الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبل معالجة ظاهرة البطالة في العراق

فلاح خلف الربيعي

2008 / 4 / 17
الادارة و الاقتصاد


يواجه الاقتصاد العراقي في الظروف الراهنة مشكلة الارتفاع الكبير في معدلات البطالة بعد أن أصبح أكثر من نصف شباب المدن العراقية عاطلين عن العمل، في حين لا تتجاوز مشاركة المرأة في القوة العاملة 19 بالمائة.
هذه البطالة في معظمها بطالة هيكلية ناجمة عن تفاقم ظاهرة الاختلال في الهيكل الانتاجي كنتيجة لتوقف قطاعات الإنتاج الرئيسة وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية ومعظم الأنشطة الخدمية من ناحية والتحول في أنماط الطلب على القوى العاملة في سوق العمل من ثانية ، فضلا عن دور العامل الموضوعي المرتبط بطبيعة سوق العمل التي تتطور بسرعة أكبر من التطور في نظام التعليم والتدريب وما سيترتب على ذلك التطور من اختلال العلاقة بين الشروط المطلوبة في سوق العمل والمؤهلات المعروضة من مخرجات النظام التعليمي.وقد ارتبطت تلك المشكلة بمجموعة واسعة ومتشابكة من العوامل والتحديات، في مقدمتها التوجهات غير الرشيدة للسياسات الاقتصادية للنظام السابق، التي أهملت القطاعات الإنتاجية وسخرت الإيرادات النفطية لتمويل الحروب وتبنت السياسات النقدية والمالية التوسعية ومولت العجز في الموازنة العامة عن طريق الإصدار النقدي الجديد، فأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وتدهورت مستويات المعيشة، في مقابل ذلك خفضت من الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة، ونجم عن ذلك ارتفاع في معدلات التسرب المدرسي وانخفاض في كفاءة نظام التعليم، وتدهور إنتاجية رأسمال البشري، وأصيبت فرص التشغيل بأفدح الاضرار.
ولمتابعة تأثير تلك السياسات على أنماط الطلب في القوى العاملة ومستويات البطالة في العراق، يجري التمييز عادة بين مرحلتين مهمتين في تطور الاقتصاد العراقي:
الأولى: هي مرحلة الفورة النفطية التي استغرقت عقدا كاملا هو عقد السبعينيات من القرن العشرين وما صاحبها من فائض في الموازنة العامة، وتبن للسياسات الاقتصادية التوسعية وزيادة حجم التخصيصات الاستثمارية الموجهة نحو جميع الأنشطة الاقتصادية.وقد أظهرت تجربة التنمية في تلك المرحلة عن وجود إمكانيات كبيرة لتوظيف الموارد النفطية في مشاريع عامة منتجة والقدرة على تطوير الطاقات المؤسسية في إدارة الاقتصاد.الثانية: هي مرحلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي بدأت منذ مطلع الثمانينيات من القرن العشرين ومازالت مستمرة حتى الآن، حيث واجه العراق في ظروف تلك الأزمة مختلف أنواع الويلات والمصاعب بدءاً من التدهور الكبير في إيرادات النفط مرورا بالحروب المدمرة وعسكرة للاقتصاد والحصار الاقتصادي الدولي وانتهاء بالاحتلال. وساهمت هذه الظروف في تعميق الاتجاه الركودي في الاقتصاد وتدهور قابلية القطاعين العام والخاص على استيعاب المشتغلين. كما شهدت نوعية التعليم تراجعاً ملحوظاً، نتيجة لتوقف عمليات تطوير البنية التحتية المتعلقة بالأبنية المدرسية والجامعات والمعاهد وعمليات تطوير المناهج، وساهم الارتفاع في معدلات التضخم في تدهور مستويات رواتب وإضعاف حوافز أعضاء هيئات التدريس. وكانت المحصلة هي عجز النظام التعليمي عن إنتاج الخريجين المؤهلين للعمل، والنقص الواضح في المهارات وهبوط الإنتاجية، كما شهدت هذه المرحلة تفاقم ظاهرة بطالة الخريجين نتيجة لتخلي الدولة عن سياسات التعيين المركزي في توظيف الخريجين وضعف قدرة القطاع الخاص على خلق فرص العمل الملائمة التي تتناسب مع تخصصات الخريجين وإخفاق خطة القبول المركزي في تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل فضلا عن القيود التي وضعتها الضغوط الاجتماعية حصرت مشاركة المرأة في بعض الأنشطة كالتدريس، كما أدت العوامل الاجتماعية إلى تركز المشتغلين في الأجهزة الحكومية وتضخم الجهاز الإداري كما دفعت تلك الضغوط صانعي السياسات التعليمية الى مخالفة شروط سوق العمل والاستجابة للشروط الاجتماعية.ولم تبرز ظاهرة البطالة بوضوح خلال عقد الثمانينيات والتسعينيات بسبب ظروف التعبئة العسكرية العامة التي شملت معظم الافراد النشطين اقتصاديا، إلا أنها استفحلت بعد العام 2003 نتيجة لتوقف معظم المشاريع والمصانع عن الإنتاج بعد تدهور الوضع الأمني وعدم توفر الطاقة الكهربائية، وبعد أن اتخذت إدارة الاحتلال الإجراءات بحل الجيش السابق وتسريح مئات الآلاف من المطوعين والمكلفين في الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي، فضلا عن توقف العمل بقانون الخدمة الإلزامية، وتفاقمت تلك الأزمة نتيجة استمرار تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي وعدم اتخاذ الإجراءات السريعة لمعالجة البطالة العالية والفقر وارتفاع الأسعار، وتعمير البنية الأساسية، وتأهيل الصناعات الرئيسة المخربة، وخاصة منها طاقات إنتاج الكهرباء ومياه الشرب، وتقديم الخدمات العامة. وبدلاً من معالجة الأزمة منذ البداية، ركز صانعو القرار على تصدير النفط الخام، والتمهيد لخصخصة الصناعة النفطية، وترويج لمنح الأسبقية للشركات الأجنبية في عمليات الاستثمار، وفي جميع مراحل تلك الأزمة، كان التصرف السيئ بالموارد النفطية، ولا يزال، أحد الأسباب الرئيسة في وجودها.
ولا يزال الاقتصاد العراقي يواجه مشكلة الفشل في توظيف الموارد النفطية في بناء اقتصاد قوي يؤمن زيادة مستمرة في النمو والتشغيل وقدرة على تمويل مشاريع البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة، ولهذا فإن ترشيد التصرف بتلك الموارد سيظل العامل الرئيس في علاجها، لذا أصبحت معالجة التوجهات غير العقلانية في السياسات الاقتصادية أمراً ضروريا في المستقبل، لأن استمرار العمل بهذه السياسات من شأن أن يعمق الأزمة الاقتصادية الحالية بجميع مظاهرها المتمثلة بتراجع النمو في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، وانخفاض الدخول، وزيادة البطالة، وانتشار الفقر، وارتفاع الأسعار، وزيادة النقص في الخدمات والمرافق العامة، واستمرار النقص في الكهرباء ومياه الشرب، وتزايد الحاجة لإنشاء البنية الأساسية الاقتصادية (المادية) والاجتماعية والبيئية.وزيادة المديونية الخارجية. وفي المدى البعيد، فإن المظهر الأبرز في تلك الأزمة هو طبيعتها الهيكلية المتمثلة باستمرار بقاء الاقتصاد الوطني رهينة لهيمنة قطاع النفط.وبعيداً عن تفاصيل الأساليب والتحليلات الفنية المستخدمة في تلك المعالجة، نؤكد على أهمية التركيز على العناصر الهادفة إلى تحرير الاقتصاد من هيمنة قطاع النفط والتأكيد على أهمية التصرف الرشيد بالإيرادات النفطية ورفع مستوى النشاط الاستثماري والإنتاجي وتعزيز دور القطاع الخاص كسبيل وحيد لزيادة الدخول والتوظيف والتحسن في مستويات المعيشة على أن يقترن ذلك ببرنامج اقتصادي يهدف إلى توظيف الإيرادات النفطية لصالح الاستثمار العام في برامج ومشاريع البنية الأساسية والخدمات الاجتماعية العامة، ومن المهم أيضاً إدراك العلاقة السببية القوية بين تفاقم المشكلات الأمنية والاجتماعية والسياسية وبين استمرار المشكلات الاقتصادية والمعيشية من ناحية، وعدم التقليل من خطورة الأزمة الاقتصادية بحجة توفر الثروة النفطية والتفاؤل بالمستقبل من ناحية أخرى.

وبقدر تعلق الأمر بمشكلة البطالة ينبغي اتخاذ الخطوات الكفيلة بمعالجة تلك المشكلة من خلال العمل على:
1- توجيه النسبة الكبرى من التخصيصات الاستثمارية لدعم القطاعات السلعية الأساسية وبخاصة الزراعة والصناعة ومشروعات البنية التحتية والكهرباء والمياه.
2- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنميتها لكونها مشاريع كثيفة العمل وتساهم فعلياً في امتصاص جزء كبير من البطالة.
3- العمل على تحديث المناهج التعليمية لمواكبة التطورات العلمية،وبما يضمن تأهيل الخريجين من الناحيتين العلمية والعملية.
4- استحداث برنامج وطني يقوم على التنسيق بين الوزارات المختلفة لخلق فرص العمل التي تتناسب ومؤهلات الخريجين.
5- إعادة النظر بخطة القبول المركزي بالتركيز على هدف المواءمة بين مخرجات التعليم و احتياجات سوق العمل.
6- إعادة النظر بسلم الرواتب والأجور الحقيقية بين وقت وآخر.
7- الاهتمام بالتعليم المهني والتقني بما يعزز مهارات الخريجين ويلبي احتياجات سوق العمل.
8- دعم القطاع الخاص من أجل خلق المنافسة المشروعة بينه وبين القطاع العام خدمة لدعم الاقتصاد الوطني.
9- تحسين الكفاءة الداخلية لنظام التعليم من خلال محاربة الفساد والممارسات الإدارية البيروقراطية.
10- تحسين المناخ الاستثماري لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية لخلق فرص العمل للخريجين وحسب مؤهلاتهم العلمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج


.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع