الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجائع يناضل من أجل الخبز فقط

برهوم جرايسي

2008 / 4 / 22
القضية الفلسطينية


يخدم مَنْ ضرب المعابر مع قطاع غزة؟

حين يكون الشعب الواقع تحت الاحتلال والقهر والاضطهاد جائعا، يكون على رأس أولوياته الحصول على لقمة الخبز، وتأمين مصدر رزق ولو بسيط، وهمّه الوحيد وسعيه اليومي، من قبل شروق الشمس وبعد مغيبها، يكون إطعام أبناء بيته قبل نفسه.
هذه المعادلة بكل ما فيها من إجرام ووحشية، وبكل ما فيها من إنهاك قوى وموت بطيء للنفس أولا ومن ثم الجسد، يدركها الاحتلال الإسرائيلي منذ عشرات السنوات، ويعمل بموجبها، ليس فقط في المناطق المحتلة منذ العام 1967، بل هذه المعادلة التي اتبعتها المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة منذ العام 1948، بأشكال ومستويات مختلفة، ضد الجزء الباقي من الشعب الفلسطيني، الذي فلت من أنياب التهجير والطرد من الوطن.
وما يقود إلى هذه المقدمة، هي سلسلة العمليات التفجيرية التي وقعت في الأيام الأخيرة، عند المعابر بين قطاع غزة ومناطق 1948، التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، أو كما سماها، الناطق باسم كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، أبو عبيدة، "المتنفس الوحيد للقطاع"، حسب ما نقلته على لسانه وسائل الإعلام.
فقبل أيام أطلقت النار على معبر "ناحل عوز"، المخصص لنقل الوقود، ثم تبعته عمليتان عند معبر كرم أبو سالم، المخصص لنقل المواد الغذائية، في الأولى قتل سائقا شاحنات وفي الثانية قتل جندي، وفي الثالثة أصيب 13 جندي احتلال.
أما عدد الشهداء الفلسطينيين، فمنذ زمن أصبحوا مجرد احصائيات عابرة، إن قفز عددهم اليومي عن عشرة، نرى هبة وصرخات إعلامية لساعات، في انتظار مجزرة جديدة، نحصي فيها الشهداء وننتقل للمشهد الآخر.
في خضم النقاش مع حركة حماس، ظهر خلط كبير مجحف بين نقاشين يلتقيان في بعض الصياغات، ولكنهما مختلفان في الجوهر، فهناك نقاش يهاجم حماس وينتقدها، ليبث أوهام أن السلام جاهز ويقف خلف الباب، وما يمنع دخوله إلينا هي حركة حماس وغيرها من الحركات ذات التوجه الشبيه.
أما النقاش الآخر مع حماس، المختلف كليا من حيث الجوهر، يعي تعقيدات المرحلة، ويعرف أن المؤسسة الإسرائيلية رفضية وليست معنية بالتجاوب مع متطلبات الحل، ولكن نقاشه مع الحركة يدور حول أسلوب المقاومة وفق الظروف الراهنة، وموقف الحركة المبدئي من المشروع الوطني الفلسطيني، وما هو مطلوب جماعيا لحماية هذا المشروع ووحدة الشعب.
وحين نتكلم عن الظروف الراهنة، فالمقصود ليس الظروف الفلسطينية الداخلية وحدها، بل الظروف الإقليمية والعالمية، وفي كل الأحوال الدعوة هنا ليست للرضوخ للأمر الواقع، والجلوس هادئين بانتظار فرج لا يلوح في أي أفق محلي وإقليمي وعالمي.
وضعية الجوع في قطاع غزة متفاقمة إلى حدود خطيرة، وعلى ما يبدو فإننا لم نصل بعد إلى الأسوأ، وفي المقابل فإن الحقيقة المؤلمة هي أن النضال الشعبي العام غائب ليس فقط في قطاع غزة بل أيضا في الضفة الغربية، والمقصود هنا ليس هبة نضالية عابرة ليوم واحد، بل نضال عام، كما شهدنا في انتفاضة الحجر "اليتيمة"، التي حتى الآن لم يكن لها ثان.
والنضال التحرري يحتاج إلى استراتيجية عامة وشاملة، الشعب قادر على تحملها وتنفيذها، وهي استراتيجية تحتاج أولا وقبل كل شيء إلى وحدة وطنية شاملة.
ولا يمكن أن يكون النضال تحرريا، طالما هو على شكل عمليات، أشبه "بانتقام الضعيف"، كما يقولون عندنا باللهجة العامية: "والله ضربته كف وهربت"، أو كما في اللهجة المصرية، "ناولته حتة دين ألم وهربت"، ولكنك لم تحقق شيئا يدفع قضيتك إلى الأمام.
وهنا يسأل السؤال، من المستفيد من توجيه عمليات تفجيرية للمعابر: المتنفس الوحيد للقطاع، إن الإجراء الأفضل بالنسبة لإسرائيل هو إغلاق المعابر كليا، وفي ظرف كهذا لن تجد حتى قصاصة بيان من أي جهة في العالم تدعو إسرائيل إلى فتح المعابر وإدخال المواد الغذائية والوقود، ليس فقط الأساسية جدا منها، كما هو الحال اليوم.
هذا نوع من العمليات، ومهما كانت نتيجتها في الطرف الاحتلالي، لن تقود إلا لنتيجة واحدة: المزيد من الإغلاق والجوع، إذ لا يمكن إطعام شعب عبر ما تمن عليه الأنفاق.
وعلى ما يبدو فهناك حقائق ميدانية خطيرة في الشارع الفلسطيني، يجب طرحها على بساط البحث من جديد وبجرأة متناهية، وهي فوضى المجموعات المسلحة، و"مجموعات" هو مصطلح مخفف، لم يكن باستطاعة حركة فتح، ولا حركة حماس اليوم السيطرة عليها، وفي حالات عديدة تنجر هاتان الحركتان لإرضاء هذه المجموعات وكسبها، لتعزيز حسابات القوة الميدانية، إن كان لحماس أو فتح.
ففي قطاع غزة بشكل خاص، وأيضا في بعض مناطق الضفة الغربية بدرجة أقل، هناك مجموعات مسلحة، قد تكون محسوبة على هذا التنظيم أو ذاك، أو تحمل تسمياته، ولكنها لا تلتزم به ولا بقراراته، ومن بينها من تراه يتنقل بين التنظيمات وفق الأجواء وغيرها، ولا حاجة لشرح المقصود.
هذه "المجموعات" قد تضم بضعة أفراد أو عشرات وفي بعض الحالات مئات، لها أجندتها ومصالحها وميزانياتها، تعربد في الشارع الفلسطيني وتتمرد على قرارات السلطة، إن كانت في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة تحت سلطة حماس، ليس لديها استراتيجية توحدها، تنفذ ما تراه هي وفقط هي، وفقا لمصالحها الذاتية، لضمان بقائها.
وهذا لا يسري فقط على أشكال مقاومة الاحتلال، بل ينتشر أيضا على مستوى الحياة العامة واليومية في الشارع الفلسطيني، ومن تجربة شخصية مباشرة، مثلا، فمن اجل أن تنجح هيئة خيرية معروفة في قطاع غزة في توزيع معونات غذائية وصلتها من مناطق 1948، عليها ان تحصل ليس فقط على موافقة الأجهزة التابعة لحكومة حماس، بل هذا منوط أيضا بمزاج تلك المجموعة المسلحة أو غيرها، وهذا كلام مؤلم، ولكن المؤلم أكثر أنه حقيقة.
إن ما يحتاجه الشعب الفلسطيني اليوم من اجل إعادته إلى المسار التحرري الحقيقي، لا بث أوهام بفرج سلام ينتظرنا خلف الباب، ولا بمهرجانات انتصارات بعد جرح جندي أو قتل آخر، مقابل عشرات الشهداء أسبوعيا، بل أولا وقبل كل شيء وحدة فلسطينية تحكمها الثوابت الفلسطينية، والمشروع الوطني الفلسطيني الذي تلتف حوله الغالبية الساحقة جدا من جماهير شعبنا، ثم وضع استراتيجية كفاحية نضالية تحكمها ظروف المرحلة، تستفيد من ذراعين: النضال الشعبي العام والجارف، ومسار تفاوضي محكوم هو أيضا للثوابت. ذراعان يدعم الواحد منهما الآخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟