الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعوة إلى حفل تنكري

طارق قديس

2008 / 4 / 18
الادب والفن


ها قد اتخذ السيد سالم مكانه المحدد ، في الوقت المحدد ، جلس على مقعده ، خلف المنصة تماماً ، أخذ يتلفت يميناً ويساراً ، ينظر حيناً إلى زملائه المحاضرين ، وحيناً إلى كاميرات المصورين ، حتى وقع نظره على كتفها العاري ناصع البياض وهي تجلس إلى يساره ، فابتسم وأطال النظر إليه وهو ينحدر بعينيه نحو الأسفل حتى كادت نظارته أن تقع على الأرض من شدة التركيز ، فتنبه إلى فعلته تلك ، وعاد فاستوى على مقعده ، ثم بدأ ينقر المذياع فوق المنصة بإصبعه ليتأكد أنه موصول إلى الكهرباء ، فيما جموع الحاضرين ما زالت تتقاطر إلى داخل القاعة.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يدعى فيها للمشاركة في ندوات ثقافية ، فهو شخصية ثقافية رفيعة القامة ، لكنها المرة الأولى التي يُدعى فيها للمشاركة في ندوةٍ نسائية حول حقوق المرأة ، فالموضوع لم يكن يهمه يوماً ، لذا فضل النظر من موقعه في المقدمة إلى ثياب الحاضرات ، مساحيقهن التجميلية ، أقراطهن المتنوعة ، مفاتنهن المتعددة - غير آبهٍ بالجمع المذكر - فهنالك مع النساء لا ريب أن المنظر أجمل!

في زاوية أخرى من المكان نظرت الآنسة أروى منسقة الندوة إلى ساعة يدها وهي تتأفف ، فالوقت المحدد لبدء الحديث حان ، وهنالك الكثير من الناس لا يزالون يتدفقون . وأمام ذلك ما كان منها إلا أن توجهت إلى السيدة صاحبة الكتف العاري ، وقد بدا جلياً أنها مديرة الندوة ، لتطلعها على ما يحدث .

وفيما هي تحدثها خطر في ذهنها سؤالٌ كان قد راودها سابقاً ولم تجد له إجابة ، عندها استأذنت السيدة وهمست في أذنها اليسرى قائلةً: ( عفواً سيدتي . أريد أن أسألك سؤالاً لطالما ألح علي! لماذا كل النساء المدعوات أتين برفقة أزواجهن ، أما الرجال المدعوون فالقليل منهم أتوا مصطحبين زوجاتهم ؟ ) عندها نظرت إليها نظرةً اندهاش ، لم تخلُ من القبول ، ثم أتبعتها بابتسامةٍ مصطنعة وهي تقول: ( لا بد أنهن طريحات الفراش ! ) ، فبادلتها أروى بابتسامة مماثلة ، وطفقت عائدة إلى مدخل القاعة .

وبدأت الندوة ، وبدأت مديرة اللقاء ترحب بالحضور والمحاضرين ، ثم ألقت كلمتها المنمقة ، ومضى كلُّ واحدٍ من المحاضرين الثلاثة يدلو بدلوه عن حقوق المرأة بشكل هامشي دون الولوج إلى عمق الموضوع ، كمن يسير على محيط الدائرة ، وذلك حتى انتهوا بالسيد سالم الذي أخذ يتحدث عن ظاهرة العنف ضدها في المجتمع العربي، وكيفية معالجته ، وقد خلص إلى أن المرأة نصف المجتمع ، ولا يجب أن تقمع ، بل يجب أن تعبر عن كيانها المساوي لكيان الرجل ، وعلى المجتمع الذكوري أن يصبح جزءاً من ماضي أمتنا الأليم إذا ما أراد مواكبة القرن الحادي والعشرين ، فانهالت عندئذٍ الأكفُّ بالتصفيق مدويةً في ثنايا المكان ، والزوايا تعيد الصدى إلى نقطة البداية.

وفيما هو يهم بمتابعة كلماته المخملية حول دور المرأة توقف عن الحديث ، وانتفض إلى الإمام ، كأن أحداً صوب مسدساً إلى رأسه من الخلف ، فقد فاجأه شيءٌ ما ، لكنه - في الحقيقة - ليس سوى هاتفه الخلوي المدفون في جيب معطفه الأسود ، إنه يرن ، وكل الظن أنه أغلقه فور جلوسه إلى المقعد ، وتداركاً لدهشة الجميع ، عزم أن يغلقه لكنه حين شاهد رقم المتصل على الشاشة بدأت ملامح وجهه بالتبدل وآثر الرد ، فاستأذن صاحبة الكتف العاري ، ومضى في حديثه مع المتصل ، لكنَّ أحداً في المكان لم يكن ليتوقع الألفاظ التي خرجت من فمه قط .

المتصل هو أخو زوجته ، زوجته التي لجأت إلى بيت أخيها هرباً من بطش صاحب المقام الرفيع ، وقد أوسعها ضرباً بعد أن رفضت نقل ملكية قطعة الأرض التي ورثتها عن أبيها إليه ، وذلك بداعي الرجولة ! وها هو اليوم يحاضر عن حقوق المرأة .

لقد نسي السيد سالم أنه أمام جمهور عريض ، وأرخى نفسه لثورة الغضب حتى بلغ من مبلغه حدَّ السُباب ، وإلقاء الكلمات النابية دون اكتراثٍ لمشاعر الآخرين ، وكأن بركاناً غاضباً تخلى عن سباته ، وشرع يقذف الأرض من حوله بالحمم والنيران ، وقد تفنن بتأنيب أخي زوجته لأنه آواها عبر باقةٍ من العبارات الجارحة ألطفها : أيها الحقير ، يا كلب ، إنكم حقاً عائلة منحطة ، من تظن نفسك أيها الجربوع ؟ حتى انتهى مذيلاً قولهُ بالعبارة التالية بكل افتخار : لقد توقعت منك أن تأنب أختك لأنها لم تطعني ، فهي زوجتي ، وأنا الرجل ، وعليها واجب الطاعة ، وإنه من حقي لا أن أضربها فقط بل حتى أن أمسح بكرامتها البلاط متى شئت .... وإلا فلماذا اسمي رجل البيت إذن ؟

إلا أن هذا كله بدا كابوساً فظيعاً عندما أغلق الهاتف ، ونظر إلى من حوله ، وقد بدت الحيرة تأكل وجوه الجميع على حدٍّ سواء . فمن ذا الذي كان يتوقع أن يحدث هذا ، وأن يسقط القناع عن وجه المثقف اللامع ليظهر المفرد المذكر الزائف!

الكل مذهولون لما سمعوا ، الكل وضعوا أياديهم على أفواههم ليحبسوا كلمات الحسرة ، وكأنهم يقولون لأنفسهم: ( أيعقل أن يكون هذا الوجه مزيفاً ؟ لا يمكن أن يحدث ذلك ، إنها مهزلة !
لقد صعق السيدُ مما فعل ، ولم يعلم كيف فعل ذلك ، ولم يجد مفراً أمامه سوى أن يحمل أوراقه بصمت ، ويطأطئ رأسه خجلاً ، ويمضي عبر تلك العيون الزائغة ، ويخرج من القاعة إلى الهواء الطلق ، وقد خانته الشجاعة للنظر إلى الحسناوات من حوله بذات النظرة التي أطلق لها العنان في بداية الندوة.

وفي خضم دمدمة الحاضرين اقتربت أروى من المنصة ثانيةً ، وعادت لتهمس من جديد في أذن السيدة والسخرية تظلل كلماتها: ( أتدرين سيدتي ؟ لقد عرفت الآن لماذا أتى أغلب المدعوون إلى هنا وحدهم دون زوجاتهم ! .. السبب هو أنهم اعتبروا هذه الندوة حفلاً تنكرياً يمكنهم من اللقاء بالجنس الناعم بحجة الدفاع عن حقوق المرأة ، وغايتهم المنشودة هي تفريغ ولو جزء ضئيل من شهواتهم الجنسية عبر نظراتٍ لا مكان فيها للبراءة أو النوايا الحسنة ) .

نظرت إليها السيدة وهي تهز رأسها ، وكأن الكلام لقي صدى لديها ، فتابعت أروى قائلةً : ( ألست محقةً في ما أقول ؟) .

صمتت قليلاً ، ومالت بنظرها إلى الجمع المحتشد عند المدخل ، ثم التفتت إليها مجدداً متممةً ولها :

( ماذا قلت؟.. ألست محقةً أنا في ما أقول ؟ أم أنك مازلت تظنين حتى الآن أن الزوجات لم يحضرن هذا المساء لأنهن طريحات الفراش ؟ ) .

عندها لم يكن من السيدة إلا أن تخلت عن صمتها وانفجرت ضاحكةً بشدة وسط صخب الحاضرين ، فأتبعتها أروى بضحكة لا تقل عنها سخونةً ، وكأنهما في قرارة نفسيهما تقولان لبعضهما : يا إلهي .. صدق من قال : شر البلية ما يضحك !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل