الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيكتور هوجو.. ارتباط الأدب والسياسة

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2008 / 4 / 16
الادب والفن



Victor Hugo- 1802 – 1885

لا يمكن للمطلع أن يتصور أن نجم فيكتور هوجو أديب الفترة الرومانسية و الكاتب الاجتماعي الفرنسي، بعد حوالي قرنين من السطوع، يقترب من الأفول.
وقد أجاب اندره جيد بامتعاض على السؤال: من هو أكبر كاتب فرنسي؟ : بكلامه : " للأسف، فيكتور هوجو!"، و قال ناقد آخر: " إن فيكتور هوجو مجنون يتصور أنه فيكتور هوجو". وقد اتخذ فيكتور هوغو في البداية مواقف سياسية مختلفة ، و كان يدعو إلى الأدب الاجتماعي الملتزم ، مؤكدا على أن الأدب والسياسة لا يمكن فصلهما عن بعض. وقد أعلنت الحكومة الفرنسية اثر وفاته الحداد العام القومي و تم دفنه في مقبرة بانتيون الخاصة بالمشاهير، إذ لم يحظ حتى ذاك اليوم أي أديب بهذا التقدير الرسمي.
تأتي في تاريخ الأدب الغربي اليوم إشارات إلى أن مؤلفاته كانت مبادئ حركة تنويرية وتثقيفية تاريخية . و أعلن منذ عام 1864 عن " الأدب الشعبي" و كان التزامه بتمثيله لنزعة إنسانية مكافحة في سبيل العدل سببا لمحبوبيته بين الناس، وكانت رسالته في البدء عبارة عن النزوع إلى تربية الإنسان العادي و الإيمان بقوته الخلاقة وإرادته. رغم أنه خلق نتاجات رومانسية في البداية لكننا اليوم نشهد له قدراته المتنوعة في مجالات عديدة. إنه أحد الأدباء الشعبيين العالميين الذي عالج موضوعات عمالية أيضا في كتاباته.
أكد هوجو على الجوانب الأخلاقية للتطور والتقدم البشريين ، ومسيرة الفكر. فهو يرى أن الأدب ينبغي أن لا يكون ترفيها فحسب، بل يجب أن يكون إيديولوجيا أيضا. وقد وضع جماهير الشعب في بؤرة أحداث قصصه و رواياته. وقال لا يمكن فصل الأدب عن رؤية العامة ومشاكلهم. وقياسا إلى الفترة الزمنية التي عاصرها الروائي المفكر يمكن القول إنه رمى بحجر على البئر الزجاجية للنظريات، والمنظومات و الجماليات الأدبية السائدة لكي يحدث فيها حركة ما.
يمكن الادعاء بأن هوجو كان في باكورة أعماله واقعا تحت تأثير كتابات شكسبير و الرومانسية الألمانية حين كان رومانسيا و أبدع في الشعر والقص.وقد كانت مسرحياته الرومانسية ضربة كبيرة للمسرح الكلاسيكي الفرنسي. وقد أعلن في مقدمة مسرحية " كرومول" برنامجه الأدبي و رؤيته الجمالية للمدرسة الروانتيكية الفرنسية. وكانت تلك المقدمة اليوم بيانا" مانيفيست" مصيريا حاسما للرومانسية في عصرها. إنه على خلاف ستندال وبلزاك كان يؤكد على أن الدراما ينبغي أن تكون اجتماعية و أن تتناول القضايا الاجتماعية، وأن تتحول خشبة المسرح إلى ميدان للنقد الاجتماعي والأخلاق السليمة الإنسانية،لأنها ، أي خشبة المسرح، هي بذاتها عالم يتبع السياسة. فهذه الآراء في ذاك العصر سببت صراعا بين الأوساط المؤيدة للكلاسيكية و الرومانسية. وكانت الرومانسية عند هوجو تربطها صلة قريبة بالمدرسة اللبرالية أيضا. وكان يرى رومانسية كهذه منسجمة مع المسيحية و الحكومة الدستورية لتلك الفترة.
حصل هوجو لأول مرة عام 1819 في السابعة عشر من عمره على جائزة شعر ، و كافأه لودفيج الثامن عشر بكرسي دراسة أكاديمية. و قام فيما يعد بمزاوجة قصائده بالموضوعات الفلسفية ، و سمى نفسه مثل فولتير الشاعر السياسي. كانت قصائده في تلك الفترة، وبتأثير آداب الشرق، عدا ثوريتها، تميل إلى الطبيعة، و تسجل خواطر حزينة.
في صباه قال إنه سيكتسب شهرة ترقى إلى شهرة شاتوبريان. و قد أطلق عليه بعض النقاد شكسبير الرواية، رغم تأثره بروايات ولتر سكوت. ويمكن للقارئ اليوم أن يتعرف إلى ثورة جولاي الفرنسية ، و ثورة عمال باريس ، و الملكية الدستورية، و الرجعية الحاكمة في تلك الفترة الزمنية عن طريق كتاباته ، وتعتبر روايته " أحدب نوتردام" أهم رواية تاريخية للعصر الرومانسي الفرنسي.
و في رواية " البؤساء" تمكن فيكتور هوجو من أن يربط بين النزعات الفلسفية و السياسية و الأدبية والإيديولوجية لعصره. فهذه الرواية بسبب تمجيدها للنزعة الإنسانية، اعتبرت لسنوات من أهم المؤلفات التي حظيت بأكبر عديد من القراء الفرنسيين.
أما رواية " الراية السوداء" فهي أكبر كتاب موجه ضد سياسة الاستعباد الأوروبية بحق الأفارقة. و يعرب عن استهجانه للعنف المترافق مع الثورات الاجتماعية في روايته " سنة 93”.

عاش فيكتور هوجو في سنوات 1802- 1885 في فرنسا. وقضى طفولته في اسبانيا وايطاليا حيث والده كان جنرالا نابليونيا. وبعد تخرجه من جامعة البليتكنيك في باريس قام بتكريس كل وقته في خدمة الأدب الاجتماعي. و كان يدعو في مؤلفاته إلى النضال بمواجهة نابليون الثالث و أطلق عليه نابليون الحقير، و في فترة اغترابه عن بلاده أخذ يقدم على الكفاح السياسي و إلى عودة الديمقراطية



لا أتذكر أين قرأت أن عميد الأدب العربي الخالد طه حسين قد قال لأحد اليساريين المصريين بأنه لا يكره اليساريين ، بل يتساءل هل استطاعوا إبداع عمل عظيم بعظمة رواية " البؤساء" للكاتب العظيم فيكتور هوغو؟
تناول هوجو العالم السفلي و صّور معاناة المظلومين بأروع الصور و أن أدبه إلى جانب أدب أدباء القمم العالمي الآخرين ساهم بشكل كبير في تغيير مفاهيمنا حول الإنسان و العالم ، بينما مات كتاب كثر و عيونهم شاخصة إلى العالم العلوي ، عالم المتسلطين و ذوي النفوذ و الطغيان ، لتتفتق قريحتهم عن مدائحية تموت بموت الممدوح أو بعد إلقائها عليه ، غير مصدق أنه عظيم إلى ذاك الحد.
شامخته " البؤساء" سوف تظل تجول في جوانحنا رغم مرور أكثر من 14 عقدا من السنين على كتابتها ، و تحضر في حياتنا روايةّ و مسرحيةّ و اوبريت و ملاحم وأفلام.
فهي حكاية طفل ضائع يرعاه رجل جان ٍ- بحكم ما كان يسمى بالقانون- يلاحقه رجال الأمن. رواية تحكي قصة الفقر والمعاناة و انعدام المشاعر الإنسانية. هذه الرواية لا تزال خالدة وتروي حتى اليوم معاناة المظلومين والمضطهدين و الأطفال المنسيين والمتشردين و المنبوذين في العالم و لم تفقد قدراتها الهائلة في شحذ أفكارنا عن التطورات والتحولات الاجتماعية
لقد تناول العديد من الكتاب عظمة باريس و جمالها ، لكن فكتور هوجو تناول عالمها السفلي عالم " طفل المجتمع البائس" . ففي عالم باريس السفلي يستعد بطل رواية " البؤساء" للحرب بين الخير والشر في داخل نفسه. تجري أحداث الرواية في فرنسا المضطربة عام 1800 بعد عقود من ثورتها. يشهد هوجو كيف بلور العنف المجتمع و خلق شرائح اجتماعية سفلى ، و رأى أنه بعد كل معركة اجتماعية كانت فرنسا تقترب خطوات صوب الديمقراطية. و" البؤساء" تعد نوعا آخر من الثورة، قام بها هوجو للتنقيب عن روح مشاعر التضامن مع المسحوقين و المظلومين.
بطل الرواية " جان فالجون" يحاول يائسا إعالة أطفال شقيقته ، فيلقى القبض عليه من قبل السلطات ويحكم عليه بالسجن لخمس سنوات و لا يرى مبررا لتبرير " جريمته" بسرقة رغيف خبز ، فتحطم المرارة طبيعة الخير فيه ويحاول مرات عديدة الهروب و يلقى عليه القبض في كل مرة و يمدد مدى محكوميته. فلم يعد "جان فالجون" معروفا باسمه الحقيقي بل بالسجين رقم 24601
كتب هوجو رواية " البؤساء" في منفاه السياسي في جزيرة غيرنيسي في القنال الإنكليزي. طبعت 1862 و دوت أصداؤها بين جماهير فرنسا. بيعت في بداية الأمر على شكل أجزاء ، و كان كل جزء الأكثر مبيعا من بين الكتب في فرنسا. هذه الرواية ملحمة عظيمة و خالدة عن آلام الإنسان و معاناته من البؤس والظلم و الجور في الماضي و الحاضر وربما المستقبل . نشاهد في الرواية كاريكاتير "جان فان جون" – السجين السابق ، والأسقف "ميريل" و "جافير" مفتش الشرطة الذي ينتحر غرقا في النهر ، بعد أن لا يطيق أن يرى جان فان جان يعفو عنه بعد المقدرة و كما نلتقي في الرواية أيضا "ثينارديير" المجرم العادي ، و"فانتاين" المومس و ابنتها تكوسِت" و الثوري الشاب "ماريوس" و الطفل المتشرد اللعوب "جاف روش"

بعد 9 سنوات ضائعة من عمره ، والتي لم يذرف خلالها دمعة واحدة ، يطلق سراح "جان فان جون" وقد أصبح الرجل الخطير و يحمل الجواز الأصفر و عليه أن يسجل يوميا الحضور عند السلطات ، فلا يقبل به أي صاحب عمل و لا يعطى له أي مسكن ليقيم فيه حتى يضطر إلى الذهاب إلى الأسقف "ميريل" الذي يرحب به و يناديه بالأخ ، لكن اللطف و الصداقة غريبان عن جان و يفكر كمجرم و لا يفهم أن يكون ثمة أناس يحترمونه ، فيفكر بالقيام بأعمال بائسة مثل سرقة فضة الكنيسة ، فيلقى عليه القبض و كان سيكون السجن مصيره طول بقية حياته لولا رأفة الأسقف ، إذ يذهب بنفسه إلى مركز الاعتقال حاملا عددا آخر من الشمعدانات و ينادي عليه أخي فال جان لقد نسيت الشمعدانات ، تفضل خذها. لكن تصور اللطف والرحمة من الآخرين على سجين سابق ، إنما غريب وشاذ على جان ، فيرفض أخذ هدية الأسقف الذي يعطيها إياه مقابل روحه . إنه ضحية محطمة جرده الفقر والبؤس من صفاته الإنسانية. سرقة رغيف تؤدي به إلى السجن المطول ، و السجن يخلق منه شريرا رغم طبيعته الإنسانية . يطبق هوجو هنا تعاليم المسيح على أرض الواقع بأنّ من يعفو عن مجرم إنما يصلح بهذا العمل نفسه.
يضطر فال جون أن يغير اسمه إلى مسيو مادلين حين يقوم بتشغيل مصنع فلا أحد يشك بأنه السجين السابق
لم يكن جان فال جون مثقفا لكن قوته كانت تكمن في أخلاقه فالقوة الأخلاقية أقوى من العقل والإدراك
كان هوجو نفسه أيضا مضطهدا ، وقد قضى 20 عاما في منفى في القنال الإنكليزي بعد انتقاده لويس نابليون عام 1851. وهناك بغتة تحول إلى مفكر سياسي أيضا ، إذ كانت حكومة فرنسا غير شرعية و تقف إلى جانب الشر بينما كان هوجو إلى جانب الخير دوما و ظهير المسحوقين . كانت الفترة الأولى من منفاه مفعمة بالنشاط والحيوية و الإنتاج الغزير ، و توحدت فيه روح السياسة والإبداع الأدبي . فرواية " البؤساء" التي يتجاوز عدد صفحاتها الألف من القطع الكبير استغرقت كتابتها 15 عاما. إنها ملحمة تتضمن التاريخ و السياسة و الاجتماع.

و الموضوع الذي طالما أقلقه كان الفقر بين النساء وكيف كان يفتك بهن
فونتين" امرأة شابة حسناء يسيطر عليها رجل قاس لا ضمير له ، إنها محطَّمة ، بائسة و
حامل. تغادر فونتين باريس مع ابنتها كوست للعمل في مصنع مسيو مادلين.. وإنها تخشى أن يرفضوها كونها أما غير متزوجة ، وتبعث فونتين ابنتها كوست إلى منزل و ترجو صاحب البيت وزوجته برعايتها مقابل المال التي تبعث به إليهما.
البؤساء" حلم هوجو الطوباوي و مشاهد عميقة لمعاناة الإنسان ، سواء فيما مضى ، أو عصرنا الراهن.
مشاهد " البؤساء" لا تزال حية أمام عيوننا إلى اليوم ،فهؤلاء البؤساء هم أنفسهم مع تغيرات في الأشكال فقط. هذه الرواية ليست هجوما على أصحاب المال و الثروة، بل صرخة بوجه المجتمع القاسي، و تشريح الظلم والعنف في الوعي الجمعي. و يتلمس المرء عبر الرواية إيمان هوجو بقدرات الإنسان الروحية للتغيير رغم طغيان الشر و رغم اعتقاده ربما بأن الكفاح ضد الفقر و الظلم الاجتماعي سيطول.
فطالما يفتك بنا الجهل والبؤس , يظل هذا الكتاب ومطالعته من ضرورات الكفاح ، ومشعلا ينير درب المناضلين في سبيل التقدم و الرفاه و تحقيق حقوق الإنسان الطبيعية.

عاد هوجو إلى باريس عام 1870 ليموت بعد 15 عاما عن عمر يناهز الثالثة والثمانين ، و شارك في تشييعه أكثر من مليون إلى مثواه الأخير بين عظماء فرنسا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصير شمة في بيت العود العربي


.. مفاجاة صارخة عرفنا بيها إن نصير شمة فنان تشكيلي ??? مش موسيق




.. مش هتصدق عينيك لما تشوف الموسيقار نصير شمة وهو بيعزف على الع


.. الموسيقار نصير شمة وقع في غرام الحان سيد درويش.. شوفوا عمل إ




.. بعيدا عن الفن والموسيقى.. كلام من القلب للموسيقار نصير شمة ع