الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحلة ورهان السلطة

رمضان متولي

2008 / 4 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


تطوع حكماء السياسة في مصر لتنبيه الحكومة إلى المخاطر التي تحيق بالبلاد قبل وبعد أحداث إضراب 6 أبريل في المحلة الذي أجهضته بعنف بالغ قوات الأمن افتراضا منهم أنها لا تدرك هذه المخاطر بكل أبعادها … منهم من تحدث عن عصابات المجرمين الذين انطلقوا من العشوائيات لتخريب المدارس والمستشفيات وتحطيم المحلات في المدينة العريقة والتي استخدمها الأمن كذريعة لهجوم انتقامي على العمال وأهاليهم. ومنهم من انتقد اعتماد السلطة على الذراع الأمنية وحدها وفشل المؤسسات السياسية "الشرعية" في معالجة أزمات سياسية الطابع، موضحا مخاطر ذلك على النظام السياسي واستقراره.

المشكلة أن هذه الآراء تفترض أن السلطة وطبقة رجال الأعمال المرتبطة بها لا تدرك هذه المخاطر أو أنها تختار الأسلوب "الخطأ" في التعامل مع الأحداث، وبالتالي فإن الخروج من هذا المأزق يستلزم فقط "إصلاح" هذه الأخطاء بمعالجة مشكلة العشوائيات واستيعاب أزمة ارتفاع الأسعار من جانب، و"إصلاح" المؤسسات السياسية "الشرعية" وتنشيطها لتخفيف الاعتماد على الجهاز الأمني في معالجة الأزمات من جانب آخر.

غير أننا لو افترضنا أن السلطة تدرك هذه الأخطار وأنها اختارت بوعي كامل أسلوبها الحالي للتعامل مع الأزمات ربما نصل إلى نتائج مختلفة تماما حول فكرة الخطأ والصواب وحول طريقة الخروج من الأزمة السياسية والاجتماعية المتفاقمة. وقد يكون هذا الافتراض هو الأقرب إلى الحقيقة، إذا قارنا بين إضراب عمال المحلة في سبتمبر من العام الماضي وبين إضرابهم الأخير.

في إضراب سبتمبر 2007، قررت السلطة عدم التعامل أمنيا مع الإضراب وعدم اللجوء إلى العنف في مواجهة العمال، فكان إضراب العمال راقيا ومتحضرا إلى أقصى حد استنادا إلى خبراتهم العميقة بأساليب النضال النقابي. استطاعوا حماية الآلات وحماية مصنعهم من احتمالات التخريب، وكونوا لجنة للتفاوض باسمهم حول مطالبهم المشروعة، وأعلنوا هذه المطالب بوضوح شديد وطلبوا التفاوض عليها. لم يتدخل الأمن في فض الإضراب بالقوة، فأعرب العمال عن شكرهم لأجهزة الأمن على ذلك ولم يحدث أي تخريب في المدينة. لم تسارع السلطة إلى التفاوض مع العمال حول مطالبهم، وإنما تأخرت عليهم كثيرا كما انتهى الإضراب بوعود لم تحقق مطالب العمال ولا الحد الأدنى الذي يعتبرونه مقبولا.

غير أن النجاح الجزئي لهذا الإضراب أعقبه موجة من التحركات العمالية التي رفعت مطالب مشروعة أيضا ترفض السلطة وطبقة رجال الأعمال المرتبطة بها تلبيتها. وتزايدت الشكوى من جماعات رجال الأعمال مما وصفوه "بتهاون" الحكومة مع الإضرابات، خاصة بعد إضراب موظفي الضرائب العقارية واعتصامهم في وسط البلد للمطالبة بحق مشروع وبسيط هو مساواتهم بزملائهم في مصلحة الضرائب وعودة تبعيتهم إلى وزارة المالية بدلا من المحليات. وترددت تعبيرات مثل "لي" ذراع الحكومة و"استسهال" اللجوء إلى الإضراب، وأن الإضرابات غير مشروعة وغيرها من التعبيرات المستفزة التي لا تستند إلى منطق أو قانون.

كان في ذلك تحريض واضح وتأكيد لعزم الحكومة على مواجهة أي تحركات عمالية قادمة بالعنف وعلى تحويل الإضرابات إلى معارك حقيقية باهظة التكاليف على من يلجأون إليها للمطالبة بحقوقهم المشروعة. وهكذا تربصت لإضراب 6 أبريل الذي أصرت الحكومة وأجهزة الأمن على إلغائه أوالتعامل معه بأسلوب انتقامي لإرهاب الجميع ولإعلان أنها لن تتسامح أو تتساهل مع إضرابات العمال أو تحركاتهم السلمية، لطمأنة رجال الأعمال المقربين منها على مصالحهم وأرباحهم، حتى وإن كانت هذه المصالح والأرباح تعني مزيدا من إفقار وقهر ملايين الفقراء في طول البلاد وعرضها.

العامل المتغير هنا كان عزم السلطة على الانتقام من عمال المحلة وعلى الإعلان عن أنها لن "تتساهل مع الإضرابات"… صحيح أو غير صحيح، تلك حسابات السلطة، ولكن الاعتماد على الأجهزة الأمنية واستخدام العنف لمعالجة الأزمة كان مقصودا ومعدا له سلفا. المهم في ذلك، أن ما حدث في 6 أبريل وموقف السلطة من الإضراب الأخير مقارنة بإضراب المحلة في سبتمبر الماضي يعد قرينة واضحة على مسئولية الحكومة وأجهزة الأمن عن عمليات التخريب. فطبقة العمال أثبتت أنها متحضرة وقادرة على تنظيم تحركات نضالية سلمية وراقية للتعبير عن مطالبها. أما السلطة، فأثبتت عدم قدرتها على تحمل تلك الأساليب الراقية، ولا غرابة في ذلك، فقد استخدمت البلطجة والمسجلين من قبل في مواجهة تحركات سلمية وثقت بالصوت والصورة في بلاغات قدمت للنائب العام عند تعاملها مع المظاهرات المحدودة احتجاجا على تعديلات المادة 76 من الدستور.

نصائح حكماء السياسة بشأن الأسلوب الأمثل للمحافظة على النظام والمؤسسات الدستورية لا تساوي شيئا بالنسبة للقائمين على الأمر في بلادنا لأنهم يدركون أكثر من غيرهم أن هذه المؤسسات عاجزة تماما عن تحريك بعوضة لكونها مؤسسات شكلية تفتقد إلى الشرعية السياسية والقانونية – فالسلطة لا تنتظر شيئا من نقابات تعرف تماما أنها منزوعة الصلة بالعمال وتعرف تماما أنها لا تمثلهم وأن قياداتها عينت من قبل الأجهزة الأمنية، وجاءت بتزوير إرادة العمال. والسلطة لا تنتظر شيئا من الأحزاب السياسية "المشروعة" لأنها تعرف تماما أنها قامت بإخصاء هذه الأحزاب وتحطيم مصداقيتها حتى أصبحت مؤسسات شكلية لا دور لها إلا إضفاء مسحة ديمقراطية زائفة على نظام استبدادي. حتى القانون نفسه، أهانت السلطة مصداقيته بعد أهانة القضاء والقضاة الذين كشفوا عن حجم القيود التي يفرضها عليهم الجهاز الإداري والتنفيذي، وعن عدم اعتدادها بالأحكام القضائية واللعب على الثغرات والحبائل التي تفرغ القانون من أي مضمون.

رهان السلطة كان ومازال يرتكز على حرمان أي تحرك جماهيري واسع من القدرة على التنظيم ومن أي توجه سياسي أو أيديولوجي يطرح بديلا واقعيا لها. فالفوضى بالنسبة لها أرحم كثيرا مهما كانت تكلفتها من أي تحرك منظم يكون قادرا على إزاحتها. وفي هذا السياق يأتي الهجوم على الإخوان المسلمين والأحكام العسكرية التي صدرت مؤخرا ضدهم، ولكن عندما يذهب هذا الخيار بعيدا إلى حد تغييب فتاة مثل إسراء عبد الفتاح التي اتهمت بالمشاركة في تنظيم إضراب 6 أبريل، فتلك خراقة طبيعية مرتبطة بأسلوب موظفي الشرطة والمعالجة الأمنية التي لا تخلو أيضا من فساد ضروري وعناد أخرق ملازم للعقلية الأمنية. ويظل هذا الأسلوب اختيارا واعيا للسلطة واعترافا منها باستحالة إصلاح مؤسسات بنيت على أساس الفساد والانتهازية والارتزاق وليس على أساس مشروع سياسي وتوجه يحظى بقبول غالبية الشعب المصري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة