسامة خاصة.
وقفت أمامه امرأة معاقة تتسول دون اكتراث من الركاب الذين ينفذون مقولة ماوتسي تونغ : من أعطى صدقة أخر الثورة مائة عام .
وفي المقعد الأمامي يجلس تلميذ يحكي لصديقه عن الاكتظاظ الحاصل في القسم والذي وصل إلى 50 تلميذا في القسم العلمي حيث أصبح الأستاذ مجبرا على عدم القيام بالتجربة لربح الوقت الهارب وغياب الوسائل التعليمية، بينما السائق لا يستنكف عن امتصاص دخان سيجارته الشقراء بمرارة كتنفيس خاص لعدم استفادته هذه السنة من إجازته السنوية كما حكى لأحد أصحابه الذي يقف بجانبه اتقاء شر المراقب العام للحافلة .
يواصل رشيد تأمل هذا الهم اليومي دون أن يسافر في همومه الخاصة وكيف أن عقدته مع الجريدة التي قاربت على الانتهاء سيف مسلط على رقبته، وكيف يتوقع العودة إلى العطالة التي غادرها سرا لعدة أشهر من العمل في الصحافة ولو كانت لا تلبي قناعاته الإيديولوجية ولا قناعاته الخاصة لكن للخبز سيف مسلط لا يقدر عن رد هجومه.
يصل إلى الجريدة متأخرا عن الموعد المحدد، يحيي الحارس المداوم الذي أصبح ينظر له نظرة خاصة لا تشي بخير ، يسلم على زملائه كالمعتاد الذين بدؤوا يتحدثون خلسة عن عدم انضباط رشيد للخط التحريري للجريدة ...يفتح حاسوبه الخاص لإعداد موضوعه وتحقيقه الاجتماعي عن الجماعة خاصة انه يصادف يومين تفصله عن فاتح ماي ويشرع في معالجة ملفاته التي تحتوي تحقيقا حول سير العمل بإحدى البلديات، وكيف أن الرئيس حولها من مرفق عمومي إلى مزرعة خاصة لقضاء المآرب المختلفة للعشيرة العائلية والقبيلة الحزبية، لقد زار المكان بعدما أصبح حديث المقاهي المختلفة خاصة مع تواطؤ مدراء الصحف مع الرئيس الذين يستفيدوه من عكاياه المختلفة .
حين زار المكان بمبادرة شخصيةحاول أن يتصف بالحياد والمهنية في التعامل مع الخبر والتعليق عليه، استقى تصريحات خاصة للمتضررين من تعطيل المصالح العمومية قسرا - والذين زودوه يصور من بطاقاتهم الوطنية كمصداقية على ما يقولون - فهؤلاء عمال نظافة لم يتقاضوا أجورهم منذ أربعة أشهر...وهذه رخص البناء مازالت لم توقع رغم مرور شهرين على وضعها، ومواطن ينتظر ترخيصا لفتح محل للتجارة...وأحياء مازال الكهرباء لم يزرها .
ناشق المشاكل مع جهات عديدة لكن استغرب ان ذنب المتضررين الوحيد هوأن أنهم ينتمون للحي الذي يمثله مرشح المعارضة في المجلس انطلاقا من نتائج الانتخابات الأخيرة، لكن عوض أن ينقذهم استغل الرئيس الأمر ليعاقبهم على تصويتهم لفائدة رجل تعليم اشتهر بفضح الفساد عوض سائق تاكسي من عشيرة الرئيس.
11الساعة تقترب من الحادية عشر زوالا،عدد الجريدة قارب على الإغلاق كالمعتاد ، يجاهد نفسه لإتمام موضوع دسم كما تخيله وغني بالجديد الذي يقتحم طابوهات خاصة في التعامل مع المسؤولين، كما أنه قد يرفع المبيعات في دائرة نفوذ الجماعة .
يختار الصور بعناية، ويدبج الأسلوب والألفاظ مع اختيار المناسبة منها ، يحاول توظيف لغة البيانات المطلبية التي مازال يتذكر بعضها والعبارات المؤثرة في الرأي العام خاصة أنه يدرك ما تعنيه الصحافة كسلطة رابعة نظريا على الأقل .
في الاجتماع اليومي لهيئة التحرير هيأ موضوعه وكله حماس، لكنه بعد 10دقائق من بداية الاجتماع بدا له الموضوع نشازا وسط ملفات الجريدة التي خصص بعضها لسيرة ذاتية لفنانين وفنانات مغمورين ، بينما كانت صفحة دوليات مليئة بأخبار بعيدة عن اليومي في فلسطين والعراق..أما الصفحة الأولى فقد تضمنت افتتاحية لمدير الجريدة عن حرية الإعلام والصحافة في بلادنا، أما الصفحة الأخيرة فقد ملأت بالأبراج وبرامج التلفزيون والكلمات المتقاطعة والمسهمة .
لم يبد رئيس التحرير رأيا واضحا في موضوع رشيد بل دعاه للقاء خاص على انفراد بعد نهاية الاجتماع مما أثار لديه شكوكا كثيرة حول موضوعه.
في المكتب الفخم لرئيس التحرير، حاول رشيد أن يدافع عن مقاله وكيف أنه سيجد صدى وسيحقق للجريدة مبيعات....لكن ملامح رئيسه كانت تبدو عكس الأمر مما أثار استغرابه.
أخذ رئيس التحرير الكلمة : يارشيد موضوعك لن ينشر لاعتبارات خاصة فرغم التصريحات المختلفة والصور المدعمة له ،وتضمين الرأي الآخر لنائب رئيس البلدية فإن الظرفية ظرفية استحقاقات انتخابية، وتعرف جيدا علاقة مدير الجريدة برئيس الجماعة وكيف يجب أن يدعمه في حملته الانتخابية لأنه يمول جزءا من مصاريف الجريدة ويمتعنا بنصيب وافر من الإعلانات التجارية ،وأنا سأحتفظ بالموضوع وسأتصل بك فيما بعد .
حاول رشيد مواصلة شرح موقفه والرد عليه، لكن مكالمة هاتفية من رئيس التحرير دفعت به لطلب الخروج من المكتب.
في مكتبه الخاص كاد رشيد أن يبكي، فكيف سيرد على الذين وعدهم بنشر المقال، وأين ضميره المهني..........؟ وهل سيؤول المتضررون من رئيس الجماعة عدم نشر المقال بعدم دفعهم إتاوات خاصة له كما اعتادوا مع صحافة الارتزاق الذين يحملون المقالات إلى الرئيس لابتزازه فأصبحوا سلطة في حد ذاتهم .
بعد دقائق من التفكير بدت له رغبة لاسترداد المقال لنشره بجريدة أخرى، لكن حين طلب من الكاتبة الدخول على رئيس التحرير، وجد التعليمات جاهزة لديها: سيحدد موعد لاحق للقاء وأنت في إجازة لمدة شهر وستتوصل بالرخصة في نهاية اليوم.
حين كان يهم من الخروج من الجريدة كان يتأمل الخطوط العريضة في الصفحة الأولى للجريدة
اليوم تحتفل بلادنا باليوم العالمي لحرية الصحافة
صحافة حرة وخطوات تم قطعها في هذا الإطار.
نزلت دمعتان على مقلتاه حزنا على حرية تعبير منتزعة منها ،مسحها بمنديله الخاص وغادر المقر عازما على عدم العودة وفضح التلاعب بمصير بلد داخل صحافة ترتزق من رأي عام لا تمثله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت