الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محتال.. والضحايا ذوو الأسرى

خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

2008 / 4 / 20
القضية الفلسطينية


وصل المخيم عند ساعات الظهر.. وما أن أنزلته سيارة الركاب إلا وبدأ بالسؤال عن منزل أبو سليمان، ولما سأله من قابله من الناس عن أيّ أبو سليمان يبحث، كان يوضح لهم انه يبحث عن أبو سليمان الذي له ولدين ( زيد وإياد ) في المعتقلات الإسرائيلية.. ومن الطبيعي أن يتسبب هذا التوضيح بتعقيد الأمر أكثر، لان الناس في المخيم لديهم حساسية أمنية زائدة عن اللزوم، ودائما تذهب شكوكهم عندما يدخل الغرباء إلى مخيمهم-- إلى ابعد من الضيافة-- أي إلى ألاعيب وحيل المخابرات الإسرائيلية، ولكن الزائر الغريب كان متيقظا لهذا الأمر واستطاع بسلاسة أن يفهم الناس انه خارج حديثا من السجن، وانه كان زميل برش ( فراش السجن ) لأبناء أبو سليمان، وغايته أن يوصل إلى أسرتهم رسالة خاصة منهم، وكي يحدثهم عن الظروف التي يعيشونها داخل المعتقل الإسرائيلي.. وبعد أن صدقه الناس ذهب معه احد الشبان ليرشده إلى منزل أبو سليمان.. وعندما طرق بوابة منزل أبو سليمان استقبله أبو سليمان بالترحاب، ودعاه بحرارة للدخول إلى المنزل-- حتى قبل أن يقول له انه قادم من عند ولديه القابعين في السجن-- جلس الزائر الغريب الذي كان في العقد الثالث من عمره، ويلبس هنداما جيدا ( بدلة راقية وربطة عنق وحذاء لامع )، وفورا اخذ يحدق بالصور المعلقة على جدران المنزل، مما دفع بأم سليمان للتوضيح له أن الصور تعود لأبنائها المعتقلين بالسجون الإسرائيلية .. فاصطنع الضيف حالة الحزن والأسى وقال لها : أنا يا خالتي اعرفهم جيدا وجئتكم خصيصا لأحكي لكم عن وضعهم، فبيني وبينهم علاقة استمرت لشهور طويلة في قسم واحد وفي غرفة واحدة من سجن مجدو، أكلنا وشربنا وسهرنا الليالي وعانينا وتعذبنا سويا.. وهنا فاضت عيون أم سليمان بالدموع، وأجهشت بالبكاء الحار واستحلفت الغريب بالله أن يحدثها بصدق عن أحوالهم، كيف يمضون الليالي والأيام، وكيف هي أوضاعهم الصحية، وكيف وماذا يأكلون، وهل يشبعون، وهل هم حقيقة بخير، وهل تطالهم عمليات التنكيل التي تقول وسائل الإعلام أن إدارات السجون الإسرائيلية تقوم بها ضد المعتقلين.. وطلبت منه عدم الحديث ريثما تدعو بقية أفراد الأسرة من زوجات المعتقلين وإخوتهم وأخواتهم كي يستمعوا إلى حديثه كاملا، وخرجت مسرعة وهي تنادي بأعلى صوتها على أبناءها وبناتها وزوجات وأبناء ولديها المعتقلين .. وما هي إلا خمس دقائق حتى كان الجميع يحيطون بالغريب، الذي اخذ يحدثهم عن ظروف السجن، ويسرد لهم حتى دقائق الأمور، ويقص عليهم بعضا من المعلومات الخاصة عن أبنائهم وبعض دقائق حياتهم وابلغهم معلومة دقيقة عن موعد محاكمة ابنهم زيد، مما جعل الجميع مشدود إلى هذا الغريب، ويحيطونه بجو من المودة والألفة، كيف لا وهو قادم من عند أحبائهم القابعين وراء قضبان النازية الإسرائيلية.
وما هي إلا ساعة حتى اكتسب الغريب ثقة عائلة أبو سليمان بالكامل، وعلى وجه السرعة قامت أم سليمان المعروفة بسخائها وكرمها بإعداد غداء فاخر لهذا الضيف، فأكل بنهم كبير حتى كادت بطنه أن تنفجر وأمعاؤه أن تتشقق، وشرب العصير والكولا، ثم شرب الشاي والقهوة، ودخن السجائر، ثم بدا بتنفيذ الشق الآخر من هدف زيارته-- وذلك بعد أن اطمأن بان العائلة قد أعطته ثقتها دون أية شكوك.. وبدا بتوجيه الكلام إلى أم سليمان، وقد أدرك أنها صاحبة شخصية قوية، وأنها الأكثر تصديقا له، ولأنها الأم التي بالعادة تكون الأكثر عطاء والأكثر استعدادا لتقديم كل شيء يجلب الراحة لأبنائها، ويحقق لهم كامل رغباتهم.. فاخبرهم الضيف بان هناك من قريب له يعمل مع الصليب الأحمر سيقوم خلال أيام قليلة بزيارة إلى السجن، وان أبناءهم قد ابلغوه بحاجتهم إلى ملابس عادية وأخرى رياضية، والى أحذية وصابون وشامبو وحلويات وزعتر.. ووو الخ، وان قريبه الذي سيزور السجن مستعد لحمل كل شيء تودون إيصاله إلى أبنائكم.. وعندها صرخت أم سليمان بزوجات ابنيها الأسيرين ( زيد وإياد ) وبإخوته وأخواته، وطلبت منهم التحرك بسرعة وتحضير كل شيء بأقصر وقت، وبالفعل ذهب الأخ الأكبر ( سليمان ) إلى محل قريب لبيع الملابس، واشترى منه لكل واحد من أخويه بنطلون وبلوزة، وبدلة رياضية وملابس داخلية، وذهب أيضا إلى محل لبيع الأحذية، فاشترى حذاءين رياضيين، واشترى كذلك حقيبة كبيرة، وعاد راكضا إلى المنزل، وأحضرت أم سليمان كمية وافرة من الزعتر والميرمية، وعلبتي شوكولاتة من النوع الممتاز، كما أحضرت زوجتا الأسيرين الصابون والشامبو والمناشف الجديدة، وتم وضع جميع الأغراض في الحقيبة.. وحانت لحظة مغادرة الغريب لمنزل أبو سليمان، عندها أعطى الغريب رقم جواله للأسرة، وكذلك رقم جوال الشخص الذي سيزور السجن، وذلك كي يستمر التواصل بينهم- كما قال- وخرج الجميع لوداع الغريب الذي حمل الحقيبة المليئة بالأغراض، والتي بالكاد كان قادر على حملها، ورافقه إلى خارج الزقاق والحارة سليمان الابن الأكبر للعائلة، فاقترب الغريب منه وقال له بصوت خافت هادئ وبشيء من الانفعال المفتعل-- انه كان محرجا بالحديث عن مطلب آخر لأخويه المعتقلين، وذلك لان دموع أم سليمان وبكاؤها جعله يتردد بالإبلاغ عن ذلك المطلب، فقال له سليمان: لا عليك ابلغني به وأنا سأنفذ الطلب مهما كان-- فقال له الغريب: إن أخويك بحاجة إلى بعض المال، لان الحياة في السجون صعبة، عندها وضع سليمان يده في جيبه، واخرج كل ما بها من شواقل-- وكانت مائتي شيقل فقط-- هي كل ما يملكه، وقام بتسليمها كلها للضيف، الذي أخذها بسرعة ووضعها مباشرة في جيبه، وبعدها افترق الاثنان، حيث قام الغريب باستئجار سيارة خاصة تنقله إلى مدينة نابلس.. وعندما عاد سليمان إلى البيت اخبر أمه أن الغريب ابلغه بحاجة أخويه إلى المال، وانه لم يستطع أن يدبر إلا مائتي شيقل، عندها بكت أمه وصرخت بوجهه لماذا لم تخبرني..؟؟ فانا بإمكاني أن أعطيه ستمائة شيقل، وانهالت على ابنها باللوم والتوبيخ على تقصيره مع أخويه..
وفي المساء اجتمعت عائلة أبو سليمان كعادتها كل يوم، وكانت زيارة ذلك الغريب هي الموضوع الذي طغى على كل الحديث، وقد سيطر الحزن لبعض الوقت-- لكن ابنة أبو سليمان طرحت سؤالا استهجنه جميع أهلها، حيث سالت ماذا لو كان هذا الزائر نصابا محتالا..؟؟!! وبعد نقاش طويل في الموضع استأذنتهم بالاتصال بأرقام الجوالات التي أعطاها لهم الزائر الغريب.. فوافقوا بعد تردد كبير.. وكانت المفاجأة الكبرى حين لم تجد البنت من يجيبها على الاتصال، فحاولت مرة ثانية وثالثة وكان الرد الآلي يقول لها في كل مرة ( جوال مرحبا لا يمكن الوصول ).. فعم الصمت للحظات وبعدها قالت الأم: يمكن لنا أن نحاول الاتصال غدا صباحا-- محاولة إقناع نفسها بان الزائر لم يكن نصابا لأنه ابلغها أمورا كثيرة ودقيقة عن ولديها.. وفي صبيحة ذلك اليوم حاولت البنت إجراء الاتصال مرة أخرى، لكن الرد الآلي كان نفس الرد ( جوال مرحبا لا يمكن الوصول ) .. وفقط عندها أيقنت الأسرة بأنها كانت فريسة وضحية لنصاب محتال، استطاع بذكاء ومكر اللعب على عواطف أفراد الأسرة واستغل شوقهم الشديد لأبنائهم، لينهب منهم ما يستطيع من نقود ومتاع ومواد أخرى.. ( بلغت قيمة الغنيمة التي حصل عليها المحتال أكثر من ألف شيقل )..
بكت أم سليمان طويلا، وأصيبت الأسرة جميعها بخيبة أمل وصدمة، زادت من همومها وآلامها التي لم تنقطع منذ سنوات-- وكأنه لم يكن يكفي عائلة أبو سليمان ما بها من الآم، لو توزعت على العالم كله لفاضت عنه وزادت-- وتذكرت أم سليمان مواقف أخرى حصلت وتحصل معها، حين تنقطع أو تتأخر مخصصات الأسرى، التي لا تكفي ولا تغطي إلا القليل من احتياجات أسرهم.. وحين كان بعض المحامين يبلغوها كذبا أنهم قد زاروا أبناءها.. وكيف كان البعض منهم يأخذون الملابس لإيصالها للسجن-- ويؤكدون لها أنهم قد أوصلوها للمعتقلين-- ويتضح فيما بعد أن المعتقلين لم يقابلوا المحامين نهائيا، ولم تصلهم أي من الأشياء التي كان ذويهم يقتطعون أثمانها من قوت عيالهم-- وهم بأمس الحاجة إليها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة