الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام بين المحاكمة والإعدام

حازم صاغيّة

2003 / 12 / 31
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


أن يُحاكَم صدام حسين محاكمة عادلة مسألة المسائل في عراق اليوم. ولكنْ خصوصاً في عراق الغد. ولولا هذه اللهفة العراقية على محاكمته في العراق بحجة ان العراقيين راغبون في مراجعة تاريخهم, وأن المحاكمة ينبغي أن تكون درساً تثقيفياً لهم, لمال المرء إلى تفضيل المحاكمة الدولية.

فالأخيرة, رغم أكلافها الباهظة, تقدم صدام بوصفه مجرماً ضد الانسانية أكثر مما تقدمه محكمة محلية, خصوصاً أن ضحاياه يتعدّون العراقيين إلى الإيرانيين والكويتيين وغيرهم. وهي تبقى, في آخر المطاف, أبعد من البيئة المباشرة التي تستثير نوازع الثأر والانتقام. كما يسعها, بسبب وسائل الاتصال الحديثة, أن توصل المعاني الأخلاقية والسياسية إلى أبعد الزوايا العراقية. وهذا ناهيك عن أن الجسم القضائي في العراق نتاج العهد الصدامي, وقبله نتاج أنظمة عسكرية حكمت البلد منذ 1958, بينما يحول واقع الاحتلال وطبيعة هيئة الحكم الانتقالي دون إسباغ كامل الشرعية على أعمال السلطة القضائية المنبثقة من التركيب السياسي المذكور. وأما التعريض بالولايات المتحدة, أو غيرها, مما يُتاح خارج العراق أكثر مما داخله فيمكن, نظرياً على الأقل, أن يقوّي مجلس الحكم ويعزز موقعه قياساً بسلطة الاحتلال.

في أي حال, وأخذاً برغبة الأكثرية العراقية, يبدو أن صيغة توفيقية محلية - دولية, تستوحي محاكم سييراليون وتيمور الشرقية, هي المرشحة للظهور.

لكن حتى هنا, يلوح في الأفق ما يثير القلق: فاستبعاد عضو مجلس الحكم, إياد علاوي, إجراء انتخابات علنية لا يُبقي أياً من الايجابيات التي تم إيرادها في معرض الدفاع عن المحاكمة داخل العراق.

ذاك أن المحاكمة السرية لا تصير, تبعاً لطبيعتها, محاكمة للتاريخ وتعلماً من دروسه. في المقابل, بدل ان تتحول المحكمة محاكمة لصدام, تغدو محاكمة للوضع الجديد الذي يدفعه التستّر(!) إلى جعلها محاكمة سرية. وأخطر مما عداه, في ظل هذا الالحاح الواسع على حكم الإعدام, ان الأمر سوف يتقلّص الى مجرد طقس ثأري.

ويُستحسن بمجلس الحكم أن ينتبه ويقلق, وأن لا ينام على حرير الترحيب الأميركي (والبريطاني؟!) بحكم الإعدام.

فالموضوع, في آخر المطاف, أن العراقيين يجب أن يضعوا وراءهم تجارب الدولة بوصفها أداة قتل, وتجارب الشرعية بصفتها ما يتأسس على الدم. والعراقيون, في مجلس الحكم وخارجه, يعلمون ان شرعية الجمهورية تأسست على دم العائلة الهاشمية, وشرعية قاسم على دماء القوميين العرب, وشرعية البعث في 1963 على دم الشيوعيين. وهذه شرعيات تستعيض عن الانجاز بالطقوس الانتقامية, كما تضع النجاح في الرمزي محل الفشل في مواجهة المشكلات الفعلية. وإذا كانت أهم هذه المشكلات الأخيرة, في حالة العراق, بناء الوحدة الوطنية, يُستحسن ألاّ يُظن أن الوحدة حول جثة بديل من الوحدة. وهذا ناهيك عن أن عملاً ثأرياً كالاعدام سيمعن في تصديع القليل القائم من تلك الوحدة. فحتى صربيا حيث يُحاكم ميلوشيفيتش وزمرته في محكمة دولية نائية, وحيث الثأرية في أدنى حدودها, صوّت الصربيون بكثافة لـ"الحزب الراديكالي" القومي الذي يقبع قائده في محكمة الهايغ (لاهاي). ومثلما التف المسيحيون اللبنانيون وراء حزب الكتائب حين قرر خصومه "عزله" في 1975, قد يلتف سنة العراق العرب وراء جثة صدام بوصفها جثة شهيد أكبر!

إن المحاكمة السرية والإعدام لن يخدما العراق, ولن يخدما مجلس الحكم الانتقالي فيه. إنهما سوف يخدمان فقط نقاد المجلس بمن فيهم أولئك الذين دافعوا ويدافعون عن أنظمة لا تنهض الا على السرية والموت.


    الحياة     2003/12/30








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضباط إسرائيليون لا يريدون مواصلة الخدمة العسكرية


.. سقوط صاروخ على قاعدة في كريات شمونة




.. مشاهد لغارة إسرائيلية على بعلبك في البقاع شرقي لبنان‌


.. صحيفة إيرانية : التيار المتطرف في إيران يخشى وجود لاريجاني




.. بعد صدور الحكم النهائي .. 30 يوما أمام الرئيس الأميركي الساب