الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البلاغة الرقمية

ثائر العذاري

2008 / 4 / 22
الادب والفن


مع ظهور بوادر الأدب الرقمي العربي، أصبح لزاما على دارسي الأدب العربي العمل بجد لتكوين منظومة نقدية عربية قادرة على التعاطي مع هذا المنتج الإنساني الجديد، فلهذا النمط من الأدب تقنياته الخاصة التي تجعل دراسته مختلفة كل الاختلاف عن دراسة الأدب الكتابي، بل إن طرق تلقيه وأنماط المتلقين تختلف هي الأخرى اختلافا جوهريا عن تلك المألوفة في الأدب المكتوب.
لم يعد بإمكاننا أن نطلق على متلقي الأدب الرقمي تسمية (القارئ) إلا جزافا، فلم يعد يصل إليه النص الأدبي اعتمادا على القراءة وحدها، فهناك الكثير من العلامات المتاحة الأخرى التي ستسهم بفاعلية في بناء فهم النص أبرزها ما تتيحه الوسائط الرقمية المتعددة من الصورة والصوت والحركة.
ثمة عادات اكتسبها قارئ الأدب الكتابي مع ازدياد خبرته القرائية، فصارت جزءا من منظومة التلقي التي اتفق عليها الكاتب والقارئ اتفاقا عرفيا، فحين نرى نصا أدبيا يملأ الصفحة، وأسطره متساوية البدايات والنهايات في أغلبها، ويتكون من فقرات غير متساوية في عدد الأسطر، فإننا نهيئ أنفسنا لقراءة نص يغلب على لغته الطابع السردي، والمنطق العقلي والترابط السببي. لكننا إذا وجدنا أنفسنا إزاء نص تتساوى حافات أسطره اليمنى بينما تختلف نهاياتها في الطول، وربما يتوسط بعضها الصفحة، فإن عقولنا ستتهيأ بسرعة لاستقبال نص شعري، يغلب على لغته الخيال والانفعال العاطفي، وربما الغموض الذي يجعلنا مستعدين لإطالة التأمل للكشف عن غوامض النص [تنظر معالجة تفصيلية لهذا الاختلاف في مقالة إدوارد بيكوت الموسومة (قطع ثلجية في الطريق إلى الشمال) في الرابط: http://www.hyperex.co.uk/reviewthewaynorth.php ].
هذا التأثر بالنظرة الأولى إلى النص الكتابي ما هو إلا نوع من العلامات المتفق عليها بين الكاتب والقارئ، أما الأدب الرقمي فإنه سيعطي للعلامة دورا أكبر في التعاطي مع النص، بحيث لا يمكن فهمه من غير فهم العلامة التي تشبه هنا العلامات المرورية الإرشادية والتحذيرية التي يؤدي تجاهلها إلى التيه أو الهلاك.
من الخطأ أن نربط الأدب الرقمي بالانترنت، بل ربما تون الانترنت من معرقلات تطور هذا النوع من الآداب مع ما تتيحه من نشره، فهي تضيق الإمكانات المتاحة أمام الأديب بسبب سرعتها المحدودة، فهو مضطر إلى استخدام عناصر صغيرة الحجم في بناء نصه ليسهل عليه رفعها إلى الخوادم التي سينشر عمله عليها، وما نتوقعه هو أننا قريبا سنشهد ظهور أعمال سردية وشعرية رقمية تباع في المكتبات على أقراص مدمجة، وستظطر دور النشر والتوزيع إلى تطوير إمكاناتها في هذا المجال. وستجد الحكومات أنه لم يعد هناك مناص من سن قوانين الحماية للملكية الفكرية لحماية المنتجات الرقمية، ودفعها إلى الرقي.
لا تؤدي البلاغة الرقمية أبدا إلى تراجع القيمة الفنية للنص اللغوي، بل على الضد من ذلك ستغنيه وتجعله أكثر جمالا وتحمله المزيد من الشحنات الدلالية. فالصورة والصوت والحركة ستضيف على الدلالة المعتادة للكلمات شحنات إضافية تجعلها أكثر كثافة أو أكثر شعرية، فضلا عن أن أي كلمة في النص يمكن أن تكون رابطا لنص متفرع يضيء تلك الكلمة، أو أن تحمل تعليقا يظهر بمجرد مرور مؤشر الفأرة فوقها، ليضيف معنى مخبأً ربما يحل غموضا لا يفهم من غيره.
إن حرية الكاتب في توزيع النص على الصفحة والإمكانات الكبيرة في تنويع الألوان والخطوط والأحجام أعطته قدرة غير محدودة على بناء علامات مبتكرة لا متناهية لبناء بيئة جمالية تحتضن النص وتعطيه الأثر الذي يستحيل ظهوره على الورق. فمع تقدم المتلقي في قراءة عمل معين فإنه سيكتشف اللغة الرقمية للمنشئ، ويعلم أن الكتابة الزرقاء تشير إلى دلالة بعينها، وأن تغير حجم الكتابة يدل على تغير المتحدث (مثلا) وغير ذلك.
أرسل لي المخرج المسرحي العراقي المقيم في السويد أسعد راشد مرة سيناريو مسرحية الطاعون التي عرضها في كل الدول الأوربية تقريبا، فلاحظت أنه يستخدم التقنيات الرقمية بفاعلية في كتابته، فقد استغنى عن التعليقات الإرشادية التقليدية التي تأخذ مساحات كبيرة في الشكل التقليدي للسيناريو المسرحي، مثل تلك التي تشير إلى تغيير صوت الممثل من حيث الشدة، أو التعبيرات الانفعالية أو العاطفية، وغيرها، فقد استعاض عن كل تلك التعليقات بتوظيف نوع الخط ولونه وحجمه.
وتواجه نظرية الأنواع الأدبية مأزقا حقيقيا في عصرنا، فالفصل الحاد بين الأجناس الذي تفترضه هذه النظرية لم يعد ممكن التصور، بالنظر إلى موجة التجريب في الأعمال الأدبية التي تجتاح العالم كله، فضلا عن أن الفصل بين الأنواع بالطريقة التي تصورها نظرية الأنواع الأدبية إنما هو فصل تعسفي، ففكرة النوع النقي فكرة خيالية، لم تود في أي عصر من العصور.
إن توظيف الأدب الرقمي لإمكانات الوسائط المتعددة يؤدي إلى إشكالية عسيرة في وضعه ضمن جنس أدبي معين، غير أن من المهم أن نتنبه إلى أن هذا الأمر يؤشر خللا في نظرية الأنواع الأدبية ذاتها، ولا يعني تجريد الأدب الرقمي من أدبيته.
ومن المهم أيضا أن نلاحظ أن الأدب والفن الفطري في فجر التاريخ الإنساني كانا يعملان معا وفي مكان واحد، فالكتابة الأولى كانت صورية، والنقوش على جدران الكهوف كانت تمزج بين الصورة والكلمة المنظومة أو المنثورة.
ونرى أن نظرية الأنواع الأدبية تحتاج إلى صياغة جديدة، ليس فيما يتعلق بالأدب الرقمي حسب، بل هناك أنواع أدبية أخرى بحاجة إلى تجنيس، حتى لقد شاعت تسميات مثل (نص) أو (نصوص عابرة للأجناس) تعبيرا عن العجز عن تصنيفها.
وفي هذا الإطار أيضا قد يقال أن الأديب الذي يكتب الأدب الرقمي هو الآخر ليس أديبا فقط وإنما يجب أن يكون موسيقيا ورساما ونحاتا و....، وهذا غير صحيح بالمرة، فالصورة والصوت عناصر مهمة من عملية التخييل التي يمارسها الأديب، وهو لن يحتاج إلى مهارات خاصة لتجسيد تلك العناصر، فكل ما يحتاجه هو معرفة بسيطة ببرامج معالجة الصور والأصوات الكومبيوترية، مثل (Photo Shop, Adobe Flash, Sound Forge …….) فهذه البرامجيات تمكن الأديب من صنع ما يتخيل من وسائط متعددة بيسر ومن غير أن يكون فنانا تشكيليا أو ملحنا.
نحن اليوم بأمس الحاجة إلى بناء نظام اصطلاحي بلاغي جديد قادر على وصف تقنيات هذا النوع المعاصر من الآداب، وهذه دعوة لكل المهتمين إلى التعاون في إنشاء روابط ومراكز بحثية للعمل بشكل جماعي لإنجاز هذا الأمر.، حتى لا نكون مضطرين مرة أخرى إلى استيراد نظريات غربية ونلوي أعناقها لتنطبق تعسفا على اللغة العربية والأدب الرقمي المكتوب بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس