الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزلزال الذي هز التاريخ

يوسف عزيزي

2004 / 1 / 1
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


بَم مدينة تاريخية وسياحية يصل عمرها الى عمر استقرار الفرس في النجد الذي عرف فيما بعد باسم نجد ايران. ومن اهم معالم هذه المدينة التي تقع في جنوب شرق ايران و تبعد 980 كلم من العاصمة طهران هي قلعتها التي يصل عمرها الى 2250 سنة. وقد وصف هذه المدينة و قلعتها التاريخية العديد من الرحالة العرب منهم ابن بطوطة وياقوت الحموي.
 وبم الواقعة في اقليم "كرمان" وعلى حافة اكبر الصحاري الايرانية هي اساسا مدينة قائمة على الزراعة و النخيل حيث تنتج افضل انواع التمور في ايران ومعروفة بحبوباتها و حمضياتها و ليمونها الذي تفوح رائحته في موسم الربيع  وتعم كل ارجاء المدينة.
و تجاور مدينة بم، صحراء " لوط"  شمالا و سفوح جبال زاغروس غربا و هي في الواقع واحة وسط صحراء قاحلة  وتعتبر مزارا للسياح بسبب وقوعها على طريق الحرير و قلعتها  التاريخية وبيوتها الطينية التقليدية القديمة. وقد لقي عدد من السياح الاجانب حتفهم  و اصيب العديد منهم في الزال الذي هز المدينة يوم الجمعة الماضي.
 وتعرضت القلعة لعمليات حصار و اجتياح ودمرت وقتل فيها العديد من ملوك الفرس منهم آخر ملوك السلالة الزندية لطفعلي خان الذي استسلم لمؤسس السلالة القاجارية آغامحمدخان في اواخر القرن الثامن عشر الميلادي. ودمرت واعيد بناءها مرات عديدة كان آخرها في عهد الصفويين في القرن الثامن عشر الميلادي. هذا ما حث بعض علماء الاثار هنا ليعلنوا بانهم سيبنون القلعة بشكلها الطيني و التقليدي من جديد وفقا لخريطتها الموجودة لديهم.
 وتمتد القلعة على طول 300 متر و عرض 200 متر وتقع داخل المدينة الاثرية القريبة من المدينة الجديدة التي تحمل نفس الاسم وهي اكبر بناء من الآجور الطيني في العالم و مثالا للعمارة الفارسية القديمة.
 وكان يقطن مدينة جهرم نفسها حتى يوم الجمعة 26 كانون الاول نحو 85 الف نسمة حيث اذا ضفنا الضواحي و القرى كان عدد سكانها 120 الف شخص. وقتل الزلزال الذي هز المدينة في الساعة الخامسة
والنصف من فجر يوم الجمعة ، اكثر من 20 الف شخص؛ اي ان  الاحصائية الرسمية الاخيرة والتي صدرت حتى كتابة هذا المقال ( في اليوم الرابع بعد الزلزال) تتحدث عن 22 قتيل و 30 الف جريح غير ان التكهنات تتوقع ارتفاع القتلى الى 30 الف و الجرحى الى 50 الف شخص، حيث جهود فرق الانقاذ متواصلة للبحث عن المدفونين تحت الانقاض. ويبدو ان جميع المسؤولين في المدينة كرؤساء و مدراء الدوائر الحكومية لقوا حتفهم في الزلزال ماعدى قائم مقام المدينة الذي اصيب بجروح. فان مصرع واصابة اكثر من 50 الف شخص - اي نحو ثلثي اهالي مدينة بم – امر طبيعي لان نحو 80 في المئة من البيوت و ابنية الدوائر الحكومية وغير الحكومية دمرت اثر زلزال يوم الجمعة. والمدهش في الامر ان المدينة لم تتعرض للزلازل منذ الف عام. غير ان طبيعة الابنية المبنية اساسا من الطين و الآجور الطيني ادى الى كل هذا الدمار. فاذا قارنا بين زلزال بم و الذي بلغت قوته 6.3 على مقياس ريختروراح ضحيته اكثر من 20 الف شخص والزلزال الذي هز قبل اكثر من شهر، مدينة كوبة اليابانية وقوته 7.1 على مقياس ريختر ولم يخلف وراءه الا قتيلين،  نصل الى سبب كل هذا الدمار المادي و الانساني الذي حدث في مدينة بم و قبلها في سائر المدن الايرانية. فالابنية في هذه المدينة وكما قلنا آنفا هي ابنية طينية لم يتم بناءها على اسس علمية مقاومة للزلازل، كما يتم ذلك في اليابان مثلا و التي هي ايضا بدورها تقع على خط الزلازل.
 فايران بحكم طبيعتها الجغرافية تقع على الحزام الاسيوي للزلازل في العالم او بالاحرى ان 70 في المئة من اراضيها تقع على هذا الحزام ،حيث ان هناك تصدعات كبيرة تقع في باطن الارض و تحت سلسلتي جبال البورزو زاغروس وفي سفوحهما الواسعة. وتقع جبال زاغروس في وسط وجنوب ايران و تمتد من الغرب الى جنوب شرقها؛ فلذا نرى ان العديد من الزلازل المدمرة تحدث في المدن والقرى الواقعة في شمال او جنوب هذه السلسلة الجبلية ونفس الامر يصدق على سلسلة البورز التي تفصل شمال ايران عن وسطه حيث تقع طهران في سفوحها الجنوبية. و يعتقد العديد من علماء الزلازل ان العاصمة الايرانية مرشحة لزلزال مدمر يمكن ان يوقع مليون قتيل والوف الجرحى بسبب الكثافة السكانية و شبكات الغاز والكهرباء الواسعة
و التي يمكن ان تؤدي بدورها الى حرائق؛ وكذلك صعوبة ايصال الخدمات بسبب زحمة المرور التي تشتهر بها شوارع طهران.
 وتعتبر زلزلة بم من اكثر الزلازل في ايران موتا و دمارا في تاريخها المعاصر والسبب كما قلنا هو في وقوع ايران على الحزام العالمي  للزلازل حيث سجل مركز الزلازل في طهران نحو 1000 زلزلة خلال الاعوام العشرة الماضية.  ويتحدث لنا  التاريخ الايراني عن مدن دمرت باكملها و زالت عن وجه الارض بسبب الزلازل؛ فيما اعيد بناء البعض الاخر منها كمدينة تبريز (شمال شرق) و مدينة لار(جنوب). و يمكن ان نقول ان في كل 10 اعوام يقع زلزال في ايران لا تقل ضحاياه من 10 الاف قتيل؛ هذا ماعدى الزلازل الاقل قوة و التي تحدث كل عامين او ثلاث و تحدث دمارا جزئيا في المدن والقرى.
 ويعتبر الزلزال الذي هز مدينة "رودبار" و المدن المجاورة لها في شمال ايران عام 1990 اعظم زلزال في ايران في الاعوام الاخيرة حيث بلغت ضحاياه اكثر من 40 الف قتيل.
 ويعتقد علماء الزلازل ان وجود ايران بين شبه الجزيرة العربية
و شبه القارة الهندية و اصطدام هاتين المنطقتين بالطبقات التحتية للكرة الارضية هي التي تحدث المئات من الزلازل التي تهز ايران كل عام. غير ان هذه الزلازل ليست كلها قوية بل ان البعض منها تتراوح قوته بين 1-5 على مقياس ريختر ولم يحدث دمارا يذكر.  
 وتلعب الكوارث الطبيعية دورا سياسيا وانسانيا في العلاقات بين الدول و الشعوب. وقد قامت دول عربية وغير عربية بتقديم مساعدات للمنكوبين في مدينة بم، ابرزها تركيا و العربية السعودية و فرنسا
و الاردن وجنوب افريقيا والسويد والكويت و اسبانياوبولندا والمانيا والنمسا والولايات المتحدة الامريكية. وفي هذا المجال تحدث مساعد الخارجية الامريكية ريتشارد ارميتاج مع المندوب الايراني الدائم في الامم المتحدة محمد جواد ظريف حيث قدم تعازي بلاده للمسؤول الايراني. ويتوقع المراقبون هنا ان تؤثر هذه الكارثة المأساوية ايجابيا على العلاقات بين ايران والولايات المتحدة الامريكية والمقطوعة منذ 24 عاما. انتهت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا